أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح وعضو حزب العدالة والتنمية، أصبح شيخا يصدر الفتوى من محرابه بعد أن يطبخها في أفرنة النفط. الريسوني يمكن عده تجاوزا مثقفا دينيا وليس عالما بحدود العلم وتفاصيله. تحول في الأسابيع الأخيرة إلى نجم في وسائل الإعلام بعد الفتوى التي أطلقها حول تحريم التسوق من المحلات التي تبيع ضمن معروضاتها الخمور. فانبرت أقلام وجمعيات ترد على مضمون الفتوى. بين من اعتبرها ضد التسامح ودعوة للكراهية وبين من اعتبرها دعاية مجانية لأسواق منافسة لا تبيع الخمر لكن يمكن أن تأكل السحت. وفي كل ما قيل عن الفتوى جزء من الحقيقة. لكن ما لم ننتبه إليه هو شكل الفتوى حيث تكمن الخطورة وحيث النار ثاوية تنتظر إشارة الإحراق. كان ينبغي طرح الأسئلة المحيطة بالفتوى. هل يحق للريسوني أولا أن يتصدى للفتوى لا باعتبار موقعه من مؤسسة الفتوى ولكن بالاعتبار الفقهي؟ وألا تعتبر فتوى تتجاوز المسموح به قانونا في المغرب جريمة أو جنحة؟ أليس من حقنا أن نشك أن فتوى الريسوني هو احتيال حزبي مغلف بلغة الشرع؟ الريسوني ليس فقيها ومبلغه من العلم وصله في رسالة الماجيستير تحت عنوان "نظرية المقاصد عند الشاطبي" وما جاء بعدها هو نوع من "الروسيكلاج" فقط. وقد ظلم الريسوني أبا إسحاق الشاطبي ظلما عظيما عندما عده فقيها مقاصديا في الوقت الذي كان الفقيه الأندلسي يفتي اعتمادا على أصول الفقه مما يمكن عده فقيها أصوليا. والريسوني الذي تصدى للفتوى لا يميز بين علل الشريعة أو ما يمكن تسميته فلسفة الفقه التي تختص في تبيان مقاصد الشرائع المنصوصة، وبين مقاصد الشريعة التي تؤسس لأدوات في استنباط الأحكام الفقهية. وإذا رغب الريسوني في تفصيلات هذه المواضيع سوف نفعل. أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني فأشير بداية إلى أنني لست في مقام مناقشة مضمون الفتوى لكن تنبغي الإشارة إلى هذا الحرج القانوني الذي وضعتنا فيه. فتوى الريسوني تتجاوز المسموح به قانونا في المغرب. لو أن مواطنا آخر غير الريسوني دعا إلى الانزياح عن قانون من القوانين لاعتبرناه مجرما أو جانحا. المعبر الوحيد لتغيير القوانين هو القناة التشريعية. كان حريا بالريسوني أن يتقدم عن طريق إخوانه في حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب بمقترح قانون في هذا الاتجاه والدفاع عنه من خلال فريقه النيابي وطرحه للتصويت ليصبح قانونا. والمسألة الثالثة تتعلق بعلاقة التمايز التي تتحدث عنها حركة التوحيد والإصلاح وأنها تضع حدا فاصلا بين العمل الدعوي والعمل السياسي. لكن تبين أن ما لم تفلح فيه السياسة ينبري له الدعاة. وهنا وجه الالتباس نقدر معه أن الفتوى احتيالا حزبيا مغلفا بلغة الشرع حتى إذا ما خطا الحزب خطوة في هذا الاتجاه يجد الأرض خصبة للحرث. حذار من أن تكون البذور شوكا، فيختلط الوجه المدني والديمقراطي للحزب مع الوجه المتخلف لفقهاء آخر ساعة. ادريس عدار النهار المغربيةالنهار المغربية