تشكل وثيقة "الورقة التأطيرية حول نموذج تنمية الأقاليم الجنوبية"، التي أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مشروعا لبداية تطبيق الحكم الذاتي، النموذج الذي اقترحه المغرب على المنتظم الدولي قصد حل المشكل في الأقاليم الجنوبية المسترجعة، وهو النموذج الذي لقي قبولا دوليا وتبنته الكثير من القوى في العالم، لكنه النموذج المرفوض من قبل الجارة الجزائر وربيبتها جبهة البوليساريو. ورغم أن المنتظم الدولي اعتبر مشروع الحكم الذاتي في إطار جهوية موسعة بالأقاليم الجنوبية الخيار المتبقي من بين الخيارات التي تم طرحها لحل النزاع، فإن الطرف الثاني ظل يعرقل أي مبادرة للحل، وفي هذا التأخير تعطيل لمشروع التنمية بهذه الأقاليم. فالمغرب الذي ظل يبحث عن حل يرضي الصحراويين المغاربة ويجمع شملهم ولا يشتتهم، ولا يستثني أحدا من أبنائه حتى أولئك الذين نازعوه شرعية السيادة على أراضيه ووضعوا يدهم في يد العدو ورفعوا السلاح في وجه إخوانهم، لأن الوطن لن يكون إلا غفورا رحيما حسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني، لأن الوطن يقبل بتوبة أولاده الذين عقوا وخرجوا عن ثوابته، هذا المغرب هو نفسه الذي لا يمكن أن ينتظر أبد الظهر حتى يقبل الآخرون هذا المشروع، ونعتقد أنه في هذا السياق تأتي وثيقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ويجب الانتباه إلى ما قاله شكيب بنموسى أثناء تقديم الورقة أمام جلالة الملك محمد السادس "إن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقترح معالجة موضوع تنمية الأقاليم الجنوبية في إطار الجهوية المتقدمة٬ موجها اهتمامه لمجموع هذه الأقاليم، مع إيلاء عناية خاصة للأقاليم المسترجعة". ما هي العناية الخاصة؟ ولماذا التعامل بطريقة متميزة مع التنمية في الأقاليم الجنوبية؟ المغرب دولة تتكامل أطرافها مع مركزها، ولا يمكن أن تعيش جهات في حالة فقر وأخرى في حالة ثراء، ولكن وفي إطار التضامن بين الجهات يتم توزيع الثروة بشكل يضمن لكل الجهات النهوض والتنمية، غير أن الأقاليم الجنوبية استحقت عناية خاصة نظرا لطبيعتها ونظرا لحاجتها إلى تأهيل يفوق باقي الجهات. وأشار بنموسى بالمقابل إلى وجود مشاكل حقيقية تحول دون حدوث إقلاع اقتصادي وخلق ثروات محلية٬ ومشاكل قائمة في مجال البطالة٬ خاصة بالنسبة للشباب الصحراوي٬ وتوترات اجتماعية نتيجة صعوبة تحقيق التماسك الاجتماعي والاندماج٬ وهي وقائع يغذيها نوع من الشعور بالحيف من طرف بعض الفئات من سكان المنطقة. كما أن الإطار الجيوسياسي وحكامة الأقاليم الجنوبية٬ يضيف رئيس المجلس٬ لم يشجعا على بروز ثقافة مشتركة لتنمية الجهة٬ ولا على إشراك قوي للفاعلين المعنيين أو انسجام في السياسات العمومية المطبقة. إذن الورقة فيها تشخيص للواقع وطرح للبدائل لكن مع تحديد سقف زمني لا يتعدى عشر إلى خمس عشرة سنة على أن تظهر النتائج في الجزء الأول من هذه المدة. إن الورقة بالجملة تمثل النموذج الحي لمقولة إن المغرب فوق أرضه.