يتخذ مفهوم السيادة الوطنية أشكالا متعددة، لكن يتفق الجميع على أن هذا المفهوم يعني حماية الحدود البرية والجوية والبحرية، ومن خلال ذلك حماية أمن الوطن والمواطن، لكن مع الانفجار التقني والتوسع في مجال الإعلام الذي عرف ثورة غير معهودة بدأ الحديث عن السيادة الفضائية. وليس الفضاء هنا ما يتعلق بحرب النجوم أو غيرها ولكنه يعني حماية أمن الوطن من هجومات القنوات الفضائية. وكان في القديم يتم خرق السيادة الوطنية عبر مجموعة من المؤسسات العابرة للدول والأقاليم والحدود، وعلى رأس هذه المؤسسات الكنيسة، واليوم يتم خرق السيادة عبر الشركات المتعددة الجنسيات، لكن كل هذه المؤسسات مقدور على مواجهتها وإخضاعها للقانون، لكن السيادة اليوم يتم خرقها عن طريق القنوات الفضائية، التي تحولت في الغالب الأعم من وسائل لنقل المعلومة إلى منظومات منخرطة في التحولات السياسية التي يعرفها العالم وخصوصا المنطقة العربية. ومعلوم أنه لا يمكن مواجهة حرب الأقمار الاصطناعية بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن في عصر الحقوق والحريات لجم الإعلام من أداء رسالته. لكن لا يمكن السماح لوسيلة إعلام تحولت إلى منظومة في الصراع السياسي وحتى العسكري أن تخوض الحرب ضد دولة من على أرض هذه الدولة. سقنا هذا الكلام بمناسبة هرولة مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، نحو قناة الجزيرة الفضائية، وهو الذي قال بعظمة لسانه إنه سمح لشبكة قنوات الجزيرة بالعمل بالمغرب. لقد ثبت منذ بداية ما يسمى الربيع العربي أن قناة الجزيرة، التي كانت ترفع شعار الرأي والرأي الآخر، ليست قناة إعلامية ولكن منظومة تجاوزت حدود الدولة قصد خرق سيادة الدول المستهدفة بالتغيير كما تم رسمه في أروقة مظلمة، وما إن تتلقى الإشارة حتى تصوب ضرباتها تجاه الدولة المستهدفة. ولقد حاولت الجزيرة لعب هذا الدور في المغرب لكن فطنة الدولة المغربية حالت دون ذلك، عندما زعمت أن سبعة أشخاص قتلوا في أحداث سيدي إفني وتبين أن الخبر مجرد كذب. ولقد كان منع قناة الجزيرة من العمل في المغرب قرارا صائبا ولم يكن مخالفا للقوانين والأعراف ما دامت القناة أعلنت عن نفسها كجزء من منظومة سياسية وحربية. فإذا كان من حق الجزيرة أن تبث عبر الأقمار الاصطناعية وتواجه دولا أخرى كما تفعل الآن، فإنه من الغباء السياسي السماح لها بخوض هذه المعارك والمعارك المقبلة المرسومة سلفا من على أرضنا. فإذا أرادت الجزيرة أن تحاربنا فلتحاربنا من موقع بثها وليس من فوق أرضنا. وبالتالي فإن الترخيص للجزيرة هو شبيه بالسماح للمحتل بدخول الأراضي المغربية ولهذا يكون مصطفى الخلفي قد ضرب السيادة الوطنية. لكن يبقى سؤال مطروح : لماذا هذه الهرولة نحو الجزيرة؟ لأن منظومة الجزيرة ومنذ الخريف العربي أبانت عن انحياز تام لحركات الإسلام السياسي بمختلف تشكيلاتها. يبقى أنه من غير اللائق السماح لحركة التوحيد والإصلاح باستغلال موقعها الحكومي في التمكين لغزو الجزيرة بعد أن مكنت بكل الوسائل لغزو الوهابية.