يعد ترامواي الدارالبيضاء٬ الذي أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ اليوم الأربعاء٬ على تدشين خطه الأول٬ تجسيدا لمسلسل الحداثة الذي انخرط فيه المغرب وبنية تحتية مهيكلة ذات وقع سوسيو- اقتصادي وبيئي قوي٬ من شأنها الارتقاء بالعاصمة الاقتصادية للمملكة إلى خانة التجمعات الحضرية الكبرى على المستوى العالمي. ومن هذا المنطلق٬ فإن مشروع الترامواي الذي سيعود بالنفع العميم على الدارالبيضاء ومنطقتها٬ يروم تطوير العاصمة الاقتصادية للمملكة في اتجاه التحول إلى تجمع حضري يوفر إطار عيش مثالي لساكنته ويعزز من جاذبيته للاستثمارات الأجنبية. فهو إذن أكثر من مجرد مشروع للنقل العمومي ٬ ذلك أنه يحمل في طياته رؤية حضرية وبيئية جديدة فضلا عن إسهامه في إبراز الموروث العمراني لمدينة الدارالبيضاء. ويعتبر ترامواي الدارالبيضاء٬ الثاني من نوعه على مستوى المملكة بعد ترامواي الرباط٬ وسيلة نقل صديقة للبيئة ستشكل بديلا حقيقيا لوسائل النقل الملوثة ٬ كما سيمكن من حل معضلة النقل الحضري بمدينة الدارالبيضاء٬ والارتقاء بمستوى عيش الساكنة البيضاوية والتخفيف من حدة الاختناقات المرورية٬ كما أن هذه البنية كفيلة بجعل الدارالبيضاء وجهة مرجعية لكل من يرغب في اكتشاف أبعادها الحضرية والثقافية والهندسية. ويبرز الوقع الاقتصادي القوي لهذا المشروع بجلاء٬ عبر إسهامه في إحداث المئات من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة٬ وتحفيز الأنشطة التجارية على طول خط مرور الترامواي وإعادة تثمين العقار الموجود على مستوى مجال إشعاعه. كما شمل هذا المشروع تهيئات خاصة ومحفزة لإعادة تنظيم حركة المرور على طول مساره٬ لاسيما من خلال وضع تجهيزات جديدة لتشوير طرقي عصري ومتلائم مع التغيرات التي تشهدها المدينة٬ إلى جانب إعادة تنظيم 90 مدارا وملتقى طرق. وإلى جانب كونه مشروعا بنيويا سيمكن من سد الخصاص الحاصل في مجال النقل الجماعي داخل التجمع الحضري للدار البيضاء٬ وإحداث نوع من التوازن بين مختلف أحياء المدينة وفك العزلة عن الأحياء الهامشية٬ فإن الترامواي يعتبر كذلك مشروعا نموذجيا للتهيئة الحضرية يهم٬ بالخصوص٬ إنجاز أشغال الواجهة على طول 31 كلم من الخط الأول للمشروع٬ وإعادة تهيئة الطرق والأرصفة مع إنجاز هوامش جديدة وتبليط جديد٬ وكذا تجديد الشبكة تحت أرضية للتطهير السائل وتركيب شبكة جديدة للإنارة العمومية وإنجاز تأثيث حضري عصري وجذاب. وتطلب المشروع إعادة تهيئة مساحة 90 هكتارا من المدينة من خلال غرس 2000 شجرة ونخلة واستنبات 2000 شجرة أخرى ٬ مع ما رافق ذلك أشغال كبرى وعمليات للتزيين طالت بالخصوص ساحة الأممالمتحدة وساحة الدارالبيضاء المسافرين ٬ اللتين أعيد تهيئتهما ٬ إلى جانب إنجاز خمسة أقطاب للتبديل لتفاعل المرور مع الحافلات. وقد قام مجلس المدينة باتخاذ عدد من الإجراءات لتحفيز ساكنة العاصمة الاقتصادية على استعمال هذه الوسيلة ٬ لاسيما عبر تحديد ثمن التذكرة في ستة دراهم٬ بينما حدد واجب الاشتراك الأسبوعي في 60 درهما٬ والاشتراك الشهري في 230 درهما ٬ فيما لا تتعدى قيمة هذا الاشتراك الشهري بالنسبة للتلاميذ والطلبة 150 درهما. وبخصوص وقعه الاجتماعي والبيئي٬ سيمكن المشروع من تعزيز جاذبية المناطق التي يعبرها (العقار والتجارة)٬ وتقليص التلوث الهوائي والسمعي بمناطق مروره٬ وتقوية وإعادة تنظيم وسائل النقل الجماعي وتقليص استهلاك الطاقة وتحسين مستوى الأمن٬ إلى جانب تثمين التراث الهندسي للمدينة وإعادة تأهيل المحاور الحضرية التي يمر منها الترامواي.وكانت أشغال مشروع الترامواي بمدينة الدارالبيضاء قد انطلقت في شهر مارس 2011. وقد جاء هذا المشروع بعد الدراسة التي أنجزتها الجهة حول التنقلات الحضرية٬ والتي أظهرت أن وسائل النقل العمومي لا تشكل سوى 30 بالمائة من وسائل النقل المستعملة بالمدينة٬ حيث إن حصة النقل الجماعي عبر الحافلات تراجعت من 18 بالمائة سنة 1975 إلى 13 في المائة سنة 2004 ٬ مقابل ارتفاع نسبة الاعتماد على سيارات الأجرة من 1 بالمائة سنة 1975 إلى 15 بالمائة سنة 2004 ونسبة التنقل سيرا على الأقدام من 51 بالمائة إلى 53 بالمائة خلال الفترة نفسها. ويبلغ طول الخط الأول من ترامواي الدارالبيضاء 31 كلم٬ حيث يشتمل على 48 محطة للوقوف ٬ علما أن هذا الخط الذي بلغت كلفته الإجمالية 9ر5 مليار درهم٬ والذي سيمكن من نقل 250 ألف راكب عبر 37 مقطورة تجوب 10 شوارع٬ سينطلق من سيدي مومن مرورا بشارع عقبة ويوسف بن تاشفين والحي المحمدي ومحطة البيضاء للمسافرين مرورا بشوراع محمد الخامس والحسن الثاني وعبد المومن ومكة وصولا إلى الكليات ٬ إلى جانب خط فرعي يمر عبر أنوال وعمر الخيام والقطب أنفا والحي الحسني. وتقدر المدة التي سيقطعها الترامواي من المحطة الأولى إلى الأخيرة ب 60 دقيقة ٬ بسرعة 19 كلم في الساعة٬ فيما يقدر عدد الركاب الذين سيتم نقلهم ب 250 ألف يوميا. وهكذا٬ فإن هذا المشروع البنيوي الوازن٬ يشكل إلى جانب عائداته السوسيو- اقتصادية الكثيرة٬ فرصة للعاصمة الاقتصادية للمملكة من أجل تحقيق الإقلاع المنشود٬ وذلك في الوقت الذي تواجه فيه تحديات عدة ذات ارتباط مباشر مع توسعها الاقتصادي والحضري والديموغرافي.