لم تستطع المرأة الوحيدة في حكومة بنكيران من أن تجد لها موقع قدم وسط عمل الوزراء. وكلما تخرج علينا لا تقول شيئا بل تتمسك بلازمة في كل مرحلة وفي كل لحظة ألا وهي "ينبغي تحديد المفاهيم". نعرف أن المفاهيم أدوات للتحليل وليست للتعبير والجمل الإنشائية التي يتقنها أولاد العدالة والتنمية. فعندما كانت السيدة الوزيرة تقف أمام مختصين ومهتمين بالتنمية الاجتماعية والبشرية قالت لهم قبل كل شيء ينبغي تحديد المفاهيم. وستبقى بسيمة الحقاوي تدور في حلقة مفرغة عمادها "المفاهيم"، فعندما يتطلب الوضع تحديد موقف والشروع في العمل الجاد تلجأ الحقاوي إلى قصة ضبط المفاهيم. واليوم عندما شرع الناس في الشطر الثاني من التنمية البشرية عادت الوزيرة لنفس النغمة وقالت لهم ينبغي تحديد المفاهيم، وقبل ذلك جاءت الحقاوي لتفاجئ الجميع بأنها ستلغي الأجندة لأن هذا المفهوم ليس عربيا. يمكن رفض مضمون الأجندة الذي تركته الوزيرة السابقة لكن رفضها لأنها مصطلح أجنبي فهذا جهل بواقع التطور اللغوي. ولقد تضمن القرآن الكريم العديد من المصطلحات الأجنبية أو الأعجمية وتعامل معها بشكل طبيعي كالقرطاس والسلسبيل والنمارق وغيرها. ونسيت الحقاوي أن رحلة الذهاب والإياب بين اللغات طبيعية وضرورية لبقائها على قيد الحياة. فالانتفاضة كإبداع فلسطيني دخلت القاموس العالمي، ودخلت البريسترويكا والغلاسنسوت القاموس العالمي رغم أنها مصطلحات روسية جاءت مع ميخائيل غورباتشوف آخر أمين عام للحزب الشيوعي قبل انتهاء المرحلة السوفياتية. وفي روسيا أيضا يوجد شارع اسمه أربات ويعني عربات حيث كان مخصصا في الحقبة التركية لمرور العربات. وهكذا يتم إنتاج المفاهيم. لكن الخفي في تشبث الحقاوي بقشة المفاهيم هو طبيعة فهم العدالة والتنمية للعمل الاجتماعي ودوره. وطبيعة الأدوار التي يمكن أن يلعبها في المشروع الانتخابي وفي المشروع الدعوي للوهابية السياسية. فالوهابية السياسية ترى في العمل الاجتماعي المدخل الحقيقي لكسب تعاطف المواطن الذي يتحول بقدرة قادر إلى ناخب زبون، وهذا سر هيمنة العدالة والتنمية على المشهد السياسي فهو يشتغل من خلال الكثير من الجمعيات الثقافية المرتبطة بالحركة الدعوية المختلطة بالمؤسسة الدينية الرسمية في كثير من المناطق. فالعمل الاجتماعي في نظر هؤلاء ليس رافعة للتنمية البشرية والتقدم الاجتماعي وتأهيل المواطن ولكن هو رابط بين المستفيد من الخدمات وبين الحركة الدعوية والحزب السياسي. فقفة رمضان وكبش العيد ومحفظة المدرسة هي بمثابة "الطعام المشروك" وهي الشيء الذي يربط المواطن بالحزب فيصبح زبونا له خلال كل عملية انتخابية. من هذا المنطلق سيكون مفهوم بسيمة الحقاوي للعمل الاجتماعي مختلفا عن غيرها، فالتنمية البشرية التي شكلت بشهادات أممية رافعة لتأهيل المواطن المغربي وحولته من وضع إلى وضع ونجحت بنسبة عالية ووسعت كل فئات المجتمع في حين لا تصل خدمات "الإخوان" إلى المناطق التي لا تعتبر ناخبة. العمل الاجتماعي عند الحقاوي وإخوانها هو ما يحقق من عائد انتخابي ولهذا كان لزاما تحديد المفاهيم.