تعيش جماعة العدل والإحسان على وقع خلافات داخلية قوية، ولم تعد الخلافات محصورة في بضعة أشخاص بل أصبحت توجها عاما وتيارا يعتمل داخل الجماعة، وليست خرجات عبد العالي مجذوب، العضو السابق في مجلس الإرشاد، معزولة كما تحاول القيادة المتنفذة تصويره لأتباعها، بل تعززت بمواقف أخرى خصوصا للتيار الذي أنشأ صفحة على الفايسبوك والمسمى "أشبال العدل والإحسان لنصرة الصحبة"، وكذلك موقف المستقيلات من قيادة القطاع النسائي ويتعلق الأمر بندية ياسين، ومنى خليفي، وغزلان بحراوي، وفاطمة قصيد، ومريم يفوث، ونجية رحماني وعزيزة صخراجي. ومما أزم الأوضاع داخل الجماعة هو فشل رهانها على الربيع العربي، حيث كانت تعد أنصارها بقرب "النصر" لكن تبين أن كل كلامها كان هراء ولا مصداق له على أرض الواقع، بل إنها أوهمت أعضاءها أن الربيع العربي هو المدخل لتحقيق القومة الإسلامية، هذا الفشل أيقظ النيام حيث أصبحت الجماعة تواجه انتفاضة داخلية حقيقية، تغذيها رغبة قوية للديموقراطية والشفافية. وأصبحت اليوم العضوات المستقيلات من قيادة القطاع النسائي ونخبة المثقفين التي وجهت نقدا لاذعا للجماعة وتوجهاتها وعلى رأسها عبد العالي مجذوب وتيار "أشبال العدل والإحسان لنصرة الصحبة"، تشكل فعلا قوة ضاربة داخل الجماعة يمكن أن تقود "القومة" داخلها والتي تحاول الجماعة تفاديها وإخفاء الحديث عنها. وقد فشلت كل مساعي الصلح التي قادها مجلس الإرشاد مع المستقيلات من القطاع النسائي وذهبت كل محاولاته أدراج الرياح. إن الدعم القوي الذي تحضى به الناشطات بالقطاع النسائي وكذا الحياد السّلبي للمرشد العام تجاه صراعهن مع مجلس الإرشاد، جعل كلا من ندية ياسين والمخلصات لها تواصلن معارضتهن عاليا لخصومهن وانتقادهن لطريقة تسيير شؤون الجماعة، واعتبارها مبتذلة. وأخذ الصراع بين مجلس الإرشاد والقطاع النسائي منحى تصاعديا وأبعادا خطيرة عن طريق استهداف أعضاء مجلس الإرشاد عبر الفيسبوك من خلال "أشبال جماعة العدل والإحسان لنصرة الصحبة" والذي يعتبر تيارا تصحيحيا، داعيا إلى العودة إلى التوجّه الأول للجماعة، أي الدعوة على خلفية ترسيخ مبدأ الصحبة. ويعتبر تيار أشبال جماعة العدل والإحسان لنصرة الصحبة تعبيرا عن ثورة أخلاقية ضد الاستبداد الممارس من قبل قياديّي الجماعة التي تتسلّط على دواليب هذه الجماعة وذلك بتحويلها عن هدفها الدعوي مع التضحية بالديموقراطية الداخلية. وسجل أشبال العدل والإحسان محاولات فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم الجماعة، الاستفراد بتسيير دواليبها حيث حاول في الهيكلة الجديدة المسماة "البناء الجديد" التغاضي عن منصب المرشد العام وعن مهامه مع منح كل الصلاحيات لمجلس الإرشاد الذي يهيمن عليه، وحاول مجلس الإرشاد تقوية مهامه من خلال التكلف بالتنظيم الدولي الموسوم ب"مدرسة العدل والإحسان" أي التنظيم الذي ينشط في الخارج. إن استعلاء مجلس الإرشاد والذي يظهر بارزا للعيان لدرجة أنه يتحكم في تسيير ثلاثة تنظيمات مركزية، وهي الهيئة العامة للتربية والدعوة والكتابة العامة للدائرة السياسية والهيئة المسماة الهيئة العامة للأمل النسائي - قطاع نسوي - الذي أزاح الهيئة المسماة الزائرات كرد انتقامي ضد ندية ياسين التي كانت تدبر، حديثا، هامشا من الحرية الذي كان يغيب عن سيطرة مجلس الإرشاد. ولا يبدو أن هذه التحركات ستمر بردا وسلاما على جماعة العدل والإحسان ولكن ستكون لها تبعات خطيرة على التنظيم الداخلي للجماعة الذي قد يصل إلى حد الانشقاق.