أكد مشاركون في ندوة حول "الوضع الحالي للقدس", نظمت بعد ظهر اليوم الأربعاء بالرباط, أن الوضع الراهن في القدس لم يعد وضع الاحتلال بل تعداه ليتحول إلى مشهد خطير لتهويدها ومحو شخصيتها. وشدد المتدخلون في هذه الندوة, المندرجة في إطار ملتقى القدس الدولي (28-29 أكتوبر) الذي تنظمه وكالة بيت مال القدس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس, على أن ذلك يدعو إلى اعتماد خطة استراتيجية واضحة الأهداف ومحددة الوسائل وأدوات العمل لإنقاذ القدس الشريف مما يتهددها من مخاطر. واستعرضوا المراحل التاريخية والسياقات التي مرت منها عملية تقسيم مدينة القدس والصراعات العديدة التي شهدتها هذه المدينة للسيطرة عليها. وفي هذا الإطار, تناول السيد سليم تماري مدير مؤسسة الدراسات المقدسية في مداخلة بعنوان "جذور العزل الإثني في تخطيط السياسات والممارسات الإسرائيلية" الجذور التاريخية للتخطيط في مدينة القدس في الفترتين العثمانية والانتدابية, مبرزا الطريقة التي قام بها مخططو فترة الانتداب البريطاني بإنشاء أحياء جديدة تعتمد على العزل الإثني والطائفي وكذا من خلال إنشاء مناطق خضراء حيث شكلت هذه المخططات قاعدة لتقسيم القدس على أسس إثنية واستعمارية بعد احتلال الأراضي عام 1967. وأبرز السيد تماري أن الحكم العسكري البريطاني في فلسطين (1917-1921), وبعده سلطة الانتداب, التي حولت القدس من مبدأ المواطنة إلى مجتمع الطوائف, تبنى مبدأ التخطيط الهيكلي لمدينة القدس في أربعة مخططات حاولت إبراز خصوصية المدينة المقدسة. وأضاف أنه مباشرة بعيد الاحتلال البريطاني جاء مخطط سنة 1918 حيث تم تقسيم القدس إلى أربعة قطاعات هي المدينة التاريخية والحزام الأخضر وشمال وشرق المدينةوالقدسالغربية, معتبرا أن هذا التطور التخطيطي عزز مفهوم المناطق المنعزلة, طبقيا ومذهبيا, الغريبة عن تاريخ القدس. من جهته ذكر السيد أسامة حلبي باحث قانوني يعمل في القدس, في مداخلته حول الأوضاع الحالية لأهل القدسالشرقية, بأن إسرائيل جزأت منذ عام 1948 الشعب الفلسطيني إلى خمس مجموعات هي (مواطنون في إسرائيل منتقصو الحقوق-فلسطينيو 1948) و(مقيمون دائمون في القدس) و(المقيمون المؤقتون) و(الماكثون دون أي حقوق) و(الغرباء سكان الضفة الغربية وقطاع غزة), معتبرا أن هذا التجزيء جاء ليكمل التجزيء الجغرافي الذي قامت به إسرائيل, التي اتخذت بعد يونيو 1967 قرار سياسيا بوجوب الضم وضعت لتنفيذه قوانين شكلت الغطاء القانوني لعملية الضم هاته. واستعرض السيد حلبي المراحل التي مرت بها مدينة القدس منذ احتلالها والتي تمثلت في مرحلة الاحتلال والضم, وترسيخ وتوكيد الضم في ثمانيات القرن الماضي من خلال استمرار مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات, والمرحلة التي وقع فيها المقدسيون بين "فكي الكماشة" أي تطويق الجدار الفاصل للمدينة وعزلها, مشيرا إلى أن المكانة القانونية للمقدسيين منذ عام 1967 هي كونهم مدنيون محميون غالبيتهم العظمى مقيمون دائمون في إسرائيل. من جانبه, أبرز السيد رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة في مداخلته حول "القدس عاصمة الثقافة العربية-2009" المغزى العميق من جعل عاصمة عربية محتلة عاصمة للثقافة, مشيرا إلى أن الأهداف الرئيسية من الاحتفاء الثقافي بالمدينة المقدسة تمثلت في إعادة الصدارة للقيمة الثقافية للقدس وإبراز بعدها الحضاري التاريخي والديني بما يعزز هويتها الثقافية العربية وحماية معالمها التاريخية. وتتثمل هذه الأهداف أيضا في تعزيز صمود المواطن المقدسي ثقافيا وتربويا واجتماعيا وتفعيل الحراك الثقافي في القدس, وتأهيل بنى تحتية مناسبة للاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية, وتوسيع وتعميق دائرة التضامن العربي والدولي للحفاظ على عروبة القدس. وأوضح السيد الحسيني أن العبر التي تم استخلاصها من هذا الاحتفاء تتضمن بالخصوص كونه أفرز فريق عمل متجانس, حكومي وأهلي, كان أساس النجاح, والتأكيد على ضرورة العمل على استخدام الثقافة كسلاح نضالي ضد الاحتلال الإسرائيلي باستعمال "قوة الثقافة" مقابل "ثقافة القوة", وكذا ضرورة القيام بتحرك إعلامي وسياسي قوي, والتأكيد من مبدأ أن الثقافة لا تقدر بثمن على أن حضارة القدس ليست للبيع فالمدينة المقدسة مفعمة وزاخرة بالثقافة بمختلف أنواعها وفي مداخلته باسم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) قال مديرها العام السيد محمد العزيز بن عاشور إن المنظمة حرصت على التنسيق لفعاليات القدس كعاصمة للثقافة العربية سنة 2009 بمختلف أشكاله وخاصة من خلال دعم اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم, مشيرا إلى أن (الألكسو) ستنظم مستقبلا ندوة حول القدس في باريس مساهمة في توعية الرأي العام في أوروبا بالخصوصيات التاريخية والحضارية والاجتماعية. وأكد السيد بن عاشور أن المنظمة تحرص كذلك على المساهمة في كل الجهود ولمعاضدة كل المبادرات والبرامج التي تسعى إلى تحقيق الحماية الشاملة للقدس بوصفها كنزا إنسانيا, ومن ذلك تصديها لكل المحاولات التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى إدراج مدينة القدس وغيرها من مكونات التراث الفلسطيني على قائمة التراث العالمي ل`"اليونيسكو" باسمها. وفي موضوع "الصراع على القدس .. الحالة القائمة" تساءل السيد مهدي عبد الهادي رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (باسيا) هل هناك صراع على هوية القدس أم على السيادة فيها أم على مستقبلها, منبها إلى أن القدس تتعرض في الآونة الأخيرة لعملية إغلاق كامل ولقوانين عنصرية وحفريات وأنفاق تحت الأقصى وهدم المنازل, وأن المعركة الحالية في القدس انتقلت من معركة المواطنة إلى معركة العقيدة. وذكر السيد عبد الهادي بتوصية محكمة العدل الدولية بلاهاي بأن القدس مدينة محتلة يتعين إنهاء احتلالها وإزالة الجدار العنصري وتعويض السكان, مبرزا أن المحطة الراهنة التي تنص عليها "خارطة الطريق" تتحدث عن حل تفاوضي لوضع القدس يأخذ بعين الاعتبار الاهتمامات السياسية والدينية للجانبين, ويحقق رؤيا لدولتين, إسرائيل وفلسطين, تعيشان جنبا إلى جنب. من جهته, أكد السيد مناحم كلاين الأستاذ في جامعة بار إيلان أن المخططات الإسرائيلية في القدس ترمي إلى تغيير الوضع القائم في هذه المدينة من خلال السماح بزيارات اليهود إلى الحرم الشريف والصلاة عند حائط المبكى, وذلك لتغيير طبيعة النزاع من نزاع سياسي إلى ديني, وهو ما يهدد بنزاع ذي بعد ديني كبير وخطير جدا. وأضاف السيد كلاين أن إسرائيل تعمل ضمن مخططاتها لتهويد القدس على إيجاد المستوطنات لتبقي الهوة التي تقسم المدينة المقدسة, لذلك, يضيف كلاين, فإن إسرائيل أخذت في إنجاز الاقتحامات والمداهمات داخل الأحياء الفلسطينية على غرار ما تفعله في الضفة الغربية لتوجد وتكرس الانقسام بين المقدسيين والفلسطينيين في أماكن أخرى من الأراضي المحتلة. من ناحيته, دعا السيد محمد بن جلون أندلسي رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وكالة بيت مال القدس والأوقاف الفلسطينية إلى تأسيس خلية أوقاف تدافع من خلالها الدول العربية والإسلامية عن أوقافها بالمدينة المقدسة.وأكد السيد بن جلون أندلسي أهمية النداء الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس, في رسالته إلى المشاركين في هذا الملتقى, لكل الإرادات الحسنة من أجل التحرك العاجل قصد خلق تحالف عالمي بين كل القوى الملتزمة بالسلام والضمائر المؤمنة بقيم التسامح والتعايش لإنقاذ مدينة السلام ومهد الأديان السماوية.