ظهرت موجة تمرد داخل جماعة العدل والإحسان همت الأطر بالأساس، الذين شرعوا في انتقاد الجماعة وعبد السلام ياسين بعد أن ملوا سنوات طويلة من الكذب والافتراء، ومن بين هؤلاء عبد العالي مجذوب أحد أبرز كتاب الجماعة وقيادييها، وهو أستاذ جامعي بمراكش، انخرط في صفوف الجماعة منذ بداياتها الأولى في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان قبل التحاقه بالجماعة من الثوريين مثله الأعلى تشي غيفارا ومعمر القذافي، قبل أن يلتحق بالجماعة ويصبح واحدا من أتباع ياسين ومن القيادات الوطنية للجماعة. وكان مجذوب قد دخل في نقاشات مع أحمد الملاخ ومحمد العلوي السليماني اللذين أقنعاه بالانضمام إلى صفوف الجماعة. واستطاع مجذوب، بخبرته التي اكتسبها من اليسار، أن يتسلق سلم القيادة داخل الجماعة بشكل سريع حتى أضحى مسؤولا وطنيا على القطاع الطلابي وكان له دور كبير في التخطيط لهيمنة طلبة العدل والإحسان على الساحة الطلابية منتهى الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، ونظرا لحيويته كان محط حسد وغيرة من قبل أطر القطاع الطلابي مثل عبد الصمد فتحي ومحمد باسك الملقب بمنار الذين تهربوا من العمل إلى جانبه في جريدة القطاع الشبابي "رسالة الفتوة" التي كان يديرها محامي الجماعة محمد أغناج. وبعد أن قدم محمد البشيري استقالته من الجماعة اجتمع مجلس الشورى للنظر في تعويضه فتم تعيينه عضوا في مجلس الإرشاد ومع مرور الوقت أوجد مجذوب له مواقع قدم وسبق داخل الجماعة وأصبح واحدا من المقربين من فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة. وبعد تعيينه مسؤولا عن القطاع الإعلامي للجماعة ظهرت مواقفه المعارضة لندية ياسين كريمة مؤسس الجماعة وامتد هذا الصراع بينهما طويلا وقال ردا على انتقادها لحزب العدالة والتنمية والتهم التي وجهتها له "رغم ظروف القمع والتضييق التي تعيشها الجماعة، فإن ذلك لا يمنعنا من أن نقول كلمة الحق ولو على أنفسنا.. السيدة نادية ياسين في كل تصريحاتها وتحليلاتها تزعم دائما أنها تعبر عن آرائها الشخصية، وما دام الأمر بهذه الصفة، فيمكن لأي عضو في الجماعة أن يعبر عن رأيه الشخصي. ومن هذا المنطلق، فأنا هنا أعبر عن رأيي الشخصي، إن المفترض في نادية ياسين، وهي التي لها مكانة معتبرة في الواجهة الإعلامية أن تتحرى الدقة في تصريحاتها وأن تضبطها، لأن كثيرا من آرائها قد يتعدى الإطار الشخصي ويصبح في نظر واستنتاجات السياسيين والإعلاميين والمراقبين لشأن الجماعة رأيا رسميا. ولذلك ينبغي على من يتبوأ هذه المكانة في الواجهة الإعلامية أن يحترز ويحتاط من أن يصدر أحكاما دون أن يكون له عليها بينة"، وهاجم مجذوب تهكم ندية ياسين على قيادة الجماعة الذين تصفهم بمحدودي الثقافة. و واصلت الصراع بين الطرفين أن شكت ندية ياسين في أن مجذوب هو من يحرض ضدها وخصوصا أعضاء مجلس الإرشاد وهو الذي يدفعهم لمناهضة خرجاتها الإعلامية، لكن ندية المدعومة من الوالد الذي يرفض أي مس بعائلته الصغيرة وخصوصا كريمته ندية، ضاعفت من حظوظها في الحرب التي شنتها على مجذوب مما أدى إلى اندحاره في انتخابات 2003 التي أفرزت قيادة جديدة ليس فيها مجذوب طبعا، فتبين له أن المكاشفة والصراحة لا تصلح داخل جماعة العدل والإحسان، ومنذ هذا التاريخ أصبح منبوذا من قبل القيادة ولم يعد يتم استدعاؤه لملتقيات الجماعة أو ليحاضر داخل الجامعة في منتديات طلبة العدل والإحسان ولم يعد يسمح له بالكتابة في الموقع الإلكتروني إلا لماما عندما يكتب عن الشعر وفي انتقاد الحداثة أو شيء من هذا القبيل، وكل ذلك خوفا من أن يسرق من قيادة الجماعة الأضواء. ويمثل مجذوب جيلا جديدا من أطر جماعة العدل والإحسان، وكانت له اقتراحات جريئة فيما يتعلق بعمل الدائرة السياسية التي ينبغي منحها نوعا من الاستقلالية حتى تتحول إلى قوة اقتراحية بدل أن تبقى تتلقى التعليمات من ياسين ومن مجلس الإرشاد، وعندما اشتد انتقاده للجماعة وجرأته في التعبير عن أفكاره تم رفع تقرير بشأنه إلى ياسين الذي وجه إليه توبيخا قاسيا أثناء انعقاد مجلس نقباء الجهات بسلا، وتضمن النقد إشارات قوية إلى أن الجماعة ليست في حاجة إليه وأن ياسين وحده هو ضامن استمرارها. وفهمت قيادة الجماعة توبيخ ياسين لمجذوب على أنه رسالة قصد إبعاده والابتعاد عنه، فأصبح منبوذا لا يأخذ برأيه حتى لو كان عين الصواب وقلب الحقيقة، ففهم أن الرسالة تقتضي منه الابتعاد عن الجماعة فقرر تقديم استقالته من مجلس الإرشاد سنة 2007، وحاولت الجماعة وكعادتها التستر على خلفيات الاستقالة وأخبرت أعضاءها بأن مجذوب تم إعفاؤه من مهامه لأسباب عائلية وشخصية حيث كان أقدم على الطلاق. وهاجم مجذوب أخيرا الجماعة بشراسة غير معهودة وقال في انتقاده للجماعة ولعبد السلام ياسين "في تقديري أن من التطرّف الذي لا خيرَ فيه أن تظلَّ جماعة العدل والإحسان تعالج أوضاعا مُستحدَثة، كالأوضاع الجديدة التي أنتجها الربيعُ العربي، بأدواتٍ واجتهادات تبلورت منذ أكثر من ثلاثين سنة، والتي لم تَعُد صالحة، في بعض جوانبها على الأقل، للنظر للقضايا الراهنة التي نشأت في سياقاتٍ وملابسات وظروف هي غيرُ السياقات والملابسات والظروف التي كانت سائدة قبل ثلاثين عاما". ووصف اجتهادها السياسي بالجمود وقال إن الجماعة " لا تحترم القواعدَ والمبادئ المعروفة والمطلوبة في العمل السياسي، الذي هو عملٌ يقوم، في أساسه، على اعتبار متغيرات الواقع، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر إلى المآلات". وعن النتائج السياسية التي كسبتها العدل والإحسان من خروجها إلى جانب حركة 20 فبراير قال مجذوب "لا شك أن جماعةَ العدل والإحسان قد كسبَتْ رصيدا إعلاميّا لا بأس به، وخاصة في أثناء مشاركاتها النشيطةِ والمتميزة في فعاليّات حركة 20 فبراير، في المسيرات والاعتصامات، وفي الندوات والبيانات وسائر أشكال الاحتجاجات والاتصالات. لكن الأضواءَ الإعلامية شيء، والكسبَ السياسي الواقعي، الذي أزعم أن الجماعة كان لها منه صفرٌ، شيءٌ آخر". ولم يستثن ياسين من نقده اللاذع حيث قال " هذه الأطروحةُ التي انتهى إليها اجتهادُ عبد السلام ياسين في السبعينيّات من القرن الماضي، والتي كانت وليدةَ ظروف وأحوال أحاطت وقتئذ بصاحبها المجتهدِ، لم يَعُدْ لها من مسوّغ الآن بعد أن تغيرّت الظروفُ والأحوال تغيّرا كبيرا، ولم يَعُد الطريقُ سالكا إلى القومة الإسلامية، كما نظّر لها الأستاذ ياسين، وهي القومة/الثورة التي من أهدافها القضاءُ على النظام الجبري ، لبناء الدولة الإسلامية القطرية تمهيدا للسير نحو الخلافة الثانية على منهاج النبوة، حسب اجتهاد الأستاذ ياسين في فهم حديث الخلافة المشهور وفقهه".