نحن قوم لا نعرف كيف نختلف... وإذا اختلفنا لا نعرف كيف ننظم الاختلاف وإذا نظمنا الاختلاف لا نعرف كيف نتحاور وإذا تحاورنا واختلفنا في الرأي، يصعب علينا أن نناقش الأمر في هدوء، ودون انفعال، ودون شتم أو سباب وتخوين وتكفير.. أي أن »نجادل بالتي هي أحسن« . فالقاعدة التي استقرت عندنا هي أن: »الناقد المادح مأجور والناقد القادح مسعور« ! ما أن نختلف مع أحد في الرأي حتى يصبح عميلا مأجورا، أو أبله مجنونا، أو شيطانا في صفة إنسان، وقد يصل الأمر إلى اتهامه بالدياتة والشذوذ الجنسي... ولو »زغبك الله« وقررت أن تعبر عن رأيك في موضوع له علاقة بمهنة المتاعب، أو بمشتغل في مهنة المتاعب، ولم تنظلق فيه من مبدإ نصرة »الأخ« ظالما أو مظلوما، فهيئ نفسك لتلقي أبشع الشتائم وأرذلها، والتي تبدأ من »التمخزن« لتصل إلى »الكبت الجنسي« الذي يدفع صاحبه إلى إخراج صور بورنوغرافية من قمطر مكتبه، بعد مغادرة »الزملاء« ، لقاعة التحرير، والشروع في »جلد عميرة« مستعينا ب »صابونة« وفوطة يخفيها في القمطر نفسه ! ولمن لا يعرف المقصود ب »جلد عميرة« يمكنه أن يسأل »مفجر« قضية »أخبار اليوم« خالد كدار، فهو صاحب الكاريكاتور الشهير الذي أهان أكثر من خمسين صحافيا في يومية »الأحداث« المغربية، مما اضطرهم إلى رفع أكثر من أربعين دعوى قضائية أمام محاكم الدارالبيضاء والمحمدية والرباط وسلا... ضد مدير الأسبوعية التي نشرته (علي المرابط مدير »دومان« ) فكان نصيب العبد لله مقال شهير - في الأسبوعية - نفسها قيل عنه ما لم يقله مالك في الخمر، و »توج« بتهمة »جلد عميرة« في قاعة التحرير، بعد انصراف باقي أعضاء هيئة التحرير إلى بيوتهم ! ولأنني تعودت على الصدق، وعلى احترام ذكاء القارئ، حتى ولو أدى ذلك إلى اتهامي ب »الجلد العلني لعميرة« أو بممالأة »المخزن« أو ب »الحقد وتصفية الحسابات« ... فإنني لن أتردد اليوم، كما فعلت بالأمس القريب، في أن أدافع عما اعتبرته حقيقة، دون أن أزعم أنها الحقيقة المطلقة، ودون أن أسمح لنفسي بإعطاء دروس لأحد... لأنني مؤمن بما قاله السيد المسيح: »من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر« .. والعبد لله ارتكب العديد من الأخطاء بل الخطايا، في مساره الصحافي، الطويل نسبيا (أكثر من ربع قرن)، وهو يملك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بها بل للاعتذار عنها: أول هذه الأخطاء، بل الخطايا، خبر نشرته في ملحق »تلفزة وإذاعة« - أيام إشرافي عليه - في جريدة »الاتحاد الاشتراكي« ، في عز فترة السطوة والانتشار الكاسح، التي تصيب عادة بالدوار... كان الخبر يتحدث عن مجموعة من - العاملات - النجمات في »قيادة التلفزة« في عهد الذي »لا يعرف إيه ساري في التلفزة، (في إشارة واضحة إلى مدير التلفزة آنذاك »إيساري« ) بما يفيد أن ظهورهن في البرامج وعمليات الربط لا علاقة له بالكفاءة، بل ب »أشياء« أخرى يعرفها جيران إحدى الشقق بأكدال، إلخ... ولكي تكتمل فصول الجريمة، عمد مركب الخبر إلى تعزيزه بصورة لسيدة فاضلة اسمها فاطمة التواتي ! ولكم أن تتصوروا حجم »الإجرام« المرتكب في هذا الخبر، الذي وصلني من »مصدر موثوق« ، فنشرته، هكذا، بدون أي اعتبار لما قد يترتب عنه من مساس بشرف وعرض 13 آنسة وسيدة كن يظهرن وقتها على شاشة القناة الأولى.. وأضفنا إلى ذلك إساءة إلى سيدة فاضلة معروفة في الوسطين الإعلامي والفني، هي السيدة فاطمة التواتي، من خلال نشر صورتها مع الخبر.. طبعا، كان هناك اعتذار للسيدة التواتي، ولزوجها الزميل العزاوي، ولكن »بعد إيه« ! »جريمة« أخرى ارتكبها العبد لله في المرحلة نفسها، طالت هذه المرة، السيدة فاطمة الإفريقي عندما سمح بنشر سلسلة مقالات كان يكتبها »زميل« لها في التلفزة، عرض في إحداها بسمعتها، بل بشرفها - ولو كان ذلك عن طريق الغمز واللمز باستغلال اسمها العائلي - وكان الأمر »إجراما« بكل ما في الكلمة من معنى... ولكن المكابرة و »فائض القوة« الذي كنا نشعر به وقتها، منعنا من تقديم اعتذار للسيدة فاطمة الإفريقي رغم إدراكنا لحجم الإساءة التي تعرضت لها من طرف »زميلها« الذي كان ينشر مقالاته باسم مستعار.. خطأ آخر، لا يقل بشاعة عن سابقه: في عز المواجهة بيني وبين حسن نجمي، والتي كنت محقا فيها بلا أدنى شك، صرح نجمي لإحدى الأسبوعيات بما يفيد أنني »شاذ جنسيا« (قال بالحرف الواحد إنني حدثته في فترة الصداقة عن »طفولتي المغتصبة« !) فكان ردي على الخطإ بل الخطيئة، بخطيئة أكبر منها، إذ قمت بالتعريض بأسرته، التي لا ذنب لها في الموضوع، حيث كتبت ما معناه: »إنني، على كل حال، لم أنشأ في وسط تسود فيه الدعارة والقوادة وبيع الخمور« ... كانت سقطة أخلاقية ومهنية مدوية، لا يمكن تبريرها : لا برد الفعل، ولا بالانفعال (ما دخل أسرته في الموضوع؟« . خطأ، بل خطيئة أخرى، أشعر كلما تذكرتها بالخجل وبالندم في آن: عندما صدرت »الأحداث المغربية« وبدأت تحقق نجاحا ملحوظا، أزعج »إخوة« الأمس في جريدة »الاتحاد الاشتراكي« ، بدأ حسن نجمي يهاجم الجريدة ناعتا إياها ب »صحافة العازل الطبي« ، ثم ب »الصحافة التي تكتب بدم الحيض« ... فبادرنا إلى الرد بأسلوب الضرب تحت الحزام، من خلال »تبني« مقال كتبه أحد الزملاء على أساس أنه »من صميم الأحداث« كان مقررا نشره في الصفحة الأولى ولكن المدير اعترض عليه (وكل ذلك كان غير صحيح على الإطلاق : لا المدير اطلع عليه ولا قرر طبعا في موضوع نشره من عدمه !)... وقمنا بإرساله عبر الفاكس إلى كل المؤسسات الصحافية الوطنية... كان »المقال« يتضمن كل ما يمكن جمعه من زبالة وسفالة ونذالة في قاموس الشتم والقذف، طالت الرجل، ولكنها طالت أيضا أشخاصا قريبين منه، لم يكن لهم دخل في الموضوع... كانت سقطة أخلاقية ومهنية وصلت أصداؤها إلى نقابة الصحافة، التي تدخل مكتبها الوطني للفلفة الموضوع، الذي كان من الممكن أن تكون له تداعيات خطيرة، لو كانت لدينا نقابة حقيقية، لا وكالة أسفار تطلق على نفسها، زورا، اسم نقابة صحافة !... لماذا هذا الكلام اليوم؟ بكل بساطة، لأن لدينا، في هذا البلد، زملاء في مهنة المتاعب يعتبرون الصحافي شخصا غير عادي (سوبرمان)، يحق له ما لا يحق للآخرين: يحق له، مثلا، أن يشتم من يشاء وأن »يمرمد« من يشاء دون أن يتعرض للمساءلة أو المتابعة.. وإذا ما، لا سمح الله، تم استدعاؤه أو استنطاقه من طرف الضابطة القضائية، لأنه شتم أو »مرمد« شخصا ما أو مؤسسة، تقوم الدنيا ولا تقعد، ويتعالى الصراخ من نقابة الصحافيين وبعض الجمعيات الحقوقية (حقوق الإنسان مهددة، حرية الصحافة مستهدفة... إلخ). وإذا ما، لا سمح الله، تم تقديمه للعدالة، لأنه، ربما، تجاوز كل الحدود، تقوم »القيامة« وتتعالى الأصوات منددة مستنكرة، محذرة من العودة إلى سنوات الجمر أو السنوات المظلمة في حياة المغرب والمغاربة، دون أن يعرف أحد، على الأقل لماذا تم تقديم هذا الشخص للعدالة، أو لماذا تمت إدانته، (إذا كان ثمة إدانة...)... وحتى عندما »يتكرم« زميل بالإشارة إلى الأسباب، فإنه يتعمد تقديمها بشكل مشوه لا يخلو من استبلاد أو استغفال لذكاء القارئ.. كأن يتحدث، مثلا، في معرض حديثه عن حكم صادر في حق صحافي نشر خبرا زائفا يتعلق بعرض قصر الصخيرات للبيع، عن »الحجر المقدس« !.. أو كأن يعمد في معرض حديثه عن حكم صادر في حق صحافي نشر أشياء تمس فعلا بالمؤسسات الملكية، عن »العمارية« المقدسة« مع تبني استراتيجية »كبرها تصغار« من خلال الزعم بأن »إطلاق هذه التهم في هذه المرحلة مؤشر إلى أن المغرب لم يبرح الممارسات التي شهدتها مراحل تنعت بالمظلمة في حياة المغرب والمغاربة، وهو يجسد تعبيرا واضحا عن فشل في إطلاق الحريات الفردية والعامة التي لا يمكن تلمسها بدون حرية الصحافة« .. انطلاق من كل ذلك، ينبغي أن يطرح السؤال الذي ما زال يبحث لنفسه عن إجابة : ما هي الحقيقة في ما أصبح يعرف ب »قضية أخبار اليوم« ؟ ومحاولة الإجابة. في عدد الغد