قال أحد برلمانيي العدالة والتنمية، المعروف كظاهرة صوتية، إن بعض الولاة والعمال الجدد مفسدون حقيقيون، هذه العبارة ليست بسيطة ولا يمكن أن تمر بالسهولة المعهودة التي تمر بها تصريحات قياديي الحزب الملتحي، فالقضية فيها اتهام صريح لأطر وزارة الداخلية. فلنفترض أن صحافيا هو من كتب هذه العبارة، فحينها سيحرك مصطفى الرميد الدعوى العمومية للتحقيق في هذا الاتهام الخطير. فإذا تبين أن الصحافي لا يتوفر على بيانات وحجج في الموضوع تتم متابعته وإذا ما تبين أنه يتوفر على أدلة أو براهين أو حتى قرائن تتم متابعة المعني بالاتهام والتحقيق معه. فهل سيعمل الرميد على إعطاء الأوامر للنيابة العامة للتحقيق مع البرلماني المذكور حتى يصبح للمراقبة الشعبية للمسؤولين مدلولها؟ وإلا سنبقى في سياق إطلاق الاتهامات على عواهنها دون دليل ودون حجة. فالفساد تهمة خطيرة ولا ينبغي السكوت عنها وخصوصا إذا كانت بالتعميم الذي يشمل البعض دون الآخر لكن بالجملة لا يوضح من المعني بالأمر حتى يصبح الكل معنيا بهذا الاتهام. وبالتالي فإن السكوت عن تصريحات البرلماني الظاهرة الصوتية سيفتح باب جهنم وسيصبح الاتهام والرمي بالشبهة أسهل شيء يقوم به أي مواطن كان. وكان لزاما على البرلماني المذكور واحتراما لموقعه الذي هو قدوة للآخرين أن يتجه رأسا إلى وزير العدل أو الوكيل العام للملك ويسجل شكاية في الموضوع معززة بالحجج كي يتم فتح تحقيق في الموضوع، وفي حالة عدم تحريك القضية يكون لدى البرلماني الحق في اتخاذ أساليب أخرى، أما استغلال مؤسسة دستورية لتصفية حسابات مع مسؤولين آخرين فتلك الطامة الكبرى. وبالمناسبة فالبرلماني الظاهرة الصوتية أصبح لا يتورع فنعت الآخرين بأقذع النعوت في محاولة للعب دور البطولة في أوقات متأخرة أو للتعبير عن احتجاجه لعدم تعيينه وزيرا في حكومة بنكيران، نتيجة الصراعات الداخلية وسط حركة التوحيد والإصلاح بين مكوناتها والتي كانت وراء إقصاء وجوه أخرى غيره. فما يقوم به إذا تم السماح به وأصبح قضية عادية ومألوفة ومطبع معها، فإننا سنصبح أمام ظاهرة خطيرة وغريبة تنعدم فيها حرمة المؤسسات والأشخاص وتعم فيها الفوضى وهي مطلب لمثل هذه التيارات التي ترى في الدولة كابحا أمام مشروعها الأممي، مشروع الدعوة. أما اعتذار بنكيران فهو عذر أقبح من الزلة، إذ قال أنه لا ينبغي الحديث عن ذلك في الشارع ولكن تبليغه بملفات المسؤولين من طرف أبناء العدالة والتنمية، بمعنى أن يتحول مناضلو الحزب الملتحي إلى مخابرات شعبية بعدما تحولت فئات منه إلى شرطة شعبية أو ما يسمى لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أن رئيس الحكومة سيتوصل بالتقارير عن المسؤولين بمكتبه لكن ليس في رئاسة الحكومة ولكن في الأمانة العام لحزب العدالة والتنمية. فرئيس الحكومة تقع تحت مسؤولياته العديد من المؤسسات التي يمكن أن تمده بالمعلومات عن العمال والولاة لكنه يفضل جهاز حزبه عن الأجهزة الأخرى، ناسيا أن أولاد العدالة والتنمية كائنات انتخابية لابد أن في تاريخها اصطدامات برجال السلطة، فكيف تكون تقاريرهم محايدة؟