في بيت عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال ورئيس الحكومة السابق، تحدث الزعيم الاستقلالي مع مسؤولي الصحافة عن كل شيء، وخلال إجابته عن أسئلة الصحافيين التي همت جميع اهتمامات الشارع المغربي كرر عباس الفاسي لازمة "واجب التحفظ" حوالي سبع مرات. وبما أنه كان أول لقاء يعقده الفاسي مع الصحافة بصفته وزيرا أول لم يكن بعد تمت تسميته رئيسا للحكومة واختلفت آراء الصحافيين حول طريقته في الإجابة لكن في النهاية أجمع أغلب الحاضرين على أنهم كانوا أمام رجل دولة. لقد أجاب عباس الفاسي عن جل الأسئلة المطروحة عليه، ولم يكن للأسئلة حدود باعتبار أن الصحافي يدفعه فضوله لطرح جميع الأسئلة، لكن في بعض الحالات كان يرفع ورقة "واجب التحفظ" في الأمور ذات الحساسية التي تتضمن معلومات لا ينبغي الإدلاء بها. وقبل الفاسي عرف المغرب قيادة أخرى للوزارة الأولى تمثلت في إدريس جطو، رجل الاقتصاد والمال والأعمال ورجل السياسة وكان وزيرا للداخلية، ورغم ذلك لم نسجل عليه أنه مرة أخرج الورقة الصفراء أو الحمراء في وجه أحد. وقبلهما عرف المغاربة وزير أول اسمه عبد الرحمن اليوسفي، كان وقتها كاتبا أول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وضع خبرته النضالية التي عمرها 50 سنة خدمة للوطن دون أن يمن على أحد المشاركة في استقرار البلد الذي كان مهددا بالسكتة القلبية على حد تعبير الملك الراحل الحسن الثاني، ووضع اليوسفي كل بيض المعارضة في سلة الدولة، ولم يكن اليوسفي صاحب صفقات ولكن صاحب قناعات طبقها على أرض الواقع بغض النظر عن النتائج وإن كنا نحسبها إيجابية لأنها مهدت للمغرب الذي نعيشه اليوم. لم يوظف اليوسفي الكاريزما السياسية التي راكمها خلال سنوات المقاومة والاعتقال والمنفى في خدمة المصلحة الحزبية، ولم يجعلها سيفا مصلتا على رقاب المغاربة، ولكن اقتنع بضرورة دخول الاتحاديين الحكومة وتحمل المسؤولية في الشأن العام، ولم يتنصل الاتحاديون من مسؤولياتهم سلبا وإيجابا ولم يعلقون النتائج السلبية على أحد. رغم كل ما قام به اليوسفي وقدمه خدمة للمغرب والمغاربة لم يقل شيئا من حياته الحكومية ويرفض خلال كل اللقاءات الصحافية عن كواليس هذه المرحلة لأنه ببساطة رجل دولة. اليوم أصبحنا نعيش فهما خاصا لواجب التحفظ، حيث يتكلم وزراء العدالة والتنيمة ورئيسهم أيضا حيث ينبغي أن يتحفظوا ويفرضون التحفظ على موظفين حيث لا مجال للتحفظ. فوزراء العدالة والتنمية وعلى رأسهم بنكيران هم أول من خرق واجب التحفظ المفروض في عضو في الحكومة، وهي شرعة رئيس الحكومة منذ تعيينه حيث تحدث عن أشياء لا تليق بمسؤول حكومي، وتبعه الرميد في مديحه المفرط لشيخ الوهابية واستقباله لأمراء الدم، ولم يأل التلميذ النجيب الخلفي جهدا في خرق هذا الواجب في كثير من القضايا. غير أن هؤلاء الذين خرقوا واجب التحفظ في قضايا مهمة واستراتيجية يستكثرون على موظفين أن يدلوا برأيهم في قضايا تتعلق بالشفافية مثل قضية دفتر التحملات، حيث أراد الخلفي فرض واجب التحفظ على الموظفين في فهم ساذج لمعنى واجب التحفظ، مع العلم أن دفاتر التحملات تهم المشاهد الذي ينبغي أن يشارك في النقاش العمومي، وحسب الأرقام فإن عدد المشاهدين يوميا للإعلام العمومي يفوق خمسة ملايين يعني أربعة أضعاف العدد الذي صوت لفائدة حزب العدالة والتنمية.