لا يمكن أن نصدق تهديدات مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، بالاستقالة من منصبه إذا لم يتحقق مراده ورؤيته الشخصية لما يسميه إصلاح القضاء، لأننا نعرف، أنها تهديدات غير حقيقية بل وهمية، فالرجل هدد بالاستقالة من منصبه كنائب برلماني بعد مشاحنات بين أحد أقاربه بسيدي بنور والسلطة المحلية بخصوص نشاط جمعوي، وعاد ليتراجع عنها، وقد قدم استقالته فعلا من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بعد مسيرات حركة 20 فبراير التي شارك فيها، وتراجع عنها بعد أن تراءى له كرسي الوزارة. فلو فعلها الرميد ولو نصف مرة لصدقناه لكنه مجرد ذر للرماد في العيون. وعلى نفس المنوال نهج مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، الذي قال، إنه إذا لم يتمكن من منع إشهار ألعاب الحظ من التلفزيون فسيقدم استقالته، رغم أن الإعلام العمومي تحت سلطته ولا نعرف من سيمنعه من ذلك غير القانون، فإذا كان القانون يسمح له بذلك فلن يمنعه أحد وإذا كان عكس ذلك فالقصة منتهية، فلماذا هذه الفرعونيات الخاوية وصناعة البطولة التي فاتهم الدخول ضمن كتابها يوم كانت الكلمة مكلفة؟، فيومها كانت أفواههم مغلقة وكانوا يعلمون الناس إغلاقها باسم الدين والفقه والتأصيل ونظرية المقاصد وغيرها. ولا ينتهي الأمر عند هذين الوزيرين بل يمتد إلى رباح "مول لكريمات" والشوباني، أحد أكبر مناهضي مهرجانات الفن بالمغرب، والداودي التائه بين ملفات التعليم العالي، وكلهم يردد لازمة واحدة "إذا لم نتمكن من محاربة الفساد سنقدم استقالتنا". الفساد بنية ويعترف الكل بوجوده، ولن يعلن الفساد خروجه للشارع ليفتك به حزب العدالة والتنمية، وتركب حركة التوحيد الخيول وتمتشق السيوف لمحاربته، لكنه يحتاج إلى استراتيجية وإلى جهد ومجهود وجهاد، وليس الجهاد طبعا إرسال المقاتلين إلى أفغانستان والدعوة إلى إرسالهم اليوم إلى سوريا ولهذا الغرض يوجد عمر بنحماد، النائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، بإسطنبول لدى "أولياء الله" العثمانيين. إن قصة الاستقالات غريبة، لأن المفروض في الوزير أن يقاوم حتى يحقق برنامجه. فالناخبون لم يصوتوا على العدالة والتنمية لتعيش قيادته في "اللوكس"، ولكن لتحقيق برنامج وعدوا به خلال الحملة الانتخابية. والاستقالة إن صدقت مع أناس يموتون في الكراسي فهي خيانة لجمهور الناخبين الذين صوتوا عليهم ليقودوا الحكومة لا ليتخلوا عنهم في أصعب المحطات. لكن التحدي الحقيقي المطروح على زعماء العدالة والتنمية هو، هل سيقدمون استقالتهم إذا تبين لهم أنهم وزراء فاشلون ولا يعرفون كيف تدار أمور الحكومية؟، وكيف يتم تسيير الشأن العام؟ لا لن يفعلوها فهم أحرص الناس على وزارة. لم يثبت أن قادة العدالة والتنمية وعدوا فوفوا ولكن دائما يخلفون وعدهم وينقضون غزلهم، وبالتالي، فإن حكايات الاستقالات الوهمية تدخل في السياق المعروف عن مسرحيات ركوب السيارات البسيطة التي كان بالإمكان تعويضها بالجمال والنوق وحكاية ركوب القطار والأسانسور. غير أن جوهر الحكاية، هو أنه إذا لم يتم وضع حد للنقد الذي يتعرض له وزراء العدالة والتنمية فإنهم سيستقيلون، وهل تعرفون شيئا اسمه "استقالة بلعاني"؟.