ألفينا أنفسنا أمام مشهد غير مألوف في الديمقراطيات بكل تصنيفاتها، حيث اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف من يعارض الحكومة ممن يؤيدها، من يساندها ممن يرفض مشاريعها، من ينتقدها ممن يدعم أطروحاتها. وتجلى ذلك واضحا أثناء مناقشة الميزانيات الفرعية للوزارات داخل اللجان الدائمة بمجلس النواب، حيث انبرى خطباء من الأغلبية والمعارضة بغرض معارضة "الضباب"، ولم نعد نعرف من في الحكومة ومن هو ضد الحكومة. تميزت تدخلات النواب البرلمانيين من الأغلبية والمعارضة بنبرة واحدة ألا وهي نبرة المعارضة، لكن وقعت كلها في التباسات خطيرة تتجلى في معارضة شيء خارج الحكومة وكأن الحكومة لا حول ولا قوة لها، رغم أنها منبثقة من صناديق الاقتراع، وتأكيد بنكيران مرارا، على أنه لم يتم فرض أي وزير عليه وأنه هو من اقترح الوزراء وحتى أولئك الذين ظن البعض أنهم مفروضون عليه، قال بنكيران، إنهم أطر، هو من اقترح أن يستمروا في حكومته قصد الاستفادة من خبراتهم. ومن غرائب الممارسة السياسية في المغرب أن تحترف الأغلبية ممارسة المعارضة، وأن تتحول المعارضة إلى حالة شاذة من التعبير عن الرفض الذي هو بالنتيجة خدمة للأغلبية وللحكومة، مما يحول المعارضة من ممارسة الرقابة إلى ممارسة "تقرقيب الناب". إن أهم ما ميز المناقشات داخل اللجان النيابية الدائمة هو سيطرة صوت الضجيج الذي مارسته المعارضة والأغلبية، ووسط الضجيج تنعدم الحقيقة، حيث هاجم الكل الدولة ونسوا الحكومة المسؤولة عن البرنامج وتنفيذه. والأغرب من كل ذلك، أن يمارس المعارضة الحزب الحائز على الرتبة الأولى والذي يقود الحكومة، فلم يظهر الحزب في أي لجنة من اللجان مدافعا عن البرنامج الحكومي وعن قانون المالية، بل الكل يعارض شيئا غامضا ويشتم الأجهزة والمؤسسات. وهنا يبقى سؤال جوهري : مادام نواب الأغلبية قد مارسوا المعارضة داخل اللجان، وهي معارضة تتيح ظهورا إعلاميا قويا، فيبقى المفروض أن تصوت الأغلبية ضد قانون المالية ويسقط القانون وتعتبر الحكومة ساقطة تبعا لذلك. لكن مع الأسف سيمارس حزب العدالة والتنمية المعارضة اللفظية والأغلبية التصويتية وهي ازدواجية خطيرة يمارسها الحزب ودأب عليها منذ مدة، أي الظهور بوجهين في كل لحظة، دائما وجه مع الحكومة ووجه ضدها، غير أن المشكل الحالي هو هذا اللبس الحاصل حيث أنه لم يتم مناقشة بنود الميزانية بقدر ما تم الهجوم على المؤسسات ومع ذلك سيعود الحزب للتصويت على قانون المالية. ومن خلال تتبع المناقشات الجارية باللجان الدائمة بمجلس النواب، تبين، أن حزب العدالة والتنمية وبعض أحزاب الأغلبية مارست المعارضة إلى جانب المعارضة التي فضلت الهروب إلى الأمام بدل ممارسة دورها الرقابي، وهذه الممارسة أصبحت لازمة من لوازم العمل السياسي لدى الحزب الإسلامي، إذ من خلالها يضمن خطابا شعبويا مقبولا لدى جمهور الناخبين مع وجوده هو نفسه في الحكومة مما يطرح كثيرا من التخوفات، أن تتم ممارسة الخطاب نفسه خلال الانتخابات المقبلة بدل الدفاع عن البرنامج الحكومي وأساسا برنامج الحزب.