عرف المغرب منذ الاستقلال وحتى اليوم تنظيم عشرات المناظرات في مجالات مختلفة، لكن هذه المناظرات التي صُرفت عليها أموال طائلة ظلت في نهاية المطاف حبرا على ورق، لدرجة أن كثيرا من المهتمين اعتبروا أن تنظيم مناظرة أو إحداث لجنة، هو بمثابة إقبار لمشاريع الإصلاح، وقد أثبت الواقع أن كل القطاعات التي عرفت تنظيم مناظرات وطنية أو حتى دولية، لم تعرف أي إصلاح، بل ازدادت الأوضاع سوءا، بسبب غياب رؤية شاملة حول مشاكل هذه القطاعات، وتحول هذه المناظرات إلى صالونات لتبادل أطراف الحديث مع صرف ميزانيات مهمة كان يمكن أن تصرف في أمور أخرى تعود بالنفع، ولا يبدو أن حكومة بنكيران فهمت الدرس، إذ أن كل وزراء الحكومة الملتحية يجرون وراء تنظيم مناظرات لا يعرف أحد أسباب نزولها، اللهم الرغبة في صرف مزيد من الأموال في زمن كثرت فيه الدعوة إلى التقشف. الرميد ينظم مناظرة حول العدل في يونيو المقبل أعلن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، عن تنظيم الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أواخر مارس المقبل على أن يستمر لمدة شهرين بمشاركة جميع الفعاليات المعنية والراغبة في إثرائه. وبحسب ما أعلنه الرميد، فإن هذا الحوار الوطني سيستغرق شهرين ليختتم في يونيو المقبل بتنظيم مناظرة وطنية حول إصلاح العدالة تبلور بدورها ميثاقا وطنيا حول هذا الورش الإصلاحي. مناظرة وزير العدل حول إصلاح القضاء تبدو مجرد تحصيل حاصل، في ظل وجود إرادة سياسية حقيقية من أجل الدفع بورش الإصلاح، كما جاء في مجموعة من خطب الملك محمد السادس، كما أن تفعيل الإصلاح، لا يحتاج إلى كل هذا الوقت والجهد، وصرف الملايين من المال العام، بل إن الأمر يحتاج فقط إلى فتح الملفات، والإنصات إلى المهنيين والمتدخلين في قطاع العدل. ويرى كثير من المهتمين، أن القضاء في المغرب يحتاج إلى تفعيل القوانين الموجودة، وليس إلى ميثاق وطني، خصوصا، أن كل مقومات الإصلاح موجودة ولا تحتاج إلى كل هذا الوقت من أجل بلورتها على أرض الواقع. ووفق ما أكده هؤلاء المهتمين، فإن أي حوار وطني أو حتى مناظرة، لا يمكن أن تحل مشاكل القطاع، إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية في بلورة هذه التوصيات التي سيتم التوصل بها، لأن الإصلاح يحتاج أولا إلى تجميع المعطيات، ومن تم الانكباب على حل المشاكل العالقة. ويرى هؤلاء المهتمين، أن مشروع إصلاح القضاء في المغرب لم يعد مطلبا سياسيا روتينيا، وإنما أصبح ضرورة إنسانية ووطنية يلتف حولها الجميع، خصوصا، بعد التوافق الحاصل بين مختلف المؤسسات الرسمية والهيئات الحقوقية حول الموضوع، مشددين، على أن المناظرة الوطنية لن تكون سوى تحصيل حاصل مادام أن الجميع متفق على الأهداف والمرامي، وأن كل ما يجب فعله هو الانكباب على دراسة الملفات المطروحة. وأوضحوا، أن المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس بمناسبة مرور 50 سنة على تأسيس المجلس الأعلى للقضاء، بدعوته إلى إقرار ميثاق وطني للقضاء، ستكون لا محالة أرضية نوعية وحديثة لبناء ثقة متينة بين جهاز القضاء ومؤسساته المختلفة وبين كافة شرائح الشعب المغربي، وهو الأمر الذي يفترض الجلوس إلى الأرض والبحث عن الحلول الحقيقية بدل الخروج بتوصيات سيتم تجميدها في ثلاجة الوزارة، داعين، إلى التفكير في إصلاح شامل لقطاع العدل يهم جميع المرافق والمهن المرتبطة بالقضاء، مشددين، على أن المغرب حقق مكاسب مهمة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، وخصوصا، تلك المتعلقة منها بحقوق الدفاع. مناظرات تحت الطلب يصعب حصر عدد المناظرات التي نظمت في المغرب منذ الاستقلال، فكل القطاعات عرفت تنظيم مناظرات وطنية حشدت لها العشرات من الفاعلين من أجل إضفاء بعض الشرعية عليها، بل إن قطاع الإنعاش الوطني بدوره عرف تنظيم مناظرة وطنية لحل مشاكل هذه الشريحة من الناس، والواضح، أن كل المناظرات التي نظمت سواء في قطاعات الفلاحة والإدارة العمومية والصحة والرياضة انتهت كما بدأت، كثير من الكلام، وعشرات التوصيات التي يتم حشرها في رفوف الوزارات المعنية، ويؤكد باحثون، أن أي مناظرة وطنية تحتاج إلى ميزانية ضخمة، تهم الجانب التنظيمي، وتساءل هؤلاء الباحثون عن مآل توصيات مناظرة الرياضة التي نظمت سنة 2008، وتميزت بتلاوة الرسالة الملكية التي اعتبرت آنذاك بمثابة خارطة طريق، قبل أن يتم الالتفاف على المناظرة وعلى الرسالة الملكية، لتبقى الأمور على حالها، بل إن منصف بلخياط نفسه سعى جاهدا إلى تنطيم مناظرة وطنية حول الشباب والرياضة، يختم بها مشواره داخل الوزارة، لكنها أُقبرت، خصوصا، أن مداد المناظرة الثانية لم يجف بعد، كما أن توصياتها لازالت حبرا على ورق، والأمر نفسه ينطبق على مناظرات التشغيل الثلاثة التي نظمت ولم يظهر أي أثر لتوصياتها، رغم أن الوزارة غالبا ما تحشد المئات من الباحثين للانكباب على حل ملفات التشغيل والحد من البطالة. وتؤكد مصادر مهتمة، أن المناظرات غالبا ما تشكل مناسبة للتشاور بشأن مجموعة من المواضيع والإشكاليات المرتبطة بسياسة القطاع، وفرصة لتقييم السياسة الإرادية للوزارة المعنية التي يكون هدفها من تنظيم أي مناظرة هو التخلص من عبء الملفات، عبر طرحها أمام أنظار الفاعلين، وهو الأمر الذي يفضي في نهاية المطاف إلى حالة من الجمود. الإصلاح ينطلق من الأسفل يرى كثير من الباحثين والمهتمين، أن الإصلاح في المغرب يجب أن ينطلق من الأسفل، أي من خلال تحديد المعطيات وآليات الاشتغال وضبط كافة الملفات، وأوضحوا، أن تنظيم المناظرات يجب أن يكون في سياق توسيع النقاش ليس إلا، على أن الوزارة المعنية تحمل مسؤولية تدبير القطاع وفق رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الضرورية، وأوضح الباحثون، أن المغرب امتلك تجربة رائدة في تنظيم المناظرات، بل إن أي حكومة جديدة تجتهد كثيرا في هذا الجانب، وهو ما يكلف أموالا طائلة من المال العام، وأوضح الباحثون، أن تاريخ المناظرات في المغرب سلبي، إذ أنها لم تخرج عن نطاق التشاور وتبادل وجهات النظر، مع ما يرافق ذلك من مصاريف مبالغ فيها، والأكثر من ذلك أن هذه المصاريف لا يتم الكشف عنها، مادام الأمر يتعلق بأموال الدولة، وأكبر دليل على ذلك أن المناظرة الأخيرة للرياضة لم تعرف حقيقة ميزانيتها، وظلت الأرقام تتضارب حول مبالغ مالية تفوق المليار، مع أن ما خرجت به هذه المناظرة من توصيات لم تنفذ إلى يومنا هذا بعد مرور ثلاث سنوات ونصف، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام، حول الدوافع الرئيسية وراء التهافت على تنظيم هذه اللقاءات التشاورية التي يمكن أن تعقد لكن في إطار محدود، وأوضافت المصادر، أن الحوار الوطني الذي سيدشنه مصطفى الرميد في مارس المقبل ويدوم شهرين سيتنزف كثيرا من الوقت، ليخرج في نهاية المطاف بحزمة من الأفكار سيتم التداول بشأنها في المناظرة، وبعدها سيتم حشوها في ميثاق وطني، وأضافت المصادر، أن مشاكل القضاء في المغرب معروفة ومعلومة، ولا تحتاج إلى كل هذا الجهد الذي كان يمكن استثماره في أمور أهم، خصوصا، أن الملفات الشائكة ما أكثرها في وزارة تعتبر الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الوطني، من خلال ضمان قضاء مستقل، يزرع الثقة في نفوس المستثمرين.عبد المجيد أشرف