يمكن وصف ما حدث بمجلس المستشارين ب"ديمقراطية الدهشة". المتتبع للمشهد السياسي اندهش وغير المتتبع اندهش بشكل أكبر. متابعة ما وقع تشبه تطور الأحداث الدرامية بمسرحية محبوكة الإخراج. ودهشتنا تشبه إلى حد كبير دهشة أجدادنا منذ زمن بعيد جدا لما رأوا ظواهر الطبيعة وحاولوا أن يجدوا لها تفسيرا. اندهشنا نحن بدورنا ونحن نقف أمام هذه الظاهرة العجيبة. الفوز الكاسح للشيخ محمد بيد الله الأمين العام للأصالة والمعاصرة برئاسة مجلس المستشارين والسقوط المدوي للمعطي بنقدور عضو المكتب التنفيذي للتجمع الوطني للأحرار والرئيس السابق للمجلس. أين يكمن مصدر الدهشة؟ بيد الله مرشح يمثل حزبه فقط وهناك مستشارون من المعارضة لم يصوتوا لمصلحته من بينهم على سبيل المثال مسشتارو الاتحاد الوطني للشغل المقرب من العدالة والتنمية ومسشتارو الفيدرالية الديمقراطية للشغل المقربون من الاتحاد الاشتراكي. في حين لم يفز مرشح الأغلبية المدعوم من أحزاب الأغلبية الحكومية كما هو في الظاهر، بنقدور يسانده، حسب العرف، حزب الاستقلال ونقابته الاتحاد العام للشغالين والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. كيف نجح المرشح الذي لم تدعمه المعارضة وسقط المرشح الذي دعمته كل الأغلبية؟ لا شك أن في الأمر لغزا ما. وطبعا لكل لغز مداخيل للفهم. أعتقد أن بنقدور ذهب ضحية الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية. صراعات بين الأحزاب وصراعات داخل الأحزاب. ومن تابع سعد العلمي الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان وهو يتحدث عن فوز مرشح من خارج الأغلبية يمكن أن يفهم أن حزب الاستقلال من الداعمين الكبار لبيد الله نكاية في رفاقهم في الكتلة. كيف تسنى للعلمي أن يعتبر فوز مرشح من المعارضة (وليس مرشح المعارضة) دعما للتجربة الديمقراطية؟ بأية مقاييس ومعايير يتم تقييم التجربة الديمقراطية إذا لم تكن ديمقراطية الدهشة؟ الأغلبية تعني تكتلا حزبيا تجمعه قواسم مشتركة يتفق على برنامج حد أدنى يكون قاعدة للمحاسبة وهو الميثاق الذي يربطه بالناخبين، الأغلبية تقود التسيير في فترة محددة مدعومة من أغلبية برلمانية بل هي أصلها أغلبية برلمانية. والمعارضة أقلية في المجالس المنتخبة تقوم بعملية الرقابة على الحكومة وكشف أخطائها قصد قيادة الوزارة في المرحلة المقبلة. اليوم وقد حصل مرشح من المعارضة على أغلبية بمجلس المستشارين أصبح لزاما على الحكومة أن تجد حلا لنفسها. إما إعادة تشكيل التحالف الحكومي بما يضمن لها الاستمرار أو تقديم استقالتها كي يقوم الحزب الذي استطاع جمع أغلبية بتكوين أغلبية بمجلس النواب وتشكيل حكومة جديدة. لكن حسب بعض التسريبات، التي لم نتأكد منها بالقطع، فان حزب الاستقلال نفض يده من الكتلة ومنح دعمه لمرشح الأصالة والمعاصرة مقابل عدم تقديم ملتمس للرقابة بمجلس المستشارين يطيح بحكومة عباس الفاسي. نجح من لم ترشحه المعارضة وسقط من رشحته الأغلبية، أليس هذا مصدرا للدهشة؟ من الدهشة ينبثق فكر جديد إذا أردنا ذلك.