بقلم فؤاد عارف نظم, في نهاية الأسبوع المنصرم, تكريم لروح طوماس عمر أبيركرومبي, المصور الأسطوري لمجلة (ناشيونال جيوغرافيك), والذي يعتبره الكثيرون أول من أطلع العالم الغربي على صور الكعبة المشرفة, والشغوف إلى حد كبير بابن بطوطة الذي كان يعتبره "أمير الرحالة". وخلال حفل اختتام الاجتماع السنوي الرابع للإئتلاف المغربي الأمريكي (10-11 أكتوبر), دعا المنظمون أرملة هذا المصور والمراسل الصحافي الكبير, الذي اعتنق الديانة الإسلامية عام 1965, وأدى مناسك الحج أربع مرات على الأقل, إلى تسلم درع اعترافا ب"المجهود الاستثنائي" لرجل قضى "أفضل سنوات" حياته في استكشاف العالم الإسلامي وتراثه الغني. وقد غطى أبيركرومبي, الذي ازداد بمينيسوتا (وسط شمال الولاياتالمتحدة) في 1930 وتوفي في ماريلاند (بضواحي واشنطن) في 2006, وكان أحد الصحافيين الأولين اللذين وصلا إلى القطب الجنوبي عام 1957, أحداث الشرق الأوسط وشمال افريقيا, انطلاقا من المغرب, الذي اعتبره في إحدى مقالاته العديدة, "بلد الغرب الأقصى" (كونتري أوف ذو فار ويست), إلى لبنان مرورا باليمن حيث كاد أن يفقد حياته خلال الحرب الأهلية بهذا البلد, فالمملكة العربية السعودية وأفغانستان والكامبودج. على خطى ابن بطوطة .. مثله الأعلى حياة غنية بالاكتشافات في القارات الخمس, ولكنها تتميز أيضا بإعجاب لا حد له يكنه للرحالة والعالم المغربي ابن بطوطة, وتطلب منه الأمر أزيد من عقدين من الزمان (1971-1991) ليقنع رؤساءه بدقة وأهمية تمويل "تتويج حياته" المتمثل في القيام برحلة على طريق الحرير, الذي يمتد اليوم على حوالي أربعين بلدا. وتمكن التلميذ أخيرا من أن يسير على خطى الاستاذ ورحلاته التي قادته من طنجة إلى الصين, مرورا بمصر والمشرق والجزيرة العربية وآسيا الوسطى وجزر البلقان والأندلس. وأحب أبيركرومبي في ابن بطوطة العالم, ولكن أيضا رائد المواطنة العالمية المتسامح والمنفتح, والمتطلع للعلوم والمعارف الجديدة. وفي مقال نشر بعدد دجنبر 1991 من "ناشيونال جيوغرافيك", أكد هذا المصور والصحافي الفريد من نوعه, أنه "سافر إلى مختلف الأقطار التي ما زال الإسلام متجدرا فيها.. من جنوب الصحراء إلى طشقند وسمرقند, مرورا بسريلانكا وأندونيسيا الفضول العلمي والسعي نحو المعرفة + وكتب أبيركرومبي أيضا في هذا المقال أن إبن بطوطة, الذي توفي بفاس عام 1369 عن سن تناهز 69 عاما, كان "الرحالة الوحيد في العصر الوسيط, الذي عرف بزيارته لبلدان يحكمها كل ملوك عصره", مضيفا أنه "بعد أن سافر خلال أكثر من 30 سنة, واجتاز حوالي 80 ألف كلم في قارتين, و44 بلدا, استخلص ابن خلدون أن بلده المغرب, هو أجمل البلدان حيث الوفرة في الخيرات والماء المنهمر بغزارة, وحيث الغذاء لا ينقص أبدا". وفي المقال ذاته, لاحظ أبيركرومبي, الذي تساءل حول الحوافز التي جعلت ابن بطوطة يتحدى كل ما هو ممكن إنسانيا, أن الرحالة المغربي "لم يكن يتوقف أبدا عند هذه القضية", مشيرا إلى أن الأمر يتعلق ب"الفضول العلمي, وأكثر من ذلك بالسعي لتحصيل المعرفة". وقال أبيركرومبي, الذي شكلت الحياة بالنسبة له "سعيا نحو الجديد قبل كل شيء", إن "شخصا لم تستهويه ثقافة أجنبية, لا يمكنه أبدا أن يقدر ثقافته". ويؤكد العديديون من مقدري عمل طوماس عمر أبيركرومبي أن عبقرية جهوده تكمن في في قدرته على تقديم العالم الإسلامي إلى العالم الغربي بعبارات إنسانية لا تشوبها "أحكام استشراقية مسبقة", مشيرين إلى أن "غيابه ملموس بشكل رهيب" في زمن التعتيم الإعلامي وصحافة الإثارة. يذكر أن طوماس أبيركرومبي, الذي كان يتحدث اللغات الألمانية والفرنسية والإسبانية والعربية, كان أول من حاز على جائزة أفضل صورة جريدة عام 1954 وجائزة صورة مجلة عام 1959, كما وضع تصميم آلة تصوير أعماق البحار التي اكتشفها رفقة الفرنسي جاك كوستو.كما يذكر بأن الراحل أبيركرومبي بذل, بتعاون مع جامعة كاليفورنيا, لوس أنجلس والمركز الثقافي المغربي الأمريكي لهذه المدينة, جهودا عام 2005 من أجل أن يتمكن أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي بالولاياتالمتحدة من تلقين تلامذتهم غنى أسفار ابن بطوطة التي شكلت عمله الطليعي و"مساهمة كبيرة" في التفاهم بين الشعوب.