بعدما انهارت سياستهم، وبارت بضاعتهم، خارت في العَقَبة حمارتُهم، وتبدّدت صفوفُهم، وتكسّرت على صخرة الواقع أنوفُهم، وبعدما أورثوا الأمة الهم والغم، وتفرقوا شيعا في الأصقاع، بدَؤُوا يخوّنون بعضهم بعضا، ويكفّرون بعضهم بعضا، ويتراجعون عما كانوا يسمونه يقظة وصحوة وعودة إلى أمجاد تاريخ الأسلاف، وبذلك عرضوا الأمة للدمار والإتلاف.. الآن، استحالوا إلى نجوم في القنوات، وعلا ضجيجُهم عبر الأبواق، وكأنّي بهم الباعة في الأسواق.. الآن؛ بعدما فشل مشروعهم، وتكسّرت فروعهم، وسقطت دروعهم، وتشتّتَتْ صفوفهم، صار بعضُهم يفضح بعضَهم، ويتراجع أغلبُهم عمّا نادى به سلفهم، بعدما فسد وضعهم، وانكشف للملإ وجههم.. هؤلاء؛ هم "الإخوان"، وقد أتى أمر الله، وحل بهم الذل والهوان، وضربتهم على قفاهم عدة بلدان، وسلّمتهم للجلاد والسّجان، إلا في بلادنا، ولكنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وقد بدأت أجراس نهايتهم تدق من الآن... طلع منذ أيام على شاشة مَن انفصلوا عن "الإخوان" ليقول بعظمة اللسان، وفصيح البيان، إنه يجب حل كل الأحزاب التي تتأنّق بوشاح الأديان، وعلى رأسها أحزاب "الإخوان"؛ فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة؛ هكذا قال الفقيه المحتال. لقد كان "الشيخ أحمد المحلاّوي" يثني ويعلي من شأن "الإخوان"، واعتبر الفتيات المشاركات في المظاهرات، أنهن قاصرات سنّا، راجحات عقلا، واعتبر "محمد مرسي" مصلح هذا الزمان؛ لكن ما الذي غيّرك "يا شيخ، يا محلاّوي"، بعدما كنت قد شاركت في كل الفتن والبلاوي!؟ ما الذي حصل يا فقيه الضّلال، أهي ثوبة وكياسة أم أخْذ بفتوى "نابليون": "إذا كنتَ رجلا شريفا، فأنت لا تصلح للسياسة؟! لكن كيف ستُصلِح يا شيخ، ما أحدثتموه من فتنة وضلال، وحرام كسوْتُموه ثوب الحلال، وأرواح أُزهقت في الشوارع والتلال، وفروج استبحتموها فاختلطت الأنسابُ والأنسال؟ وصدق الرسول الكريم حين قال: "أخْوف ما أخاف على أمتي أئمة الضلال" والحديث صحيح، بحكم واقع الحال... ومنذ أسبوع، طلع مُفْتٍ آخر، أدان سياسة "الإخوان"، في كل البلدان، وتبرّأ كلية مما كان.. قال هذا الشيخ المرتدّ عن دين الإخوان، إن الديموقراطية والأحزاب حرام، وقد كان الشيخ من قبل يبيح الديموقراطية، ويعتبرها نوعا من الشورى في الإسلام، وأن الأحزاب هي بمثابة "المهاجرين والأنصار"، وأن البرلمان هو "السَّقيفة" والآن، تراه يلْعق كل ما قاله، ويكفّر ديموقراطيةً وأحزابا، بعدما خابت آمال "الإخوان". ونحن نقول لفقيه الضلال، إن البلدان التي اعتمدت الديموقراطية والتعددية، نجتْ من الفتن والهوان، عكس التي سارت خلفكم، واتبعت سياستَكم، فكان ما كان.. ففي الديموقراطية هناك أغلبية ومعارضة، أما في تعاليمك، فالمعارضون يُقتَلون.. في الديموقراطية إذا فشل الوليّ، فإنه يُعْزل بواسطة صناديق الاقتراع، أما في تعاليمك، فإنه يُقتل من طرف الرُّعاع، بعد محاصرة بيته ومنعه من كل متاع، والتاريخ يروي ما حدث بعدئذ بين معارضين وأتباع.. وهذا ما يريده للأمم من يتاجرون بالدين، ويُضلّون المسلمين.. يقول مثل فرنسي مأثور، بخصوص من كان طالعهم نحسا، وسياستهم خيبة ويأسًا: "حيثما وطأت أقدامُهم أرضا؛ لا ينمو فيها العشب الأخضر أبدا".. فانظرْ ما يحدث في بلادنا؛ فمنذ انتصب الإخوان، ما ابتسم لنا الحظ ولا بان.. منذ انقضّوا على رقبة الشعب، ووضعُنا يتأرجح بين صعْب وأصعبَ.. فلا الأمل عاد، ولا السلم ساد، بل تراكمت مشاكلنا في الداخل والخارج، فصارت بالأعداد.. لقد عرفت علاقاتنا ببلدان أجنبية هزّات، وتوترات عديدة، وهكذا خبرناهم في كذا مجال، بل حتى قضية وحدتنا الترابية ما كان لهم فيها موقف سديد، والدليل هو ما يحصل الآن مع مملكة السويد.. إنهم الأصل في هذه المشاكل، وفي هذا الواقع الرِّعديد، وقد تخلّصت منهم دول منذ أمد ليس ببعيد، وأُقيمت قنوات الاتصال مجددا مع لندن، وباريس، وبرلين، وواشنطن، ومدريد؛ فيما نحن، ما زلنا نراهن على فرس قعيد، حتى لإنّ السويد، جعلت كل الأحزاب المغربية في نفس السلة، وعلى نفس الصعيد.. فبسبب الإخوان، في هذا البلد المجيد، اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نميز بين يسار، أو وسط، أو يمين، وهو ما لمسناه عن قرب، ورآه الآخرون من بعيد؛ وهو ما يفسّر موقفهم الغريب الجديد، من وحدة ترابنا؛ ناهيك ممّا حدث من شرخ في الجبهة الداخلية، عبر سياسات الوعْد والوعيد، مع ضرب لمكتسبات المغاربة، وقد استحالوا بسبب "الإخوان" إلى عبيد.. فعلينا التخلّص من "الإخوان" قبل فوات الأوان.