على ما يبذو لي، وأنا أتتبع قضية أنوزلا ، وما روج عن إعتقاله المفاجئ ، يتضح أن اعتقال الصحفي ، اعتقال رأي ، ولايمكن أن يجاحده جاحد ، رغم أن هناك رأي آخر نشاز ، يعتبر ما قام به علي انوزلا عمل شنيع يدخل في الترهيب ويضرب في استقرار امن الوطن ، وبين هذا وذاك ، كان الجامع في هذه القضية هو إجماع المغاربة على انه لايصح إلا الصحيح ، الصحفي علي أنوزلا، في اعتقاد الجميع، اعتقل من اجل ما يكتبه، من كلمات، ذات دلالات، الى صناعة عناوين مثيرة، وفي كل ذالك مضامين مقالات مزعجة ، و " أنوزلاتية بدلالاتها الإسمية " ، هذه الصورة، وضعته ضمن المبحوثين عنهم، أو بالأرجح على القائمة، " WANTED"، وهنا نتذكر طريقة التعامل المخزني مع شخص مبحوث عنه ، فتاريخ المخزن شاهد على أحداث الإعتقالات و طريقة القبض عن المبحوث عنهم، وكيف كان مصيرهم في ما بعد ، هذه المنهجية الإنتقامية ، والتعذيبية ولو نفسيا، هي نظرية مستقاة من طقوس المخزن ، فالمعادلة تقول إذا عرفك المخزن عذبك ، وإذا عاندته قتلك ، أما إذا كنت غير مبالي تركك ، لدى فاعتقال الصحفي علي أنوزلا ، وظف في منطق النظرية ذاتها في معرفة الإنسان التابع والخاضع ، والمتمرد ، وهو تصنيف يؤسس له أيضا علم الظهائر المخزني، الذي يبحث في الأجناس عبر الحقب ، وفي ثراث المخزن القديم تجد مواليه، وأوليائه ، و أتباعه ، وهي أيضا طقوس يتم توظيفها، وشرعتنها، بطرق وأعراف تحط من كرامة الإنسان ، فان تكون في صف المخزن وتحضى برضاه ، يعني أن تكون خاضعا للأوامر ، لاتجادل ولا تناقش ، وعليك التخلي عن إنسانيتك مطلقا هذا هو منطق المخزن ، فإذا أوفيت ، أنذالك فأنت "الشريف"، والمحمود ، والعظيم ، والرائد ، والمفدي.... ، وغيره من الكلام الذي يصنف فئات المجتمع ويميزها ، الى مرضي ، والى متمرد "إرهابي" . حالة اعتقال الصحفي علي انوزلا، تدخل في هذا الإطار ، هو ابن قبيلة "التركز" عرفت بصناعة " أنوزلا" ، وهي آلات حادة معناها بالامازيغية " أنزل بسكون الحرفين الأخيرين" وتستعمل لتهيج الحمير ، لكي تسرع في مشيتها ، أبحث لها عن مقابلا في اللغة العربية فلا أجد معنا ، وتبين لي في مابعد وربما أن هذه الوسيلة " MADE MAROC" أي صناعة مغربية بامتياز ، لاتصلح إلا للحمير التي توجد فقط في المغرب ، ولعل مشيتها المتسرعة مؤخرا في اتجاه الرباط للمشاركة في ا لتظاهرات ، تعكس وظيفة وفعالية آلة " انوزلا" في تحريك مثل هذه الدواب . فعلي أنوزلا الصحفي، لم يكن سوى من عائلات " المعلمين بسكون الميم" ، بالصحراء ، وهم على قلتهم يصنعون ما يحتاجه إنسان الصحراء ، غير أن علي هذا، تخلى عن حرفة أجداده، فأصبح معلم من نوع آخر ، في صناعته للكلمة الحرة ، فهو القادم من فيافي الصحراء ، وغادر منطقته التي لاتوجد فيه لا دور النشر ، ولا المطابع ، ولا القطار ، وما بالك بالتراموي ، منطقة أشبه بواقع القرون الوسطى ، ورغم ذالك تحدى الصعاب ووصل الى المركز وعاشر مع "مسلمي" الرباط ، وتبين في ما بعد أنه أشبه بحيوان منوي ،الذي يصل الى البويضة ، بعد أن تعذر ذالك عن أمثاله من الملايين من نفس طينته الوصول إليها . علي انوزلا ، بالنسبة للنظرية المخزنية ثمرة ناضجة يجب قطفها ، وهي مقولة طالما رددها الراحل الملك الحسن الثاني ، كلما أراد تنفيذ أجندة ، فاعتقال علي انوزلا يثير أكثر من تساؤل ، خاصة وانه نشر مقالا عن السعودية ، واتهم بنشر شريط عن تنظيم القاعدة ، وبين عشية وضحاها ، رد الصحفي ابوبكر الجامعي في "موقع لكم " النسخة العربية عن هذا الاتهام ، وعلى شكل بيان مسوؤل ، ويطالب باستدعائه في الأمر بل وضع عنوانه الالكتروني رهن الإشارة لمن يهمهم الأمر ، فلماذا لم يتم استدعائه ياترى ؟ هل في الأمر تحدي للعائلة الجامعية المعروفة لدى دوائر المخزن ؟؟، أم أن الأمر اخطر مما كنا نتوقع ، وهل بهذه الإشارة يمكن أن يتشكل مسار لقضية انوزلا قد يكون منعرج وخطير ؟ خاصة إذا إعتبارنا أن دخول الأمير مولي هشام إبن عم الملك محمد السادس ، على الخط بمرافعته ودفاعه عن الصحفي علي انوزلا ، يجعل انوزلا ضمن قائمة الصحافيين المغضوب عليهم في المغرب والمحسوبين على " الأمير الأحمر" كما يوصف ، من جهة منظمات حقوقية هي الأخرى ، وشخصيات مشهورة ، كلها تؤكد على أن علي انوزلا الصحفي لايمكن أن يتهم بالقانون الوهابي ، ألا يكفي هذا للإفراج عنه حتى لايكون المغرب ،عن منأى لمن توجه إليهم الأيادي ، مادام أن الحكمة تقول " ويل لمن أشارت إليه الأيادي ولو بالخير"؟؟ . انوزلا كصحفي ، بتجربته المهنية ، وعزوبته المفرطة ، فالزواج عند المخزن آلة للتحكم في حريتك ، وما بالك في حالة انوزلا الذي يخترقه قلمه ليكشف عن حقيقته ، فتيار شيطنة شمال إفريقيا حاضر في اعتقال علي انوزلا ، ونزوله عند كتاب مقال عن السعودية، يضعه ضمن وضع اقل ما يمكن القول عنه " كبش فداء "، في لعبة هو غني عنها توظف فيها الأموال ، من اجل السلطة ، لعبة قطر والسعودية في شمال أفريقيا يجب أن تتوقف عند حدود المغرب ، رغم أن هناك بوادر نقل تجربة مصر الى المغرب ، فشباط المعروف " باستحمار" رئيس الحكومة في مدلة سياسية تغيب فيها ابسط الشروط العمل السياسي الشريف ، يلمح أن وضع بن كيران سيكون شبيها بوضع مرسي الرئيس المصري المعتقل ، وحينها تذكر الجميع كيف تم اعتقال مرسي ، ومن كان يوجه الناس في ساحة" العدوية " أثناء اعتقاله ، في البداية ، لم يكن سوى نجل الرئيس ، وفي خروج إعلامي ، يتكرر نفس المشهد في المغرب ، وهذه المرة لنجل بن كيران وفي دور مشبوه ، كأن السيناريو المصري يراد نقله الى المغرب ، وحيث أن مصير الصحافة في مصر ما بعد الإخوان معروف ، لدى فاعتقال علي انوزلا اليوم لم يعد ممكننا، مادام أن هناك من يريد إطفاء هالة من القداسة على الصراع الخليجي البترولي على المغرب ، إن هذه الصورة المقية دفع من اجلها المسلمون والأقباط وغيرهم من الأجناس الكثير من الدماء ، غير مقبولة في بلد بخصوصية عريقة في التاريخ ، تتميز بالتعايش والانفتاح ، لكن أيضا بالانتصار للعقلانية ، فلا نحتاج مصطلحات مصر ، كما لانحتاج الى شعارتها ، والى خطط السيسي في قمع الإعلام ، نريد إن نكون مغاربة يرفضون المذلة ، لكنهم يرفضون اصطفاف بسيطة ووقود لشعل النار ، فهذه أصعب حلقة في اكتمال دورة المغامرين بمصير المغاربة. فيكفيكم أن تتمعنوا النظر في مقالات "شياطين "، في جريدة مغربية ، لتعلموا علم اليقين ، أن علي انوزلا أعتقل بهدف تنفيذ أجندة ليعلمها ألا العارفون في أمور المخزن. وفي كل هذا يبقى الحزب الحاكم المستهدف في هذه العملية ، مادام انه كذب على الشعب في تمديد ساعته الإضافية الى أكتوبر القادم ، وهو بذالك يؤكد أن ساعته قريبة ولا ريب فيها .