يتعلق الأمر في هذا المقال بمجموعة أفكار و ممارسات قارة لا تتعرض للتقلبات و التطورات التي تعرفها ظاهرة ما يسمى الإرهاب، بمعنى أن سلوك الجماعات و الدول رغم تأثره بصور العنف- الإرهاب المختلفة و خصوصا المتجدد منها ، بعد أحداث الحادي عشر من شتنبرو بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في عمق المياه الدولية و بعد الانقلاب على الشرعية من طرف الجيش المصري و استعمال السلاح الكيماوي في سوريا، قد كرس مجموعة إجراءات دائمة ، لأنها تستقي وضعيتها من المصالح و الامتيازات التي تعمل على المحافظة عليها. 1 – المبادئ المقبولة عموما للحرب الثورية هي التالية : وجود قضية حرب مطولة دعم شعبي دعم خارجي تأسيس مجتمع بديل النضال على الجبهات كافة و من ثم فإن غياب هذه المبادئ، سيدخل الفعل المسلح في دائرة ما اصطلح على تسميته "الإرهاب" ، و في الوقت الحالي فهناك المقاومة الشعبية السلمية تتوفر فيها كل تلك المبادئ ، و على رأسها مقاومة الاضطهاد و الظلم في مصر و البحرين ، باعتماد الاعتصامات و احتلال الشارع العام في إطار معركة نضالية مطولة هذه الاحتجاجات قد لاتوظف الأسلحة لكنها تخرج بصدور عارية لتكون ضحية العنف السياسي من الجانب الأخر المسلح، فالجيش المصري يحاول شيطنة حركة الإخوان و تلفيق تهم الإرهاب و العنف السياسي المسلح رغم أنه المحتكر ألان للقوة و السلطة و المسؤول الأول و الأخير عن جرائم القتل و الاعتقال ، و بالتالي نتكلم هنا عن إرهاب انقلابيين لفئة معينة و ليس شئ أخر، أما المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها الموجودة في قطاع غزة و التي- هي جزء مكمل للكفاح الفلسطيني الشامل- تتوفر فيها كل المبادئ المستوجبة للحرب الثورية و على رأسها قضية تحرير الأراضي الفلسطينية و تأسيس دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف ، بتوظيف حرب مسلحة مطولة. فحركة حماس أسرت جندي إسرائيلي في يونيو 2006 ، بالإضافة إلى الدعم الشعبي للمقاومة في الانتخابات، فحماس حصلت على الأغلبية المطلقة (54%) من مقاعد المجلس التشريعي الثاني، أي (76 مقعدا من أصل 132)، أو حوالي 60% إذا حسبت المقاعد التي ربحها المستقلون الذين دعمتهم حماس في الدوائر الانتخابية وهم أربعة أحدهم نصراني من غزة لصالح حماس أي (80 مقعدا من أصل 132).. و لكن في المقابل فان سلطات الانقلاب في مصر المحتلة من طرف المخابرات الأجنبية السعودية و الاسرائلية لم تجد ما تلفق للرئيس مرسى من تهم سوى التخابر مع حركة حماس كأن الدولة الفلسطينية كيان قائم ذو سيادة .. 2 –إن الإرهاب عملية جديدة في تصفية الحسابات الدولية، حيث تحريك الجيوش يعني إعلان حالة حرب ،لذلك فالدولة تلجأ في بعض الحالات إلى ممارسة الإرهاب من خلال فرق ميلشيات أو منظمات سرية مسلحة تابعة لبعض أجهزتها السرية.و هذه السياسة يتخصص فيها الكيان الصهيوني من خلال إرهاب جهاز الموساد .وكمثال على ذلك اغتيال الشهيد محمد المبحوح بتاريخ 20 يناير 2010 في الفندق الذي كان يقيم فيه في دبي..وهناك احتمال ضلوع الاسرائيلين في هجوم صاروخي على قاعدة بحرية تركية في ميناء مدينة الإسكندرونة المطلة على البحر الأبيضالمتوسط و العالم شاهد كيف قتل المئات من مؤيدي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وأصيب آلاف آخرين حين هاجمت قوات الأمن والجيش المعتصمين في ميداني النهضة ورابعة العدوية ثم مصطفى محمود بالجيزة والقاهرة. وقد وصفت جماعة الإخوان المسلمين ما حدث بأنه جريمة إبادة جماعية استخدام الرصاص الحي و الغازات بكثافة و الجرافات و البلطجية و القناصة من فوق العمارات جريمة ضد الإنسانية و قبلها ضد المسلسل الديمقراطي الذي سحق فيه الإخوان كل الأطياف و التيارات . الوضع الحالي في مصر يحرض على " الجهاد" مادامت الديمقراطية أصبحت جسر للقتل و سفك الدماء في اتجاه واحد. 3-الأخطر من هذا هو أن العمليات الإرهابية أصبحت شيئا يكاد يكون عاديا و مألوفا في حياتنا اليومية ، و لم تعد تثير الرأي العام بل أصبح خبر عملية إرهابية- نفذت وحدات خاصة اسرائلية إرهابية منظمة, عملية اغتيال جماعي – انتقائي ضد الناشطين الأتراك المدنيين في المياه الدولية-ذهب بحياة العديد من الأبرياء يقابل بكثير من اللامبالاة ، مما يدفع ب " الإرهابيين " الذين يهدفون إلى جذب انتباه العالم لحقيقة و عدالة قضية معينة ، إلى توجيه ضربات أكثر قوة ، تعطي لعملياتهم حجما أوسع و أثارا أكثر بشاعة و نكون قد دخلنا بهذا في حلقة العنف المتجدد . 4-إن الإرهاب بأشكاله المتعددة، سيبقى ظاهرة من الظواهر التي يستحيل تجاهلها أو إهمالها، فهو أداة من أدوات التخاطب الثائرة في عيون البعض و المحرمة في عيون البعض الأخر... و ستظل محاولات معالجة الإرهاب تتعثر تحت وطأة اصطدام التفسير الأخلاقي للظاهرة بالتفسير السياسي، لكن وسائل الإعلام الغربية و المصرية الان لعبت دورا خطيرا في إفراغ المقاومة السلمية و المسلحة من محتواها و إعطائها مطلقا صورة العمل الإرهابي الهدام. 5-إن النضال من أجل التحرير نضال مشروع، و هو في نفس الوقت نضال ضد الإرهاب لأن قوة الاحتلال في كل شرع و قانون هي قوة إرهاب و من حق الشعوب أن تناضل من أجل التحرر و الانعتاق و الحرية . 6-لا شك أن "الموقف السياسي" يتحكم إلى حد بعيد و كبير في إطلاق التسميات حول أي عمل عسكري معين ، فمن البديهي أن الطرف الذي يندفع نحو القيام بعمل مسلح باذلا حياته و دمائه في سبيل ما يؤمن به، يعتبر نفسه انطلاقا من موقعه " مقاوما"، ضد محتل أو نظام حكم أو دولة أجنبية احتلت أرضه و من الطبيعي أيضا أن الطرف الذي يتلقى الضربات العسكرية من خصمه ، يعتبر نفسه في موقع الدفاع ضد "إرهاب" أو "عصابات" أو " عدوان". 7-لقد كان البحث عن عدو إستراتيجي هاجسا أمريكيا منذ اللحظة التي نكست فيها إلى غير رجعة ، الأعلام السوڤياتية الحمراء ذات المنجل و المطرقة في كل المحافل الدولية ... و يبدو أن القرب الجغرافي و الذاكرة التاريخية و النزعة الاستقلالية للإسلام كل ذلك رشحه لأن يكون العدو التالي بعد الشيوعية يقول "إدوارد سعيد " عالم الإسلام أقرب إلى أوروبا من كل ما عداه من الأديان غير المسيحية، و قد أثار قرب الجوار هذا ذكريات الاعتداء و الاحتلال و المعارك الإسلامية ضد أوروبا، كما أنعش في الذاكرة دوما قوة الإسلام الكامنة المؤهلة لإزعاج الغرب المرة تلو المرة ، و قد أمكن اعتبار غيره من الحضارات الشرقية العظيمة (الهند و الصين) مغلوبة على أمرها و بعيدة، و من هنا لا تشكل مصدرا للقلق الدائم ، و لكن الإسلام ينفرد في أنه على ما يبدو لم يخضع أبدا للغرب خضوعا كليا. و من هنا و فيما بدا منذ الزيادات الهائلة في أسعار النفط أوائل السبعينات كأن العالم الإسلامي على وشك أن يعيد سابق انتصاراته، أخذ الغرب كله يرتعد" . و ما يحث ألان في مصر هزيمة حضارية للغرب و مشروع ديمقراطتيه المزعومة مادامت حركة الإخوان المسلمين العالمية دخلت إلا هذه اللعبة و خرجت منها بالقوة إلى السجون و المقابر و المستشفيات . . و كخاتمة لما سبق قد أشار المفكر الأمريكي " ناعوم تشومسكي"إلى رواية طريفة تعبر بدقة عن هذا الإشكال فيقول " يروي القديس أوغسطين حكاية قرصان وقع بين يدي الاكسندر العظيم ، و حيث سأله الاسكندر: كيف تجرأ على ممارسة المضايقات في البحر ؟ يجيبه القرصان: كيف تجرأ على مضايقة العالم بأسره ؟ لأنني أفعلها بسفينة صغيرة فقط، يقال بأنني لص، و حين تفعلها بأسطول كبير يقال بأنك إمبراطور. فمن هو الإرهابي الحقيقي؟ هل الأباطرة أم القراصنة...!