أسدل الليل الستار ، أطفئت الأنوار ، حلت العتمة في الأرجاء ، يشوبها ضوء خافت لا يكاد يُرى ، يُضئ على أفرشة أكل الدهر منها ما آكل رائحتها تزكم الأنوف ، الصمت داخل العنبر تتخلله قطرات تصدر من صنبور صدئ عندما تلامس الأرض تحدث رنينا يبعث الحزن ويقلق راحة النائم والمستيقظ على حد سواء ، أوراق مبعثرة وكتب متناثرة تحمل بين طياتها أفكار رجال ونساء صنعوا التاريخ ودونوا الماضي بإتقان وإمعان من قبيل نيكول مكيافيلي (الأمير) ، عابد الجابري (العقل العربي) السعدية السلايلي (جبال لا تسقط) محمد فاضل الطباخ (الديموقراطية) ... وغيرهم ، وفي الجهة اليمنى وضع كوب من البلاستيك به بقايا شاي بارد. يخطر على بال القارئ إنه وصف لمقبرة ما !! فهو فعلا وصف لمقبرة لكنها للأحياء ، بالجانب الأخر هناك رجال نائمون على الأرجح ، في الظاهر ارتاحوا من أزيز الذكريات وعذابها غابوا في أحلامهم وتركوا الحزن والألم وراءهم ، أما أنت فكعادتك ، الجلسة المعروفة ، والإبحار في عالم بلا حدود تبتعد عن الأسلاك والحراس تتذكر عمرك في لحظة بل أربعون سنة تمر عليك وكأنها حلقة من حلقات الدراما التركية ، تتذكر الجبال والوديان والسهوب، تتجول بمخيلتك داخل الأزقة والدكاكين والدروب ، تتجلى لك صورة الإخوة والأصدقاء والأحباب ، تنبش في الرفاق بالمحاسن والعيوب ، لكن بعد هنيهة تعود لتتأكد أنك مجرد رقم في معادلة الانتقام والظلم والهوان والنسيان ، كل شيء تبخر وكأن حياتك وأمجادك سويعة على لعبة المنوبولي Monopoly ، وأنك هنا تعد الدهر بالسنين ولا تعني لك الدقائق والساعات والشهور شيئا ، وعلى طريقة المثال المصري القائل "الغائب عن العين غائب عن القلب " هكذا أنت ولم يبقى لك إلا ما بقي للأمة العربية الحديث عن أمجاد الماضي ورجالاته ، لكن لا تحزن ولا تبالي فلكل زمان رفاق ، ورفيقك قطعا لن يخونك فهو صادق وأمين خدوم ولا يتكلم ، يشتغل طاعة لك ولا يمل رغم البرد القارص ورغم الصيف الحار ، مستعد دوما لخدمتك معانقا للقرطاس ومزركشا له دون أن يتعب ، بكاءه أملك ودمعته رجائك ، يحترق لأجلك يبكي ليريح ما بصدرك مضحيا بحياته ، أنيسك في الغربة والوحدة والحزن والكرب مطواع يتحدث عن واقعك المشين ولا يكترث ، يرويه بحصرة وعن كثب ، واقعك الذي تنعدم فيه الإنسانية والأخلاق معروف بالاستغلال والابتزاز ، البقاء للأقوى ، واقع فيه يفترش الإنسان الأرض ، الروائح النتنة ،المراحض وأنواع السجائر البخسة كل شيء هنا يتم تدخينه حتى البن (القهوة) بل وحتى المخدرات يتم بلعها داخل قاعة الزيارة ويتم إخراجها من أجل الاستعمال داخل العنبر ، واقع الإنسان فيه مجرد رقم بل بضاعة هي مصدر لارتزاق الآخرين مصاصي دماء جلا... !!! عفوا أيها الرفيق ماذا دهاك ؟ لماذا توقفت عن العمل ؟ لماذا أضربت عن البكاء ؟ هل لا ترى جدوائية فيما ترويه ؟ هل أصابك مرض الخيانة موضا هدا الزمان هل تسلل بداخلك الغدر ؟ لا تهتم فصاحبك تعود على خيانة الرفاق ولست أنت الأول أو الأخير ، لكن مادمت مصرا على إضرابك فحتما مصيرك هو سلة المهملات. عذرا أيها الرفيق لم تظرب بل الموت تتسلل بداخلك وأصبحت جثة هامدة ولم تخن أبدا العهد هده هي الحقيقة... الوقت متأخر والمؤدن يعلن عن صلاة الفجر لدى وداعا أيها الرفيق ...أيها القلم