استبشرت ساكنة الأقاليم الجنوبية خيرا بالتقرير الهام الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات قبل أسابيع قليلة، والذي افتحص ورصد ولأول مرة مجموعة من الخروقات و الاختلالات التي عرفتها وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية ومنتدبيها أصحاب المشاريع من الولايات والأقاليم الجنوبية، وهو ما اعتبر بداية لأجرأة ربط المسؤولية بالمحاسبة وإنهاء حالة الاستثناء ومحاربة الفساد بهذه الأقاليم التي كان مسؤولوها ومنتخبوها بعيدون عن كل مساءلة أو محاسبة. وقد سجل المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الملاحظات الهامة المرتبطة بتدخلات الوكالة على مستوى إقليم وادي الذهب، كالاختلالات والخروقات المرتبطة بالعديد من المشاريع المنجزة بالداخلة، والتي لاشك أنها تدخل في خانة الجرائم المالية والمخالفات التي يعاقب عليها القانون المنظم للمحاكم المالية ببلادنا، وهو ما يثبت تورط والي الداخلة حميد شبار في الاختلالات المرتبطة بمشاريع الوكالة المنجزة بالداخلة، باعتباره صاحب المشروع المنتدب في جميع الصفقات المتعلقة بهذه المشاريع، يعلن عن الصفقات و يرأس لجنة طلب العروض وفتح الأظرفة، و مكلف بالإشراف على لجان المراقبة والتتبع لمواكبة هذا المشاريع عن قرب. وفي الوقت الذي كان يترقب فيه المتتبعون لهذا التقرير مآل ملفاته التي تم وضعها على طاولة وزير العدل والحريات، تفاجأ الرأي العام المحلي بتسخير أقلية من الأشخاص الذين ينسبون أنفسهم "منتخبين" لإصدار بيان بلغة الولاية المفهومة ، لتثمين "المجهودات" التي يبذلها الوالي شبار والثناء والتطبيل على "إنجازاته" وذكر العديد من المشاريع المنسوبة له والتي أصبحت عنوانا لهدر المال العام وغياب الجودة والتلاعب بالصفقات العمومية... كنا نظن أن جهتنا قد دخلت فعلا في الحراك الهام الذي شهدته بلادنا منذ سنتين وتوج بالإصلاحات الدستورية الهامة والانتخابات التشريعية التي انبثقت منها الحكومة الجديدة، لكن يبدو أن الوالي شبار مازال يحن إلى مقاربات الضبط والهاجس الأمني والكواليس السابقة التي كان يتقنها ادريس البصري ومساعدوه في اتباع سياسة الترهيب والإغراء وتسخير الأقلام المأجورة وإصدار البيانات والبيانات المضادة وتضليل الرأي العام... ولا شك أن بصمات الوالي شبار و مساعده في الشؤون الداخلية في إصدار البيان المنسوب ل "منتخبين" لا تحتاج إلى برهان أو دليل، حيث لم يكن الوالي موفقا في كتابة سيناريو هذه المسرحية واختيار الممثلين وتقسيم الأدوار، والتي يبدو أنه أراد بدوره أن ينافس بها مهرجان السينما الذي احتضنته الداخلة في نفس فترة إصدار هذا البيان. ورغم أننا لا نتقن فن النقد المسرحي والسينمائي، إلا أننا كمواطنين ورأي عام محلي نسجل مجموعة من الملاحظات التالية: 1)- لم يتم التوفيق الجيد في اختيار الأشخاص الذين نسبوا لأنفسهم البيان، باعتبارهم مجموعة أقلية من "المنتخبين" ينتمون إلى جماعات قروية تعرف اختلالات مالية كبيرة وخروقات في التسيير والتدبير يتحدث عنها الرأي العام صباح مساء، فعليهم قبل أن يقيموا حصيلة الوالي شبار أن تكون لهم الشجاعة في تقييم الجماعات التي ينتمون إليها ومحاسبة رؤسائها، ومنهم من له سوابق في التلاعب بملف تعويضات لحرايث، كما أنهم لا يتوفرون على أدنى مستوى دراسي لصياغة وكتابة بيان أو تقديم حصيلة معينة. 2)- البيان تمت صياغته بنفس اللغة والأسلوب الذي تتم به صياغة الكلمات والمداخلات التي يتناولها الوالي شبار في اللقاءات ودورات المجلس الجهوي والمجلس الإقليمي لوادي الذهب. 3)- البيان قدم حصيلة منسوبة شخصيا للوالي حميد شبار، وتم تغييب الفاعلين الآخرين المتدخلين في جميع المشاريع المذكورة، من الوزارات، الوكالة، المجالس المنتخبة، وهو ما ينعكس سلبا على صاحب البيان الفعلي، ويؤكد ما يتداوله الرأي العام والمنتخبين من تغييب الوالي شبار للمقاربة التشاركية في التدبير والتظاهر بأنه الفاعل الوحيد بالجهة الذي يقوم بمجهودات مضاعفة بسبب "غياب نخبة قادرة على التعاون والعمل معه"، حيث تم ختم البيان بالعبارة التالية: "وهذا بفضل مجهودات السيد: حميد شبار والي جهة وادي الذهب الكويرة ، و ما هذا إلا قيض من فيض ". 4)- البيان تحدث عن مشاريع تم نسبها إلى الوالي، مع العلم أنه تم إحداثها بالجهة في إطار استراتيجيات وطنية، كمشروع توسعة الميناء وبناء المطار الجديد، ومشروع المغرب الأخضر الذي مازال يعرف تعثرات كبيرة بالجهة. كما قدم مجموعة من المشاريع التي فحصها المجلس الأعلى للحسابات وسجل بشأنها اختلالات وخروقات كبيرة كقصر المؤتمرات والندوات، المحطة الطرقية والمشاريع المتعلقة بالتأهيل الحضري والبنيات التحتية. والملاحظ أن ولاية الداخلة تعيش حالة عصيبة في الفترة الأخيرة التي تميزت بصدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات وحدة النقاش الذي شهدته دورة المجلس الجهوي مؤخرا والانسحابات التي عرفتها، وحديث الرأي العام عن ملفات الفساد المالي والإداري، وهو ما ظهر في مجموعة من المبادرات الارتجالية والغير محسوبة، كإقحام قصر المؤتمرات والندوات في مهرجان السينما دون إتمام الأشغال به وعدم تدشينه محاولة منهم التغطية على ملاحظات التقرير المذكور، وتأجير بعض الأقلام والأصوات وصياغة هذا البيان بهذه الطريقة الأقرب إلى المسرحية، ونهج سياسة الإغراء وشراء الضمائر وتكميم الأفواه وإسكاتها من خلال توزيع بقع أرضية على مجموعة من المنتخبين والجمعيات