الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة        بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جمهورية بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع 'الجمهورية الصحراوية' الوهمية    حكيمي في باريس سان جيرمان حتى 2029    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدونون لأجل حقوق الإنسان..
نشر في صحراء بريس يوم 16 - 01 - 2013


نقلا عن هسبرس

حقوق الإنسان، هل غدت يا ترى هي كلمة السر في عالمنا العربي لفهم مغاليق واقعنا المتردي على جميع المستويات؟ وهل يمكن أن تكون اليوم بوابة الحل لأبرز مآسينا المشتركة في حقبة يطبعها الخوف من كل شيء؟ الخوف ذلك العملاق الجرثومة الذي اخترق أنظمتنا المناعية منذ قرون، وعشش فيها كالفطر السام تغذيه أوحال الفقر والجهل والاستبداد،أو لِنقل متلازمات العالم الثالث.هذا الخوف، هل يمكن أن نشفى من أعراضه و مراضه دون أن ننعم بحقوقنا كاملة كمخلوقات إنسية مكرمة؟
إنه من المؤسف حقا أن عصر الحريات و الثورة العلومية،لم يجعل حدا لمعاناة البشرية فمازال المتسلطون و ذوو النفوذ لا يحتكمون لغير شريعة الغاب أو لغة المصالح في أحسن الأحوال،وقد فقدت الإنسانية أقدس معانيها، وغدت القيم سلعة في أسواق القيم،لذلك صار النضال لأجل حرمة الإنسان أسمى الواجبات الكونية، ووجب التذكير بأن كرامة الانسان هي خط أحمر، و أن حقوق الانسان انما اكتسبت قدسيتها بالنفخة الإلهية المقدسة منذ بدء التكوين، و ذلك قبل أن نتسول حقوقنا من "رعاة" المواثيق الدولية المعاصرة، أو ننتزعها مغالبة من أنظمة الاستبداد العربية.
1. مدونون لأجل حقوق الإنسان:
أريد هنا أن أدون أي شيء، بل أدعو كل ذي قلم وحاسوب الى تدوين أي شيء لأجل حقوق الانسان العربي، ندون جميعا لأننا في حاجة الى مبادرات شبابية تعالج قضايا حقوق الانسان، وتعيد شيئا من الأمل الى النفوس المعذبة الحائرة الخائرة،في زمنعزت فيهالمبادرات الحقوقية العربية بسبب نخبويتها، أو افتقارها الى الدعم المادي و الحكومي، أو بسبب حظرها من الأساس..
و يبدو أن ثورات الربيع العربي التي عبَرت من عالم الإنترنت الافتراضي الى أرض الواقع، قد عكست الرغبة القوية لدى الشباب في التشبيك و التواصل في ما بينه لتدارس أبجديات حقوقه و للمطالبة بحرياته عبر المدونات و برامج التواصل الاجتماعي، وشتى وسائل التعبير و الابداع الفني، وهي المسألة الجوهرية التي غابت عن مناهجنا التعليمية والتربوية طويلا، و ما تزال كذلك باستثناء الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات المدنية العزلاء التي تناضل باستماتة لكي تجد لها موطئ قدم في زحمة المتاجرين بالسياسة والحقوق،و خبراء لغة الخشب، و باعة الوعود الحزبية الزائفة!
هذه المجموعات المتطوعة أو المنظمات ذات الخلفيات الفكرية و السياسية المتباينة، انما تحاول ذوات المروءة منها أن تقدم و لو شيئا يسيرا للدفاع عن المواطن العربي، وتوعيته بحقوقه، وإعمال وسائل الضغط القانونية و المدنية لمساءلة أو إحراج المؤسسات الحكومية الوصية التي لم تشيّد في أغلب التجارب العربية إلا كديكور لتأثيث الواجهات "الديمقراطية" أمام أنظار المجتمع الدولي، و إيهاما بوجود إرادة للإصلاح السياسي، و انما هو في الواقع محض الاستغفال للمواطن العربي ذلك "الإنسان المقهور و المهدور" كما يصفه الدكتور مصطفى حجازي في كتاباته التحليلية.
2. مأساةعربية مشتركة:
أحاول أن أصور جانبا من مشاهد القصة المشتركة لحقوق الإنسان العربي، متوسلا لذلك بعفوية المدون و خيال القاص، فأن تكتب شيئا عن حقوق الإنسان و تجعل الآخرين يستمعون إليك و يشعرون بك، فيألمون لمصابك، ثم يناصرونك في النهاية، لا يتطلب منك أن تكونح قوقيا خبيرا، و لا محاميا كبيرا، ولا مناضلا في صفوف المعارضة...يكفي فقط أن تكون مواطنا إنسانا، إن تركَت فيك الأنظمة بقيةَ إحساسِ وشيئا من العزة في بلد عربي! ثمتنفس عن شريان قلمك في غفلة من أعين الرقابة لتصور بكلماتك الدافقة شيئا من واقعك اليومي بكل بساطة، بدءا بمكونات إفطارك، وجدران دارِك، ومرورا بمعاناتك اليومية مع الإدارات العمومية، و عجز راتبك عن أداء فواتيرك الشهرية، و انتهاء بآثار كوارث السياسة والاقتصاد، وطواحين الأوضاع الأمنية والحقوقية في بلدك، آنذاك سيعتقد الجميع في النهاية أنك تكتب بالنيابة عنهم، قصصهم الشخصية أو قصص أقاربهم وذويهم..!
لا تجعل العَبَرات هي مبلغك من الأسى و الأسف إن استطعت أن تذرف مع الدموع مدادا سيالا لتوثق بالأسود و الأبيض مشاهد أطفالفي عمر الزهور،و هم يستجدون المارة بوجوه بريئة، صَوّحتها الشمس و لوّحتها، أو يتوسلون إليك لتمنحهم فرصة مسح سيارتك المهترئة مقابل قطع معدنية لا تسمن و لا تغني من جوع..( في المغرب مثلا يوجد أكثر من ثلاثين ألف طفل يعيشون في الشوارع! ) و حتى لا تؤلمك المناظر في زاوية أخرى، استرق بعض نظرات الاشفاق العاجزة، وأنت تتحاشى الاقتراب من المشردين في الشوارع بسحناتهم المخيفة، و رؤوسهم المغبرة، و ثيابهم المرقعة، و هم ينامون على قارعة الطريق، أو ينبشون في حاويات القمامة أمام بيوت الأثرياء، و يقتسمون الفضلات مع القطط و الكلاب الضالة! ربما هي وحدها من يشعر بوجودهم أو يقر بإنسانيتهم المعذبة في عالم شَحّ فيه الرحماء !
لا تتردد أيضا في الكتابة عن قصة عودتك اليوم أو الأمس الى بيتك بعد نهار من العمل الشاق بساعات زائدة مفروضة عليك، و لا مطمع لك في أي تعويض عنها، أو تطرد عسفا من ورش عملك لأن قطاعك لا وجود فيه لنقابة قادرة على إسماع صوتك، أو الدفاع عن حقوقك..
لا تنس إن شئت و أنت عائد الى بيتك، أن تمر بمنزل خالتك أو جارتك المسكينة لتواسيها في مصابها، و تخفف شيئا من حسراتها على ابنها و سندها الوحيد الذي اختفى منذ أيام، و قد اختطفه في عتمة الظلام زُوار شِداد غلاظ متخفون في زي مدني، بعد أن نصبوا له كمينا ليكون عبرة لكل شاب منتفض قد يخطط أو يشارك في وقفة سلمية، أو يفتح فمه ليعبر عن رأيه في قضية سياسية أو " خبزية" لا فرق! و من "نجا" من رفقائه فربما عاد الى أهله بعظام مهشمة جزاء مطالبته بالشغل والالتفات إلى أوضاع بلدتكم المهمشة البعيدة عن العاصمة.
انظر الى المرأة الثكلى بعين الرحمة، و ابتلع غصتك و غيظك، و تمالك دمعتك كأي رجل "شرقي"، و أنت تمنح قريبتك المنهارة بصيصا من الأمل بمعانقة ابنها الفتى الشجاع ذي الحظ العاثر! حاول فقط، رغم أنك تعلم يقينا أنه لن ير النور قريبا هو و رفاقه، و قد لفقت لهم تهمة تهديد أمن الدولة و المؤسسات، والمساس بحرمة الوطن و المقدسات! ولا تتعب نفسك بالسؤال عن الفتية في أقسام البوليس و مفوضيات الشرطة لأنه لا أحد يعلم عنهم أي شيء! وإن حرصت على تقصي خبرهم فقد تتهم بالتواطؤ مع "المخربين الخونة"، فيُفتح لك محضر تحقيق قد يلطخ سيرتك المدنية الى ما شاء الله!
من المؤسف حقا ألا يكون بمقدورك فعل أي شيء! لكن لم لا يكون الإعلام نصيرا جيدا لقضيتك، فقمع المسيرة السلمية و إطلاق الرصاص على المدنيين، و اختطاف المتظاهرين لا شك سيكون سبقا صحفيا، مع قصص إنسانية مؤثرة و جديرة بالنشر.. لكن لا تتفاجأ إن علمت أن صاحبك الصحفي لن يغامر بوظيفته بعد تلقيه التحذير، فمدير جريدته لم يتحمس لتغطية أحداث " المشاغبين المخربين للبلد! " و بالمقابل عرض عليه فرصة السفر الى العاصمة للاستمتاع بتغطية باذخة ليوميات المهرجان الفني الكبير..
ما أشبه ما تكتبه في طنجة أو وهران، بما يكتبه إخوتك في أقاصي اليمن و الخليج والشام..لكن عليك فقط أن تتعلم كيف تحتج سلميا، أوكيف تصوب فوهة "قلم الرصاص" أو ازرار حاسوبك في وجه خصوم الحريات و الحقوق،ففى البداية سيتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر!! تماما كما برهن على ذلك غاندي الحكيم، أيقونة المقاومة السلمية
. فلا اقتحم العقبة!
يعتبر الكثيرون الانشغال بحقوق الانسان عملا نخبويا و مجازفة غير محسوبة العواقب أمنيا و سياسيا، و هي مخاوف متفشية في عالمنا العربي و لها ما يبررها، خصوصا في ظل المضايقات و الاعتداءات السافرة و الزج بالمدونين في السجون دون وجه حق..إلا أنه لا ينبغي أن يظل العمل الحقوقي الى الأبد طابوها محظورا لاسيما في زمن التحرر والثورات على الاستعباد، بل هي عقبة كؤود ينبغي اقتحامها لمن يجد في نفسه الحد الأدنى منالاستعداد الفكري أو الحركي للتطوع في المسعى النبيل.
وليكون التطوع على بصيرة و بينة، لابد لك أولا من امتلاك خارطة و بوصلة، لأن الطريق غير سالكة!
الخارطة وضوح راسخ في المسالك والخطوات، والبوصلة رسوخ واضح في المبادئ والتوجهات.
معنى ذلك، أنهلا ينبغي أخلاقيا أن يكون الدفاع عن حقوق الانسان اندفاعا حماسيا ساذجا، و لاحصادا سياسيا رخيصا على حساب آهات المستضعفين في الأرض، ولا مهنة تُحتَرَف انتهازا كما يصنع بعضهم، و لا مورد رزق لصاحب ضمير. فليس النضال الحقوقي إلا أنبل تَجَلٍّ لفروسية الضمير الإنساني. ولا ثمن يكافئه في الدنيا، غير ارجاع الحقوق الى طلابها، والكرامة الى أصحابها، و العدالة الى نصابها. وأي غُنم أكبر من ذلك؟
و من جهة ثانية، فقد غدا ميدان حقوق الانسان تخصصا معرفيا و أكاديميا بارزاتغذيه تراكمات النضالات الحقوقية الكونية، و صحوات الوعي الجماهيرية، والاستجابات السياسية و القانونية و التنظيمية عبر العالم، لذا فلا مناص لك يا صاحبي، سواء أكنت كاتبا مدونا، أو مناضلا ميدانيا أن تلتمس التكوين والتأطير بطرقك الخاصة، أو تنخرط في أي منظمة حقوقية جادة توفر لك ما تيسر من حماية و تأطير، وهناك وسع دائرة معارفك، و أنت تستكشف أعراف وآليات اشتغال وسطك الجديد حتى تتفاعل بشكل إيجابي مع كل نشاط حقوقي هادف،و لا تنس أن تقرأ دائما عن تجارب الآخرين، واستفد من الإعلام عموما، ومن برامج الانترنت التفاعلية والترويجية، و لا تتردد في بناء مدونتك الشخصية على الشبكة العالمية، إن بدا لك أنتجعل منها متنفسك الصغيرفي الفضاء الرقمي الكبير، فتعبر بتدويناتك ومنشوراتك بعيدا عن مقص الرقيب على أي كلمة أو صورة أو صرخة تلتقطها أو تبثها أجهزتك البسيطة، وتسلح باستمرار بشيء من المطالعات والاستشارات القانونية لتوفر بعض الحماية لنفسك، و من ذلك اطلاعك على المساطر اللازمة للتعامل مع أي شطط في استعمال السلطة قد تتعرض له.
ففي العالم العربي، عادة لا تجعلك المعرفة بالقانون والتزامه في مأمن من الظلم والاعتداء، لكنك ربما قد تحرج من يريد أن يعتدي على حرمتك باسم تنفيذ الأوامر والتعليمات، فتُحد قليلا من ساديته و طيشه، أو تتحداه بإمكانية فضحه إعلاميا، أو متابعته قضائيا باسم نفس القانون الذي لم يشرع بالضرورة لحماية المستضعفين في عالمنا العربي..
وفي الختام إن أعددت عُدتك، واتضحت لك المعالم، وتأججت في أعماقك الحسرة على المظالم،لاشك سوف تتعلم كيف تصبح على الأقل"مشاغبا منضبطا، ومزعجا بالقانون" لخصوم الحرية و حقوق الإنسان،آنذاكسيغدو بإمكانك يا صاح أن تبسط أشرعة نضالك في اتجاه رياح التغيير المُسخّرةمن المحيط الى الخليج، عسى أن ترسو مراكبك قريبا على شطآن الحرية و الانعتاق، و تسهم و لو بجهد المُقِل في فكاك الرقاب المُسترَقَّة.
فلا اقتحم العقبة! و ما أدراك ما العقبة؟ فَكُّ رقبه..!
*باحث في خصائص الخطاب الشرعي و الحوار بجامعة محمد الخامس بالرباط
حقوق الإنسان، هل غدت يا ترى هي كلمة السر في عالمنا العربي لفهم مغاليق واقعنا المتردي على جميع المستويات؟ وهل يمكن أن تكون اليوم بوابة الحل لأبرز مآسينا المشتركة في حقبة يطبعها الخوف من كل شيء؟ الخوف ذلك العملاق الجرثومة الذي اخترق أنظمتنا المناعية منذ قرون، وعشش فيها كالفطر السام تغذيه أوحال الفقر والجهل والاستبداد،أو لِنقل متلازمات العالم الثالث.هذا الخوف، هل يمكن أن نشفى من أعراضه و مراضه دون أن ننعم بحقوقنا كاملة كمخلوقات إنسية مكرمة؟
إنه من المؤسف حقا أن عصر الحريات و الثورة العلومية،لم يجعل حدا لمعاناة البشرية فمازال المتسلطون و ذوو النفوذ لا يحتكمون لغير شريعة الغاب أو لغة المصالح في أحسن الأحوال،وقد فقدت الإنسانية أقدس معانيها، وغدت القيم سلعة في أسواق القيم،لذلك صار النضال لأجل حرمة الإنسان أسمى الواجبات الكونية، ووجب التذكير بأن كرامة الانسان هي خط أحمر، و أن حقوق الانسان انما اكتسبت قدسيتها بالنفخة الإلهية المقدسة منذ بدء التكوين، و ذلك قبل أن نتسول حقوقنا من "رعاة" المواثيق الدولية المعاصرة، أو ننتزعها مغالبة من أنظمة الاستبداد العربية.
. مدونون لأجل حقوق الإنسان:
أريد هنا أن أدون أي شيء، بل أدعو كل ذي قلم وحاسوب الى تدوين أي شيء لأجل حقوق الانسان العربي، ندون جميعا لأننا في حاجة الى مبادرات شبابية تعالج قضايا حقوق الانسان، وتعيد شيئا من الأمل الى النفوس المعذبة الحائرة الخائرة،في زمنعزت فيهالمبادرات الحقوقية العربية بسبب نخبويتها، أو افتقارها الى الدعم المادي و الحكومي، أو بسبب حظرها من الأساس..
و يبدو أن ثورات الربيع العربي التي عبَرت من عالم الإنترنت الافتراضي الى أرض الواقع، قد عكست الرغبة القوية لدى الشباب في التشبيك و التواصل في ما بينه لتدارس أبجديات حقوقه و للمطالبة بحرياته عبر المدونات و برامج التواصل الاجتماعي، وشتى وسائل التعبير و الابداع الفني، وهي المسألة الجوهرية التي غابت عن مناهجنا التعليمية والتربوية طويلا، و ما تزال كذلك باستثناء الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات المدنية العزلاء التي تناضل باستماتة لكي تجد لها موطئ قدم في زحمة المتاجرين بالسياسة والحقوق،و خبراء لغة الخشب، و باعة الوعود الحزبية الزائفة!
هذه المجموعات المتطوعة أو المنظمات ذات الخلفيات الفكرية و السياسية المتباينة، انما تحاول ذوات المروءة منها أن تقدم و لو شيئا يسيرا للدفاع عن المواطن العربي، وتوعيته بحقوقه، وإعمال وسائل الضغط القانونية و المدنية لمساءلة أو إحراج المؤسسات الحكومية الوصية التي لم تشيّد في أغلب التجارب العربية إلا كديكور لتأثيث الواجهات "الديمقراطية" أمام أنظار المجتمع الدولي، و إيهاما بوجود إرادة للإصلاح السياسي، و انما هو في الواقع محض الاستغفال للمواطن العربي ذلك "الإنسان المقهور و المهدور" كما يصفه الدكتور مصطفى حجازي في كتاباته التحليلية.
. مأساةعربية مشتركة:
أحاول أن أصور جانبا من مشاهد القصة المشتركة لحقوق الإنسان العربي، متوسلا لذلك بعفوية المدون و خيال القاص، فأن تكتب شيئا عن حقوق الإنسان و تجعل الآخرين يستمعون إليك و يشعرون بك، فيألمون لمصابك، ثم يناصرونك في النهاية، لا يتطلب منك أن تكونح قوقيا خبيرا، و لا محاميا كبيرا، ولا مناضلا في صفوف المعارضة...يكفي فقط أن تكون مواطنا إنسانا، إن تركَت فيك الأنظمة بقيةَ إحساسِ وشيئا من العزة في بلد عربي! ثمتنفس عن شريان قلمك في غفلة من أعين الرقابة لتصور بكلماتك الدافقة شيئا من واقعك اليومي بكل بساطة، بدءا بمكونات إفطارك، وجدران دارِك، ومرورا بمعاناتك اليومية مع الإدارات العمومية، و عجز راتبك عن أداء فواتيرك الشهرية، و انتهاء بآثار كوارث السياسة والاقتصاد، وطواحين الأوضاع الأمنية والحقوقية في بلدك، آنذاك سيعتقد الجميع في النهاية أنك تكتب بالنيابة عنهم، قصصهم الشخصية أو قصص أقاربهم وذويهم..!
لا تجعل العَبَرات هي مبلغك من الأسى و الأسف إن استطعت أن تذرف مع الدموع مدادا سيالا لتوثق بالأسود و الأبيض مشاهد أطفالفي عمر الزهور،و هم يستجدون المارة بوجوه بريئة، صَوّحتها الشمس و لوّحتها، أو يتوسلون إليك لتمنحهم فرصة مسح سيارتك المهترئة مقابل قطع معدنية لا تسمن و لا تغني من جوع..( في المغرب مثلا يوجد أكثر من ثلاثين ألف طفل يعيشون في الشوارع! ) و حتى لا تؤلمك المناظر في زاوية أخرى، استرق بعض نظرات الاشفاق العاجزة، وأنت تتحاشى الاقتراب من المشردين في الشوارع بسحناتهم المخيفة، و رؤوسهم المغبرة، و ثيابهم المرقعة، و هم ينامون على قارعة الطريق، أو ينبشون في حاويات القمامة أمام بيوت الأثرياء، و يقتسمون الفضلات مع القطط و الكلاب الضالة! ربما هي وحدها من يشعر بوجودهم أو يقر بإنسانيتهم المعذبة في عالم شَحّ فيه الرحماء !
لا تتردد أيضا في الكتابة عن قصة عودتك اليوم أو الأمس الى بيتك بعد نهار من العمل الشاق بساعات زائدة مفروضة عليك، و لا مطمع لك في أي تعويض عنها، أو تطرد عسفا من ورش عملك لأن قطاعك لا وجود فيه لنقابة قادرة على إسماع صوتك، أو الدفاع عن حقوقك..
لا تنس إن شئت و أنت عائد الى بيتك، أن تمر بمنزل خالتك أو جارتك المسكينة لتواسيها في مصابها، و تخفف شيئا من حسراتها على ابنها و سندها الوحيد الذي اختفى منذ أيام، و قد اختطفه في عتمة الظلام زُوار شِداد غلاظ متخفون في زي مدني، بعد أن نصبوا له كمينا ليكون عبرة لكل شاب منتفض قد يخطط أو يشارك في وقفة سلمية، أو يفتح فمه ليعبر عن رأيه في قضية سياسية أو " خبزية" لا فرق! و من "نجا" من رفقائه فربما عاد الى أهله بعظام مهشمة جزاء مطالبته بالشغل والالتفات إلى أوضاع بلدتكم المهمشة البعيدة عن العاصمة.
انظر الى المرأة الثكلى بعين الرحمة، و ابتلع غصتك و غيظك، و تمالك دمعتك كأي رجل "شرقي"، و أنت تمنح قريبتك المنهارة بصيصا من الأمل بمعانقة ابنها الفتى الشجاع ذي الحظ العاثر! حاول فقط، رغم أنك تعلم يقينا أنه لن ير النور قريبا هو و رفاقه، و قد لفقت لهم تهمة تهديد أمن الدولة و المؤسسات، والمساس بحرمة الوطن و المقدسات! ولا تتعب نفسك بالسؤال عن الفتية في أقسام البوليس و مفوضيات الشرطة لأنه لا أحد يعلم عنهم أي شيء! وإن حرصت على تقصي خبرهم فقد تتهم بالتواطؤ مع "المخربين الخونة"، فيُفتح لك محضر تحقيق قد يلطخ سيرتك المدنية الى ما شاء الله!
من المؤسف حقا ألا يكون بمقدورك فعل أي شيء! لكن لم لا يكون الإعلام نصيرا جيدا لقضيتك، فقمع المسيرة السلمية و إطلاق الرصاص على المدنيين، و اختطاف المتظاهرين لا شك سيكون سبقا صحفيا، مع قصص إنسانية مؤثرة و جديرة بالنشر.. لكن لا تتفاجأ إن علمت أن صاحبك الصحفي لن يغامر بوظيفته بعد تلقيه التحذير، فمدير جريدته لم يتحمس لتغطية أحداث " المشاغبين المخربين للبلد! " و بالمقابل عرض عليه فرصة السفر الى العاصمة للاستمتاع بتغطية باذخة ليوميات المهرجان الفني الكبير..
ما أشبه ما تكتبه في طنجة أو وهران، بما يكتبه إخوتك في أقاصي اليمن و الخليج والشام..لكن عليك فقط أن تتعلم كيف تحتج سلميا، أوكيف تصوب فوهة "قلم الرصاص" أو ازرار حاسوبك في وجه خصوم الحريات و الحقوق،ففى البداية سيتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر!! تماما كما برهن على ذلك غاندي الحكيم، أيقونة المقاومة السلمية
. فلا اقتحم العقبة!
يعتبر الكثيرون الانشغال بحقوق الانسان عملا نخبويا و مجازفة غير محسوبة العواقب أمنيا و سياسيا، و هي مخاوف متفشية في عالمنا العربي و لها ما يبررها، خصوصا في ظل المضايقات و الاعتداءات السافرة و الزج بالمدونين في السجون دون وجه حق..إلا أنه لا ينبغي أن يظل العمل الحقوقي الى الأبد طابوها محظورا لاسيما في زمن التحرر والثورات على الاستعباد، بل هي عقبة كؤود ينبغي اقتحامها لمن يجد في نفسه الحد الأدنى منالاستعداد الفكري أو الحركي للتطوع في المسعى النبيل.
وليكون التطوع على بصيرة و بينة، لابد لك أولا من امتلاك خارطة و بوصلة، لأن الطريق غير سالكة!
الخارطة وضوح راسخ في المسالك والخطوات، والبوصلة رسوخ واضح في المبادئ والتوجهات.
معنى ذلك، أنهلا ينبغي أخلاقيا أن يكون الدفاع عن حقوق الانسان اندفاعا حماسيا ساذجا، و لاحصادا سياسيا رخيصا على حساب آهات المستضعفين في الأرض، ولا مهنة تُحتَرَف انتهازا كما يصنع بعضهم، و لا مورد رزق لصاحب ضمير. فليس النضال الحقوقي إلا أنبل تَجَلٍّ لفروسية الضمير الإنساني. ولا ثمن يكافئه في الدنيا، غير ارجاع الحقوق الى طلابها، والكرامة الى أصحابها، و العدالة الى نصابها. وأي غُنم أكبر من ذلك؟
و من جهة ثانية، فقد غدا ميدان حقوق الانسان تخصصا معرفيا و أكاديميا بارزاتغذيه تراكمات النضالات الحقوقية الكونية، و صحوات الوعي الجماهيرية، والاستجابات السياسية و القانونية و التنظيمية عبر العالم، لذا فلا مناص لك يا صاحبي، سواء أكنت كاتبا مدونا، أو مناضلا ميدانيا أن تلتمس التكوين والتأطير بطرقك الخاصة، أو تنخرط في أي منظمة حقوقية جادة توفر لك ما تيسر من حماية و تأطير، وهناك وسع دائرة معارفك، و أنت تستكشف أعراف وآليات اشتغال وسطك الجديد حتى تتفاعل بشكل إيجابي مع كل نشاط حقوقي هادف،و لا تنس أن تقرأ دائما عن تجارب الآخرين، واستفد من الإعلام عموما، ومن برامج الانترنت التفاعلية والترويجية، و لا تتردد في بناء مدونتك الشخصية على الشبكة العالمية، إن بدا لك أنتجعل منها متنفسك الصغيرفي الفضاء الرقمي الكبير، فتعبر بتدويناتك ومنشوراتك بعيدا عن مقص الرقيب على أي كلمة أو صورة أو صرخة تلتقطها أو تبثها أجهزتك البسيطة، وتسلح باستمرار بشيء من المطالعات والاستشارات القانونية لتوفر بعض الحماية لنفسك، و من ذلك اطلاعك على المساطر اللازمة للتعامل مع أي شطط في استعمال السلطة قد تتعرض له.
ففي العالم العربي، عادة لا تجعلك المعرفة بالقانون والتزامه في مأمن من الظلم والاعتداء، لكنك ربما قد تحرج من يريد أن يعتدي على حرمتك باسم تنفيذ الأوامر والتعليمات، فتُحد قليلا من ساديته و طيشه، أو تتحداه بإمكانية فضحه إعلاميا، أو متابعته قضائيا باسم نفس القانون الذي لم يشرع بالضرورة لحماية المستضعفين في عالمنا العربي..
وفي الختام إن أعددت عُدتك، واتضحت لك المعالم، وتأججت في أعماقك الحسرة على المظالم،لاشك سوف تتعلم كيف تصبح على الأقل"مشاغبا منضبطا، ومزعجا بالقانون" لخصوم الحرية و حقوق الإنسان،آنذاكسيغدو بإمكانك يا صاح أن تبسط أشرعة نضالك في اتجاه رياح التغيير المُسخّرةمن المحيط الى الخليج، عسى أن ترسو مراكبك قريبا على شطآن الحرية و الانعتاق، و تسهم و لو بجهد المُقِل في فكاك الرقاب المُسترَقَّة.
فلا اقتحم العقبة! و ما أدراك ما العقبة؟ فَكُّ رقبه..!

*باحث في خصائص الخطاب الشرعي و الحوار بجامعة محمد الخامس بالرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.