رئيس مجلس المستشارين يستقبل رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا    اتفاقية تاريخية.. المغرب وموريتانيا يوقعان مشروع الربط الكهربائي لتعزيز التعاون الطاقي    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    الدار البيضاء ضمن أكثر المدن أمانا في إفريقيا لعام 2025    البيت الأبيض يعلن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    وفد الاتحاد الأوروبي يزور مشروع التطهير السائل بجماعة سيدي علال التازي    مع اقتراب رمضان.. المغرب يحذف الساعة الإضافية في هذا التاريخ    هذا ما تتميز به غرينلاند التي يرغب ترامب في شرائها    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    إحالة قضية الرئيس يول إلى النيابة العامة بكوريا الجنوبية    أندونيسيا: ارتفاع حصيلة ضحايا حادث انزلاق التربة إلى 21 قتيلا    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    نقابات الصحة ترفع شعار التصعيد في وجه "التهراوي"    طقس الخميس: أجواء باردة مع صقيع محلي بعدد من المناطق    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    الشيخات داخل قبة البرلمان    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    عادل هالا    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدونون لأجل حقوق الإنسان..
نشر في صحراء بريس يوم 16 - 01 - 2013


نقلا عن هسبرس

حقوق الإنسان، هل غدت يا ترى هي كلمة السر في عالمنا العربي لفهم مغاليق واقعنا المتردي على جميع المستويات؟ وهل يمكن أن تكون اليوم بوابة الحل لأبرز مآسينا المشتركة في حقبة يطبعها الخوف من كل شيء؟ الخوف ذلك العملاق الجرثومة الذي اخترق أنظمتنا المناعية منذ قرون، وعشش فيها كالفطر السام تغذيه أوحال الفقر والجهل والاستبداد،أو لِنقل متلازمات العالم الثالث.هذا الخوف، هل يمكن أن نشفى من أعراضه و مراضه دون أن ننعم بحقوقنا كاملة كمخلوقات إنسية مكرمة؟
إنه من المؤسف حقا أن عصر الحريات و الثورة العلومية،لم يجعل حدا لمعاناة البشرية فمازال المتسلطون و ذوو النفوذ لا يحتكمون لغير شريعة الغاب أو لغة المصالح في أحسن الأحوال،وقد فقدت الإنسانية أقدس معانيها، وغدت القيم سلعة في أسواق القيم،لذلك صار النضال لأجل حرمة الإنسان أسمى الواجبات الكونية، ووجب التذكير بأن كرامة الانسان هي خط أحمر، و أن حقوق الانسان انما اكتسبت قدسيتها بالنفخة الإلهية المقدسة منذ بدء التكوين، و ذلك قبل أن نتسول حقوقنا من "رعاة" المواثيق الدولية المعاصرة، أو ننتزعها مغالبة من أنظمة الاستبداد العربية.
1. مدونون لأجل حقوق الإنسان:
أريد هنا أن أدون أي شيء، بل أدعو كل ذي قلم وحاسوب الى تدوين أي شيء لأجل حقوق الانسان العربي، ندون جميعا لأننا في حاجة الى مبادرات شبابية تعالج قضايا حقوق الانسان، وتعيد شيئا من الأمل الى النفوس المعذبة الحائرة الخائرة،في زمنعزت فيهالمبادرات الحقوقية العربية بسبب نخبويتها، أو افتقارها الى الدعم المادي و الحكومي، أو بسبب حظرها من الأساس..
و يبدو أن ثورات الربيع العربي التي عبَرت من عالم الإنترنت الافتراضي الى أرض الواقع، قد عكست الرغبة القوية لدى الشباب في التشبيك و التواصل في ما بينه لتدارس أبجديات حقوقه و للمطالبة بحرياته عبر المدونات و برامج التواصل الاجتماعي، وشتى وسائل التعبير و الابداع الفني، وهي المسألة الجوهرية التي غابت عن مناهجنا التعليمية والتربوية طويلا، و ما تزال كذلك باستثناء الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات المدنية العزلاء التي تناضل باستماتة لكي تجد لها موطئ قدم في زحمة المتاجرين بالسياسة والحقوق،و خبراء لغة الخشب، و باعة الوعود الحزبية الزائفة!
هذه المجموعات المتطوعة أو المنظمات ذات الخلفيات الفكرية و السياسية المتباينة، انما تحاول ذوات المروءة منها أن تقدم و لو شيئا يسيرا للدفاع عن المواطن العربي، وتوعيته بحقوقه، وإعمال وسائل الضغط القانونية و المدنية لمساءلة أو إحراج المؤسسات الحكومية الوصية التي لم تشيّد في أغلب التجارب العربية إلا كديكور لتأثيث الواجهات "الديمقراطية" أمام أنظار المجتمع الدولي، و إيهاما بوجود إرادة للإصلاح السياسي، و انما هو في الواقع محض الاستغفال للمواطن العربي ذلك "الإنسان المقهور و المهدور" كما يصفه الدكتور مصطفى حجازي في كتاباته التحليلية.
2. مأساةعربية مشتركة:
أحاول أن أصور جانبا من مشاهد القصة المشتركة لحقوق الإنسان العربي، متوسلا لذلك بعفوية المدون و خيال القاص، فأن تكتب شيئا عن حقوق الإنسان و تجعل الآخرين يستمعون إليك و يشعرون بك، فيألمون لمصابك، ثم يناصرونك في النهاية، لا يتطلب منك أن تكونح قوقيا خبيرا، و لا محاميا كبيرا، ولا مناضلا في صفوف المعارضة...يكفي فقط أن تكون مواطنا إنسانا، إن تركَت فيك الأنظمة بقيةَ إحساسِ وشيئا من العزة في بلد عربي! ثمتنفس عن شريان قلمك في غفلة من أعين الرقابة لتصور بكلماتك الدافقة شيئا من واقعك اليومي بكل بساطة، بدءا بمكونات إفطارك، وجدران دارِك، ومرورا بمعاناتك اليومية مع الإدارات العمومية، و عجز راتبك عن أداء فواتيرك الشهرية، و انتهاء بآثار كوارث السياسة والاقتصاد، وطواحين الأوضاع الأمنية والحقوقية في بلدك، آنذاك سيعتقد الجميع في النهاية أنك تكتب بالنيابة عنهم، قصصهم الشخصية أو قصص أقاربهم وذويهم..!
لا تجعل العَبَرات هي مبلغك من الأسى و الأسف إن استطعت أن تذرف مع الدموع مدادا سيالا لتوثق بالأسود و الأبيض مشاهد أطفالفي عمر الزهور،و هم يستجدون المارة بوجوه بريئة، صَوّحتها الشمس و لوّحتها، أو يتوسلون إليك لتمنحهم فرصة مسح سيارتك المهترئة مقابل قطع معدنية لا تسمن و لا تغني من جوع..( في المغرب مثلا يوجد أكثر من ثلاثين ألف طفل يعيشون في الشوارع! ) و حتى لا تؤلمك المناظر في زاوية أخرى، استرق بعض نظرات الاشفاق العاجزة، وأنت تتحاشى الاقتراب من المشردين في الشوارع بسحناتهم المخيفة، و رؤوسهم المغبرة، و ثيابهم المرقعة، و هم ينامون على قارعة الطريق، أو ينبشون في حاويات القمامة أمام بيوت الأثرياء، و يقتسمون الفضلات مع القطط و الكلاب الضالة! ربما هي وحدها من يشعر بوجودهم أو يقر بإنسانيتهم المعذبة في عالم شَحّ فيه الرحماء !
لا تتردد أيضا في الكتابة عن قصة عودتك اليوم أو الأمس الى بيتك بعد نهار من العمل الشاق بساعات زائدة مفروضة عليك، و لا مطمع لك في أي تعويض عنها، أو تطرد عسفا من ورش عملك لأن قطاعك لا وجود فيه لنقابة قادرة على إسماع صوتك، أو الدفاع عن حقوقك..
لا تنس إن شئت و أنت عائد الى بيتك، أن تمر بمنزل خالتك أو جارتك المسكينة لتواسيها في مصابها، و تخفف شيئا من حسراتها على ابنها و سندها الوحيد الذي اختفى منذ أيام، و قد اختطفه في عتمة الظلام زُوار شِداد غلاظ متخفون في زي مدني، بعد أن نصبوا له كمينا ليكون عبرة لكل شاب منتفض قد يخطط أو يشارك في وقفة سلمية، أو يفتح فمه ليعبر عن رأيه في قضية سياسية أو " خبزية" لا فرق! و من "نجا" من رفقائه فربما عاد الى أهله بعظام مهشمة جزاء مطالبته بالشغل والالتفات إلى أوضاع بلدتكم المهمشة البعيدة عن العاصمة.
انظر الى المرأة الثكلى بعين الرحمة، و ابتلع غصتك و غيظك، و تمالك دمعتك كأي رجل "شرقي"، و أنت تمنح قريبتك المنهارة بصيصا من الأمل بمعانقة ابنها الفتى الشجاع ذي الحظ العاثر! حاول فقط، رغم أنك تعلم يقينا أنه لن ير النور قريبا هو و رفاقه، و قد لفقت لهم تهمة تهديد أمن الدولة و المؤسسات، والمساس بحرمة الوطن و المقدسات! ولا تتعب نفسك بالسؤال عن الفتية في أقسام البوليس و مفوضيات الشرطة لأنه لا أحد يعلم عنهم أي شيء! وإن حرصت على تقصي خبرهم فقد تتهم بالتواطؤ مع "المخربين الخونة"، فيُفتح لك محضر تحقيق قد يلطخ سيرتك المدنية الى ما شاء الله!
من المؤسف حقا ألا يكون بمقدورك فعل أي شيء! لكن لم لا يكون الإعلام نصيرا جيدا لقضيتك، فقمع المسيرة السلمية و إطلاق الرصاص على المدنيين، و اختطاف المتظاهرين لا شك سيكون سبقا صحفيا، مع قصص إنسانية مؤثرة و جديرة بالنشر.. لكن لا تتفاجأ إن علمت أن صاحبك الصحفي لن يغامر بوظيفته بعد تلقيه التحذير، فمدير جريدته لم يتحمس لتغطية أحداث " المشاغبين المخربين للبلد! " و بالمقابل عرض عليه فرصة السفر الى العاصمة للاستمتاع بتغطية باذخة ليوميات المهرجان الفني الكبير..
ما أشبه ما تكتبه في طنجة أو وهران، بما يكتبه إخوتك في أقاصي اليمن و الخليج والشام..لكن عليك فقط أن تتعلم كيف تحتج سلميا، أوكيف تصوب فوهة "قلم الرصاص" أو ازرار حاسوبك في وجه خصوم الحريات و الحقوق،ففى البداية سيتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر!! تماما كما برهن على ذلك غاندي الحكيم، أيقونة المقاومة السلمية
. فلا اقتحم العقبة!
يعتبر الكثيرون الانشغال بحقوق الانسان عملا نخبويا و مجازفة غير محسوبة العواقب أمنيا و سياسيا، و هي مخاوف متفشية في عالمنا العربي و لها ما يبررها، خصوصا في ظل المضايقات و الاعتداءات السافرة و الزج بالمدونين في السجون دون وجه حق..إلا أنه لا ينبغي أن يظل العمل الحقوقي الى الأبد طابوها محظورا لاسيما في زمن التحرر والثورات على الاستعباد، بل هي عقبة كؤود ينبغي اقتحامها لمن يجد في نفسه الحد الأدنى منالاستعداد الفكري أو الحركي للتطوع في المسعى النبيل.
وليكون التطوع على بصيرة و بينة، لابد لك أولا من امتلاك خارطة و بوصلة، لأن الطريق غير سالكة!
الخارطة وضوح راسخ في المسالك والخطوات، والبوصلة رسوخ واضح في المبادئ والتوجهات.
معنى ذلك، أنهلا ينبغي أخلاقيا أن يكون الدفاع عن حقوق الانسان اندفاعا حماسيا ساذجا، و لاحصادا سياسيا رخيصا على حساب آهات المستضعفين في الأرض، ولا مهنة تُحتَرَف انتهازا كما يصنع بعضهم، و لا مورد رزق لصاحب ضمير. فليس النضال الحقوقي إلا أنبل تَجَلٍّ لفروسية الضمير الإنساني. ولا ثمن يكافئه في الدنيا، غير ارجاع الحقوق الى طلابها، والكرامة الى أصحابها، و العدالة الى نصابها. وأي غُنم أكبر من ذلك؟
و من جهة ثانية، فقد غدا ميدان حقوق الانسان تخصصا معرفيا و أكاديميا بارزاتغذيه تراكمات النضالات الحقوقية الكونية، و صحوات الوعي الجماهيرية، والاستجابات السياسية و القانونية و التنظيمية عبر العالم، لذا فلا مناص لك يا صاحبي، سواء أكنت كاتبا مدونا، أو مناضلا ميدانيا أن تلتمس التكوين والتأطير بطرقك الخاصة، أو تنخرط في أي منظمة حقوقية جادة توفر لك ما تيسر من حماية و تأطير، وهناك وسع دائرة معارفك، و أنت تستكشف أعراف وآليات اشتغال وسطك الجديد حتى تتفاعل بشكل إيجابي مع كل نشاط حقوقي هادف،و لا تنس أن تقرأ دائما عن تجارب الآخرين، واستفد من الإعلام عموما، ومن برامج الانترنت التفاعلية والترويجية، و لا تتردد في بناء مدونتك الشخصية على الشبكة العالمية، إن بدا لك أنتجعل منها متنفسك الصغيرفي الفضاء الرقمي الكبير، فتعبر بتدويناتك ومنشوراتك بعيدا عن مقص الرقيب على أي كلمة أو صورة أو صرخة تلتقطها أو تبثها أجهزتك البسيطة، وتسلح باستمرار بشيء من المطالعات والاستشارات القانونية لتوفر بعض الحماية لنفسك، و من ذلك اطلاعك على المساطر اللازمة للتعامل مع أي شطط في استعمال السلطة قد تتعرض له.
ففي العالم العربي، عادة لا تجعلك المعرفة بالقانون والتزامه في مأمن من الظلم والاعتداء، لكنك ربما قد تحرج من يريد أن يعتدي على حرمتك باسم تنفيذ الأوامر والتعليمات، فتُحد قليلا من ساديته و طيشه، أو تتحداه بإمكانية فضحه إعلاميا، أو متابعته قضائيا باسم نفس القانون الذي لم يشرع بالضرورة لحماية المستضعفين في عالمنا العربي..
وفي الختام إن أعددت عُدتك، واتضحت لك المعالم، وتأججت في أعماقك الحسرة على المظالم،لاشك سوف تتعلم كيف تصبح على الأقل"مشاغبا منضبطا، ومزعجا بالقانون" لخصوم الحرية و حقوق الإنسان،آنذاكسيغدو بإمكانك يا صاح أن تبسط أشرعة نضالك في اتجاه رياح التغيير المُسخّرةمن المحيط الى الخليج، عسى أن ترسو مراكبك قريبا على شطآن الحرية و الانعتاق، و تسهم و لو بجهد المُقِل في فكاك الرقاب المُسترَقَّة.
فلا اقتحم العقبة! و ما أدراك ما العقبة؟ فَكُّ رقبه..!
*باحث في خصائص الخطاب الشرعي و الحوار بجامعة محمد الخامس بالرباط
حقوق الإنسان، هل غدت يا ترى هي كلمة السر في عالمنا العربي لفهم مغاليق واقعنا المتردي على جميع المستويات؟ وهل يمكن أن تكون اليوم بوابة الحل لأبرز مآسينا المشتركة في حقبة يطبعها الخوف من كل شيء؟ الخوف ذلك العملاق الجرثومة الذي اخترق أنظمتنا المناعية منذ قرون، وعشش فيها كالفطر السام تغذيه أوحال الفقر والجهل والاستبداد،أو لِنقل متلازمات العالم الثالث.هذا الخوف، هل يمكن أن نشفى من أعراضه و مراضه دون أن ننعم بحقوقنا كاملة كمخلوقات إنسية مكرمة؟
إنه من المؤسف حقا أن عصر الحريات و الثورة العلومية،لم يجعل حدا لمعاناة البشرية فمازال المتسلطون و ذوو النفوذ لا يحتكمون لغير شريعة الغاب أو لغة المصالح في أحسن الأحوال،وقد فقدت الإنسانية أقدس معانيها، وغدت القيم سلعة في أسواق القيم،لذلك صار النضال لأجل حرمة الإنسان أسمى الواجبات الكونية، ووجب التذكير بأن كرامة الانسان هي خط أحمر، و أن حقوق الانسان انما اكتسبت قدسيتها بالنفخة الإلهية المقدسة منذ بدء التكوين، و ذلك قبل أن نتسول حقوقنا من "رعاة" المواثيق الدولية المعاصرة، أو ننتزعها مغالبة من أنظمة الاستبداد العربية.
. مدونون لأجل حقوق الإنسان:
أريد هنا أن أدون أي شيء، بل أدعو كل ذي قلم وحاسوب الى تدوين أي شيء لأجل حقوق الانسان العربي، ندون جميعا لأننا في حاجة الى مبادرات شبابية تعالج قضايا حقوق الانسان، وتعيد شيئا من الأمل الى النفوس المعذبة الحائرة الخائرة،في زمنعزت فيهالمبادرات الحقوقية العربية بسبب نخبويتها، أو افتقارها الى الدعم المادي و الحكومي، أو بسبب حظرها من الأساس..
و يبدو أن ثورات الربيع العربي التي عبَرت من عالم الإنترنت الافتراضي الى أرض الواقع، قد عكست الرغبة القوية لدى الشباب في التشبيك و التواصل في ما بينه لتدارس أبجديات حقوقه و للمطالبة بحرياته عبر المدونات و برامج التواصل الاجتماعي، وشتى وسائل التعبير و الابداع الفني، وهي المسألة الجوهرية التي غابت عن مناهجنا التعليمية والتربوية طويلا، و ما تزال كذلك باستثناء الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات المدنية العزلاء التي تناضل باستماتة لكي تجد لها موطئ قدم في زحمة المتاجرين بالسياسة والحقوق،و خبراء لغة الخشب، و باعة الوعود الحزبية الزائفة!
هذه المجموعات المتطوعة أو المنظمات ذات الخلفيات الفكرية و السياسية المتباينة، انما تحاول ذوات المروءة منها أن تقدم و لو شيئا يسيرا للدفاع عن المواطن العربي، وتوعيته بحقوقه، وإعمال وسائل الضغط القانونية و المدنية لمساءلة أو إحراج المؤسسات الحكومية الوصية التي لم تشيّد في أغلب التجارب العربية إلا كديكور لتأثيث الواجهات "الديمقراطية" أمام أنظار المجتمع الدولي، و إيهاما بوجود إرادة للإصلاح السياسي، و انما هو في الواقع محض الاستغفال للمواطن العربي ذلك "الإنسان المقهور و المهدور" كما يصفه الدكتور مصطفى حجازي في كتاباته التحليلية.
. مأساةعربية مشتركة:
أحاول أن أصور جانبا من مشاهد القصة المشتركة لحقوق الإنسان العربي، متوسلا لذلك بعفوية المدون و خيال القاص، فأن تكتب شيئا عن حقوق الإنسان و تجعل الآخرين يستمعون إليك و يشعرون بك، فيألمون لمصابك، ثم يناصرونك في النهاية، لا يتطلب منك أن تكونح قوقيا خبيرا، و لا محاميا كبيرا، ولا مناضلا في صفوف المعارضة...يكفي فقط أن تكون مواطنا إنسانا، إن تركَت فيك الأنظمة بقيةَ إحساسِ وشيئا من العزة في بلد عربي! ثمتنفس عن شريان قلمك في غفلة من أعين الرقابة لتصور بكلماتك الدافقة شيئا من واقعك اليومي بكل بساطة، بدءا بمكونات إفطارك، وجدران دارِك، ومرورا بمعاناتك اليومية مع الإدارات العمومية، و عجز راتبك عن أداء فواتيرك الشهرية، و انتهاء بآثار كوارث السياسة والاقتصاد، وطواحين الأوضاع الأمنية والحقوقية في بلدك، آنذاك سيعتقد الجميع في النهاية أنك تكتب بالنيابة عنهم، قصصهم الشخصية أو قصص أقاربهم وذويهم..!
لا تجعل العَبَرات هي مبلغك من الأسى و الأسف إن استطعت أن تذرف مع الدموع مدادا سيالا لتوثق بالأسود و الأبيض مشاهد أطفالفي عمر الزهور،و هم يستجدون المارة بوجوه بريئة، صَوّحتها الشمس و لوّحتها، أو يتوسلون إليك لتمنحهم فرصة مسح سيارتك المهترئة مقابل قطع معدنية لا تسمن و لا تغني من جوع..( في المغرب مثلا يوجد أكثر من ثلاثين ألف طفل يعيشون في الشوارع! ) و حتى لا تؤلمك المناظر في زاوية أخرى، استرق بعض نظرات الاشفاق العاجزة، وأنت تتحاشى الاقتراب من المشردين في الشوارع بسحناتهم المخيفة، و رؤوسهم المغبرة، و ثيابهم المرقعة، و هم ينامون على قارعة الطريق، أو ينبشون في حاويات القمامة أمام بيوت الأثرياء، و يقتسمون الفضلات مع القطط و الكلاب الضالة! ربما هي وحدها من يشعر بوجودهم أو يقر بإنسانيتهم المعذبة في عالم شَحّ فيه الرحماء !
لا تتردد أيضا في الكتابة عن قصة عودتك اليوم أو الأمس الى بيتك بعد نهار من العمل الشاق بساعات زائدة مفروضة عليك، و لا مطمع لك في أي تعويض عنها، أو تطرد عسفا من ورش عملك لأن قطاعك لا وجود فيه لنقابة قادرة على إسماع صوتك، أو الدفاع عن حقوقك..
لا تنس إن شئت و أنت عائد الى بيتك، أن تمر بمنزل خالتك أو جارتك المسكينة لتواسيها في مصابها، و تخفف شيئا من حسراتها على ابنها و سندها الوحيد الذي اختفى منذ أيام، و قد اختطفه في عتمة الظلام زُوار شِداد غلاظ متخفون في زي مدني، بعد أن نصبوا له كمينا ليكون عبرة لكل شاب منتفض قد يخطط أو يشارك في وقفة سلمية، أو يفتح فمه ليعبر عن رأيه في قضية سياسية أو " خبزية" لا فرق! و من "نجا" من رفقائه فربما عاد الى أهله بعظام مهشمة جزاء مطالبته بالشغل والالتفات إلى أوضاع بلدتكم المهمشة البعيدة عن العاصمة.
انظر الى المرأة الثكلى بعين الرحمة، و ابتلع غصتك و غيظك، و تمالك دمعتك كأي رجل "شرقي"، و أنت تمنح قريبتك المنهارة بصيصا من الأمل بمعانقة ابنها الفتى الشجاع ذي الحظ العاثر! حاول فقط، رغم أنك تعلم يقينا أنه لن ير النور قريبا هو و رفاقه، و قد لفقت لهم تهمة تهديد أمن الدولة و المؤسسات، والمساس بحرمة الوطن و المقدسات! ولا تتعب نفسك بالسؤال عن الفتية في أقسام البوليس و مفوضيات الشرطة لأنه لا أحد يعلم عنهم أي شيء! وإن حرصت على تقصي خبرهم فقد تتهم بالتواطؤ مع "المخربين الخونة"، فيُفتح لك محضر تحقيق قد يلطخ سيرتك المدنية الى ما شاء الله!
من المؤسف حقا ألا يكون بمقدورك فعل أي شيء! لكن لم لا يكون الإعلام نصيرا جيدا لقضيتك، فقمع المسيرة السلمية و إطلاق الرصاص على المدنيين، و اختطاف المتظاهرين لا شك سيكون سبقا صحفيا، مع قصص إنسانية مؤثرة و جديرة بالنشر.. لكن لا تتفاجأ إن علمت أن صاحبك الصحفي لن يغامر بوظيفته بعد تلقيه التحذير، فمدير جريدته لم يتحمس لتغطية أحداث " المشاغبين المخربين للبلد! " و بالمقابل عرض عليه فرصة السفر الى العاصمة للاستمتاع بتغطية باذخة ليوميات المهرجان الفني الكبير..
ما أشبه ما تكتبه في طنجة أو وهران، بما يكتبه إخوتك في أقاصي اليمن و الخليج والشام..لكن عليك فقط أن تتعلم كيف تحتج سلميا، أوكيف تصوب فوهة "قلم الرصاص" أو ازرار حاسوبك في وجه خصوم الحريات و الحقوق،ففى البداية سيتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر!! تماما كما برهن على ذلك غاندي الحكيم، أيقونة المقاومة السلمية
. فلا اقتحم العقبة!
يعتبر الكثيرون الانشغال بحقوق الانسان عملا نخبويا و مجازفة غير محسوبة العواقب أمنيا و سياسيا، و هي مخاوف متفشية في عالمنا العربي و لها ما يبررها، خصوصا في ظل المضايقات و الاعتداءات السافرة و الزج بالمدونين في السجون دون وجه حق..إلا أنه لا ينبغي أن يظل العمل الحقوقي الى الأبد طابوها محظورا لاسيما في زمن التحرر والثورات على الاستعباد، بل هي عقبة كؤود ينبغي اقتحامها لمن يجد في نفسه الحد الأدنى منالاستعداد الفكري أو الحركي للتطوع في المسعى النبيل.
وليكون التطوع على بصيرة و بينة، لابد لك أولا من امتلاك خارطة و بوصلة، لأن الطريق غير سالكة!
الخارطة وضوح راسخ في المسالك والخطوات، والبوصلة رسوخ واضح في المبادئ والتوجهات.
معنى ذلك، أنهلا ينبغي أخلاقيا أن يكون الدفاع عن حقوق الانسان اندفاعا حماسيا ساذجا، و لاحصادا سياسيا رخيصا على حساب آهات المستضعفين في الأرض، ولا مهنة تُحتَرَف انتهازا كما يصنع بعضهم، و لا مورد رزق لصاحب ضمير. فليس النضال الحقوقي إلا أنبل تَجَلٍّ لفروسية الضمير الإنساني. ولا ثمن يكافئه في الدنيا، غير ارجاع الحقوق الى طلابها، والكرامة الى أصحابها، و العدالة الى نصابها. وأي غُنم أكبر من ذلك؟
و من جهة ثانية، فقد غدا ميدان حقوق الانسان تخصصا معرفيا و أكاديميا بارزاتغذيه تراكمات النضالات الحقوقية الكونية، و صحوات الوعي الجماهيرية، والاستجابات السياسية و القانونية و التنظيمية عبر العالم، لذا فلا مناص لك يا صاحبي، سواء أكنت كاتبا مدونا، أو مناضلا ميدانيا أن تلتمس التكوين والتأطير بطرقك الخاصة، أو تنخرط في أي منظمة حقوقية جادة توفر لك ما تيسر من حماية و تأطير، وهناك وسع دائرة معارفك، و أنت تستكشف أعراف وآليات اشتغال وسطك الجديد حتى تتفاعل بشكل إيجابي مع كل نشاط حقوقي هادف،و لا تنس أن تقرأ دائما عن تجارب الآخرين، واستفد من الإعلام عموما، ومن برامج الانترنت التفاعلية والترويجية، و لا تتردد في بناء مدونتك الشخصية على الشبكة العالمية، إن بدا لك أنتجعل منها متنفسك الصغيرفي الفضاء الرقمي الكبير، فتعبر بتدويناتك ومنشوراتك بعيدا عن مقص الرقيب على أي كلمة أو صورة أو صرخة تلتقطها أو تبثها أجهزتك البسيطة، وتسلح باستمرار بشيء من المطالعات والاستشارات القانونية لتوفر بعض الحماية لنفسك، و من ذلك اطلاعك على المساطر اللازمة للتعامل مع أي شطط في استعمال السلطة قد تتعرض له.
ففي العالم العربي، عادة لا تجعلك المعرفة بالقانون والتزامه في مأمن من الظلم والاعتداء، لكنك ربما قد تحرج من يريد أن يعتدي على حرمتك باسم تنفيذ الأوامر والتعليمات، فتُحد قليلا من ساديته و طيشه، أو تتحداه بإمكانية فضحه إعلاميا، أو متابعته قضائيا باسم نفس القانون الذي لم يشرع بالضرورة لحماية المستضعفين في عالمنا العربي..
وفي الختام إن أعددت عُدتك، واتضحت لك المعالم، وتأججت في أعماقك الحسرة على المظالم،لاشك سوف تتعلم كيف تصبح على الأقل"مشاغبا منضبطا، ومزعجا بالقانون" لخصوم الحرية و حقوق الإنسان،آنذاكسيغدو بإمكانك يا صاح أن تبسط أشرعة نضالك في اتجاه رياح التغيير المُسخّرةمن المحيط الى الخليج، عسى أن ترسو مراكبك قريبا على شطآن الحرية و الانعتاق، و تسهم و لو بجهد المُقِل في فكاك الرقاب المُسترَقَّة.
فلا اقتحم العقبة! و ما أدراك ما العقبة؟ فَكُّ رقبه..!

*باحث في خصائص الخطاب الشرعي و الحوار بجامعة محمد الخامس بالرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.