بقلم : د. بوزيدالغلى ليس منكرا من القول ولا زورا أن مهندسي المقررات الدراسية بهذا البلد الأمين يتذبذبون من حيث اختيار مواد الدرس الأدبي تذبذب ذيل الديك ، كلما هبت ريح اهتز لها و تململ في اتجاهها . فإبان زلزال نكسة 67 و هزائم الجيوش النظامية ذات البنادق الفارهة الفارغة ، عمد هؤلاء المهندسون إلى بث المواد الآسية للجرح الغائر ، و محاولة بث الروح في الجسد العربي الخائر بإدراج قصائد الثورة والحماسة -الحرة منها والخاضعة لعمود الشعر -، وحفظنا - نحن أجيال النكسة - عشرات القصائد الحاثة على الثورة على المحتل ، وتركز في وعينا أن تحرير فلسطين هو قضية العرب والمسلمين الأولى والمركزية ، لكن لم تدم شعلة الحماس إلا سنين ذوات العدد ، حتى دب إليها الذبول كأية شعلة تبْن ،إذ احترقت وانطفأت لما هبت ريح التطبيع بعد هزيمة أوسلو التي سلّت وجدان بعض العرب واستلّت من مقرراتنا روح الثورة والتوثب لمحو آثار النكسة ، فأصبحت مقرراتنا قاعا صفصفا خالية من قاموس الثورة ، واستعيض عن أعمال أدبية ثورية شامخة كرجال تحت الشمس بأعمال أخرى تحكي صراع أهل البادية مع منجزات الحضارة كنص البدوية والفانوس وليلة القدر ...، وكأن قدر هذه الأجيال أن تنام على ضوء خفِيتٍ لا يتعدى همّها قرية هذا وأرنبة أنف ذاك . وهكذا أسلمنا النفوس الكالّة الكسول لنعسة لا تكدر صفوها نكسة ، ومن يكن النعاس له خليلا ، يمر به على خلب الأحلام كما قال الشاعر : ومن يكن الغراب له دليلا *** يمر به على جيف الكلاب. أجل ، لقد أضحت مقرراتنا وديعة ووفية للتطبيع أو التضييع وفاءً يندّ عن وفاء الكلاب لأصحابها ، فلم نعد نقرأ نصا دينيا يمجّد الجهاد إلا لماما، ولم نعد نسمع صليل سيوف اليرموك والقادسية في دروس التاريخ ، بل أصبح التلميذ يعود للبيت هادئ البال ساكنا لا يحمل بين سابريه همّا ينغصه يسمى " فلسطين " ، بل استراح بعضهم وأراح أبناءه لما حذف من قائمة قنواته المفضلة كل قناة تذيع أخبارا أو تنشر صورا لجرائم القتل الصهيوني للعزل بفلسطين بحجة أن ما بيده حيلة للمشاركة في الكفاح ولو ببنْت شفة ، فلم يبْقِ على ما يحمل إليه خبرا ينغص عليه ولا يبشره ولا يُفرحه ..، وكأني به كامرأة عجوز مبتلاةٍ بشرب الخمر ، ذهبت للحج ، ولم تتُب ، وإنما زادت ضغثا على إبالة ، وشربت الخمر يوم الطواف ، فلما شددوا عليها النكير قالت : إني لا أقوى على الطواف ، وإنما أشرب مقدار ما يشعرني بطواف الكعبة حولي ، ما دمت لا أقوى على الدوران حولهاיִ.