راودني ومايزال سؤال مؤرق منذ سنين، لعله السؤال الذي إستفز على حد سواء المناصرين لخيار الإستقلال بالصحراء وكذا مناصري خيار الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وهو لماذا عجزت الدولة المغربية لأكثر من 36 سنة عن تحقيق "مشرعها المجتمعي والإستراتيجي" المتعلق في حل الخلاف القائم حول الصحراء الغربية، على الرغم من كل المخططات والمبادرات السياسية والأموال والدماء التي سكبت وماتزال بالصحراء، هل هذا العجز كان سببه إرتكاب أخطاء وأغلاط أدت إلى إضعاف المغرب أمام جبهة البوليساريو؟ أم أن هذه الأخيرة متماسكة عكس ما يصور لنا، وما كانت أن تصمد في المقاومة خلال أزيد من ثلاثة عقود لو كان العكس؟ أم أن استمرار الصراع وترك الخلاف مفتوح وتسويق بأنه من الملفات "الدولية المعقدة" تستفيد منه "ديناصورات" من هنا وهناك ويخدم مصالح محددة للداخل وللخارج وبالتالي سيظل الصحراويين على ذات الحال؟ فالمغرب وأجهزته الأمنية التي لم تعي ما تريد لحدود الساعة بخصوص الصحراء، والتي تحكم قبضتها اليوم على الصغيرة والكبيرة بالصحراء الغربية (كما جاء في تقرير لبعثة المينورسو الأخير)، هو مسؤول بالدرجة الأولى على "الأخطاء الكارثية" التي شابت تسييره للملف وتركت الصحراويين يدفعون ثمنها الباهض طيلة 36 عاما، وجعلت الملف يبدو للمحلل السياسي أكثر تعقيدا وللمواطن العادي أكثر غموضا، وبالتالي نراوح مكاننا ونبقى في نفس الأرجوحة والملحمة "الباردة" لسنوات طوال قادمة إن شاء الله . إن لم تتغير العقلية السياسية الأمنية في تدبير الملف وتتجاوز "الأخطاء والأغلاط" التي مايزال مفعولها جاريا . الخطأ الأول : الخطأ المركزي الأول الذي شاب ملف الصحراء، هو تفريخ مؤسسات إستشارية عن شؤون الصحراء صورية عجزت كل الخطب الملكية في تفعيلها، وخلق فئة انتهازية مستفيدة من نزاع الصحراء الغربية أعطتهم الدولة كل السلط والثروات من اجل الاستقواء اعتقادا منها أنهم سينتصرون للملف، في حين تحولت هذه القوى إلى معوق وفيروس رئيسي أمام أي حل ممكن، وحل نزاع الصحراء الغربية يعني بالضرورة إنتهاء دورها، ففي المغرب لم يعد يكلف النخبة الكثير لكي تعبر عن وطنيتها وولاءها، فيكفي فقط أن تقول أو أن تكتب أن "الصحراء مغربية، المغرب في صحرائه، الصحراء في مغربها، شرذمة البوليساريو أوالجزائر.." أو غيرها من العبارات المتداولة منذ السبعينات لكي تثبت وطنيتها، في حين أنه وصل المواطن في هذا الوطن إلى مرحلة لم يعد يريد من يكرر الشعارات ويطبل ويزمر لأي حل مطروح، بل أضحى يحتاج إلى قوى منتجة ومبدعة تفكر في حلول وتعطي اقتراحات، ويحتاج لدولة تفتح المجال وتطلق سراح حرية التعبير فالملف إستراتيجي، والحل طبعا لا يمكن أن يكون إلا إستراتيجيا . الخطأ الثاني : هو صب الدولة المغربية لامتيازات ريعية عشوائية لا حصر لها على سكان الصحراء، مما جعل الدولة في نظرهم مجرد دولة وافدة وجهة مانحة للعطايا والهبات، الأمر الذي دفع بالجيل الصاعد من الصحراويين نحو التشكيك في مصداقية الدولة ونواياها، وهذا الوضع دفع الصحراويين نحو تساؤل مصيري، "إذا ما تمت حلحلة ملف الصحراء هل ستبقى لنا إمتيازاتنا كصحراويين من قبل المغرب أم سيعاملنا بنفس الصرامة التي يعامل بها أبناء الداخل؟" الجواب طبعا جلي، فما الذي يجعل مواقف العديد من النخبة الصحراوية التقليدية غير واضح وغير ثابت ومتردد ؟ وهو الأمر الذي لمح إليه الملك في إحدى خطاباته للعرش في صيف 2009 حول الوطنية والخيانة ووجوب الوضوح في المواقف، طبعا نفهم جيدا قلق الملك من "تموجات" النخبة الصحراوية، ونفهم فزع هذه الأخيرة من المستقبل أيضا، إذن فالحل هنا أمام الدولة المغربية من أجل إعطاء ضمانات للصحراويين وطمأنتهم على المستقبل هو إظهار النموذج في العمق والداخل، وليس تدمير العمق من أجل بناء الصحراء، لأن النخبة الصحراوية مهما بلغت "درجة تهذيبها وتلمذتها" على يد الدولة المغربية فلا يمكن أن تثق بدولة تقمع أرامل وأبناء الشهداء وترمي بهم في غياهب الذل والهوان وتستولي على حقوقهم وفق مقاربة أمنية عنيدة، وفي نفس الوقت تقدم لنخبتها الحلوى، فطبعا ستقول إن مصير أبنائي لن يكون أحسن حالا من مصير أبناء من قتل وهو يحارب من اجل المغرب. الخطأ الثالث : يتعلق بمواجهة المسؤولين المغاربة لنزاع جيوستراتيجي من النوع الثقيل ب"الوهم والأحلام و النوستالجيا"، فبدل مواجهة الملف بجدية وواقعية سياسيتين وتغيير الذهنية الدغمائية الإنغلاقية "العروبية" المتقادمة في التعامل مع مأزق جيوسياسي يتطلب فكر سياسي مرن، تجدهم يتجهون نحو إقصاء الصحراويين كطرف مقصود من الصراع، وإشراك الأسر الفاسية وترسانة الأحزاب "المخزنية" التي فرخها القصر منذ أمد كقوى لا علاقة لها بالصراع، لا، بل هي من أذكته منذ البداية حينما نعتت الصحراويين ب"شلة من رعاة الإبل" فحينئذ خرج الولي مصطفى السيد ورفاقه من مدشر الطنطان لينتقموا لكرامتهم متجهين شرقا لتأسيس جبهة البوليساريو، والأن السلك الديبلوماسي المغربي بوزنه الثقيل يجالس وجها لوجه رغما عن أنفه على طاولة واحدة بمانهاست من كان ينعتهم يوما ب"رعاة الإبل". الخطأ الرابع : يتعلق هذه المرة بالأسطول الإعلامي الرسمي العتيد، تدخل في صحافة تصف نفسها بالمستقلة، فكم من صحراوي تحول من موضع "المغربي الوحدوي" إلى "المدافع الشرس" حد الموت عن خيار الإستقلال وتقرير المصير، بسبب ماذا ؟ فقط بسبب السموم والإستفزاز اليومي ب"صحراوة المنافقين/ صحراوة الإنتهازيين/ صحراوة الأغنياء/ صحراوة قتالة..."، وإنه لمن قبيل السب والقذف والإهانة وصفهم بذاك، فما معنى أن تمر سيدة مسنة في روبورتاج خاص بالقناة الأولى على خلفية أحداث العيون وتهتف بالقول " سيرو آ صحراوة الله ياخذ فيكم الحق "، أليس هذا من سموم الإعلام المغربي الذي يحسس كافة الصحراويين والصحراويات بالمهانة ويدفعهم نحو التشبث بخيار الإستقلال وتقرير المصير دون رجعة، فبقدر ماهي المسألة مدولة وقانونية وجيوستراتيجية معقدة، لكن هي أيضا معنوية وسيكولوجية تتطلب الكف عن مس عز وعرض وكرامة الناس بصرف النظر عن أي خلاف سياسي، ناهيك عن "خوف وحيف" الصحافة "الوطنية" في التعاطي مع ملفات الفساد والريع الكبرى بالصحراء والتخلف عن كشف روادها ورموزها، لكن على مايبدو أن خدعة "الصحراء إستثناء" ماتزال معمرة في ذهنية الصحافة "الوطنية"، فلتبقى إذن "إستثناء" فتلكم رسالة إلتقطنا سننها بدهاء... أكيد، ان بعض "الدغمائيين" سيغصبون أنفسهم ليفهموها هذا الكلام على منوالهم ذاك..، لكن الرهان بالنسبة لنا اليوم "خلخلة العقليات المتقادمة" تلك، وتحليل مصيرنا بموضوعية وحكمة تقدمية قدر المستطاع، أو لعلنا نبلغ "توضيح" سيل عارم من الإستفهام والمغالطات والإشاعات الدعائية العدائية "من هنا وهناك" لمواطنيي الداخل. فكما يقال "بحسن التعبير يتحقق التغيير"...