[email protected] مدير نشر و رئيس تحرير جريدة دعوة الحرية قيل في المثل الدارج على ألسنة المغاربة : "بلارج جا يبوس ولدو عوروا...؟ لأنه يرى بعين واحدة فكل بلارج في العالم سيبقى أعورا إلى يوم الدين الذي لن يؤديه المغاربة كاملا حتى لو قامت القيامة ، أو جاء المسيح الدجال . في كثير من الأحيان يجد الإنسان قلمه عاجزا عن الكتابة في موضوع ما و ذلك لحساسية الموضوع من جهة و خوفا من الانجرار وراء الذاتية من جهة أخرى ، و من هذه المواضيع ما يقع حاليا بمدينة طانطان من تدخلات أمنية غير موفقة ، بل شابتها أخطاء فادحة وصلت إلى درجة " التعذيب " هذا الأخير الذي حلله الفصل 231 في فقرته الأولى من القانون الجنائي بمعنى " كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص أخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص أخر أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه.." و الدستور المغربي من أرفع الدساتير العربية إذ ينص في ديباجته على احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه دوليا و ينص في فصل أخر على أن المواطنين سواسية أمام القانون ، و هكذا فهو لا يستهدف فئة أو طائفة أو طبقة داخل المجتمع و إنما يسري على الجميع ، فالمفروض على رجال الأمن استيعاب هذه الفلسفة بدل ممارسة التعذيب، ثلاثة حالات خلال هذا الصيف " محمد الرباع ، و الجندي الشاب بوكيوط ابراهيم و بشري اعولا ، تذكرنا بالمصير المأساوي الذي لحق بالشهيد أبا الشيخ لخليفي و هو الذي رأى النور بمدينة طانطان سنة 1972 عاش حياة قاسية بدون عمل قبل أن يلقى ذلك المصير ،و ترك خلفه طفلين ،و كلنا نعلم مآل القضية ..فالمسؤول عن قتله حرا طليقا يعمل و يتجول بسيارة و بنزين على حساب دافعي الضرائب . و انطلاقا من كل هذا فبحكم الطبيعة الخاصة لمهنة الشرطة و بحكم علاقتها بالمواطنين تفرض على من يزاولها أن يتحلى بالصفات الحميدة التي من شأنها أن تساعده على أداء المهمة على أحسن وجه ، و تبعد عنه الشبهات ، و أهم هذه الصفات هي الشجاعة و العفة ،الإخلاص، و المروءة ،و الصبر. فالشجاعة من أهم الواجبات الأدبية التي يجب أن يتصف بها رجال الأمن لأن الكشف عن الجرائم كثيرا ما يزج بهم في معركة حامية مع العصاة و المجرمين و أصحاب النفوذ، و خاصة المحترفين منهم الذين لا يتورعون عن استعمال كل الوسائل للإفلات من قبضة العدالة .فحتى يتمكن رجل الأمن من مواجهة هؤلاء و السيطرة عليهم ينبغي عليه أن يكون شجاعا مقداما ،و الشجاعة تتحقق بتوفر مقوماتها من صحة البدن و النفس ، و الإيمان بالمسؤولية و الغيرة على سلامة المجتمع ،و لن ينال الشرطي هذه الصفة عن جدارة و استحقاق إلا إذا كان بمثابة الجندي المقاتل في الحالات التي تقتضي منه ذلك. و لهذا السبب فإن كل التشريعات في العالم توجب في الشخص الذي يرغب في الالتحاق بصفوف رجال الأمن أن يتوفر على مقومات جسمية و شخصية كسلامة الجسم و خلوه من أية عاهة . أما العفة فتقتضي من رجل الأمن الاتصاف بالطهر و القداسة و التنزه عن كل ما هو حقير ووضيع بصورة يكون معها في حصن منيع من كل المغريات التي تواجهه و تجذبه بحكم وظيفته. فالشرطي المتعفف يسمو بنفسه عن الرذائل و لا يفقد مقومات وظيفته أمام أي إغراء. و الأمانة هي أيضا من الصفات التي ينبغي له أن يتحلى بها ، لأنها وسيلة فعالة في نشر الاطمئنان و الأمن بين المواطنين و المسؤولين على حد السواء ، و الشرطي الأمين هو الذي يكون محافظا أمينا على أسرار الناس التي يطلع عليها بسبب وظيفته ، و أمينا على أسرار إدارته ، و أمينا على الأموال التي يكلف بحراستها ، و الأمانة تقتضي منه أن ينقل كل ما شاهد أو سمع بصدق دون زيادة أو نقصان. ووظيفة الشرطة تحتم على أفرادها أن يكونوا أوفياء في خدمة الوطن و المواطنين من جهة، و أوفياء للأشخاص الذين يعملون معهم سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين. و بالنسبة لصفتي الإنسانية و المروءة فإن رجل الأمن قد يصادف في عمله أنواعا من الناس منهم الأخيار و منهم الأشرار ، فمعاملته للفئة الأولى يجب أن تكون في مستوى الثقة و الاحترام التي تكنه له ، أما معاملته للفئة الثانية و هم الأشرار من الناس فينبغي أن تكون مطبوعة بالإنسانية و الواقعية ، و أن يأخذ في اعتباره دائما أن الناس بشر يمكنهم أن يخطئوا ، و لربما كان هناك من يخطأ رغم حرصه على إتباع المحجة البيضاء ، و ليس معنى هذا أننا ننصح بالتغاضي عن أعمال هذه الفئة المخطئة ، و إنما نحض على المعاملة الحسنة و الرفق بالناس في إطار القانون و الأخلاق و فلسفة حقوق الإنسان العالمية. فحين يتسيد العقل الأمني على حساب السياسي و يتغول أصحاب العضلات على أولي الألباب فأبشر بخراب العمران و الحضارة و دوس الإنسان و القيم و انهيار الدولة و المجتمع. و رغم أن ظهير 23 فبراير 2010 قد حدد وضعا مستقلا للأمن الوطني من شأنه أن يؤسس لإطار تشريعي مستقل، خصوصا أن المادة 10 من النظام الأساسي الجديد تشير إلى أنه يمكن لموظفي الأمن الوطني تأسيس أي جمعية أو الانخراط فيها ، بعد استئذان المدير العام للأمن الوطني ، غير أن المادة 12 تؤكد أنه لا يجوز لموظفي الأمن الوطني الانتماء إلى أي حزب سياسي أو منظمة نقابية ، أما على المستوى التأديبي فهناك ثلاثة مستويات من الأخطاء المرتكبة هي : الخطأ البسيط، الخطأ العادي ، ثم الخطأ الجسيم ، و العقوبات التأديبية المطبقة على موظفي الأمن الوطني تتوزع إلى ثلاثة مجموعات : المجموعة الأولى تضم الإنذار، التوبيخ، و المجموعة الثانية تضم : الحذف من لائحة الترقي ، الإنزال من الرتبة و التوقيف المؤقت عن العمل لمدة أدناها 15 يوما و أقصاها ستة أشهر ، ثم الإنزال من الدرجة ، و المجموعة الثالثة تضم : الإحالة على التقاعد الحتمي و العزل ، و المواطنين هنا لا يعرفون شيئا عن هذه العقوبات لأنه ببساطة " لم نسمع عن أحد منهم - طيح الكسوة- ، سواء المكلفين بالمرور أو غيرهم . فالنظام الجديد أقر حقوقا و ضمانات حتى لأسر البوليس ،و من بين هذه الحقوق توسيع حق الحماية حسب الفصل 6 ، علاوة على كوطا تبلغ 5 في المائة خاصة فقط بأبناء رجال الأمن للانضمام إلى حرفة أبائهم ، كل هذا مع الزيادة المحترمة في الأجور يجب أن تواكبها نتيجة و التي نراها في انخفاض نسبة الجريمة إلى معدل محترم كذلك من خلال احترافية في العمل تجعل الشرطي لا يمد يده و لا يتسول و يميز بين بزناز متجول في الأدغال و بزناز مستثمر كبير يفتح مقره الاجتماعي داخل المدينة يبيع تحت أشعة الشمس الحارقة. و عندما يصرح الشاب" البشير اعولا" باعتقال خارج القوانين، وهو أقرب إلى الاختطاف. تعذيب وتهديد بالاغتصاب قصد نزع الاعتراف بتهمة لم يقترفها. عدم السماح لعائلته بزيارته. تهديده بالسجن وحجز سيارته إن رفض الاعتراف. ترحيله إلى أكادير بواسطة حافلة ويداه مقيدتين بالأغلال. حجزه بمحكمة الاستئناف، وأخيرا إطلاق سراحه دون المثول أمام وكيل الملك ودون مده بمحضر الاعتقال أو أي وثيقة تثبت ما وقع. ثم إلقائه بالمحطة الطرقية لإنزكان في حالة صحية مزرية وإرساله في حافلة إلى طانطان. هذا ملخص ما وقع وما حكاه بالتفصيل.يتبين لنا أن ما قامت به قوات الدرك في هذه القضية يتعلق بعملية كوموندو و ليست عملية اعتقال في إطار دولة الحق و القانون ،و هذا ما يبرر مطالبة بعض النشطاء الحقوقيين بضرورة تسجيل الاستنطاقات بواسطة الكاميرا مع إخضاع المكالمات الهاتفية للمراقبة ، إخبار العائلة مباشرة ، و حضور المحامي. و بالموازاة مع الهاجس الأمني و الحصار التنموي على مدينة طانطان ، شن مجموعة من الفنانين خلال برامج رمضان حملة سب و قذف في حق هذه المدينة الصامدة ، في ظل عدم مواكبة الصحافة الوطنية لمشاكل الساكنة بل إن موفدوا بعض الجرائد بدل أن ينقبوا عن تقارير صحفية يقبلون بظرف بريدي يحوي 2000 درهم ، و يعودون بسرعة الرياح . أما رشيد نيني فجاء في عموده "... فمع كل هذه الشركات الوهمية التي تختفي وراءها شركات إنتاج التمور الإسرائيلية، يستحيل على المواطن أن يميز بين التمر الإسرائيلي وتمر طان طان. ." ، فهذه العبارة تدخل في نفس النهج الإعلامي ، و أنا شخصيا سأسمي هذه الهجمة باسم : "حملة برحي ياللا بشماتك.." التي قد تفعل أي شئ إلا زيارة حي عين الرحمة للمقارنة بين تبليطه و تبليط حي دوار المساكين بمراكش ،و حتى مقارنة ثمن السردين ،و أكثر من هذا المطالبة بإطلاق سراح أبناء حي عين الرحمة و على رأسهم " يحيى اعزة الحافظ".