تحقيق : عزيز الحور – عن جريدة المساء المغربية في اليوم الأول من شهر دجنبر الماضي، وقع واحد من بين الأحداث التي تصعب إشاعتها أو إخراجها إلى العلن: رجال أمن يخوضون وقفة احتجاجية داخل مقر أمني في مدينة السمارة، الجنوبية، والتي لا تبعد عن تندوف إلا بخطوات.. هل يمكن رجالَ الأمن تنفيذ وقفات احتجاجية؟!.. هل يمكنكم الاحتجاج داخل مقرات «البوليس» التي يعملون فيها؟.. أمر يبدو غريبا، لكنه وقع، بالفعل، في تلك المدينة القصية، دون أن يسمع به أحد. وقد نفّذت الاحتجاجَ عناصر المجموعة المصغرة للتدخل السريع، والذين خاضوا وقفتين احتجاجيتين داخل مقر المجموعة الأولى في اليوم المذكور. انطلقت الوقفة الأولى من السادسة من صباح الجمعة، فاتح دجنبر الماضي إلى السابعة والنصف من صباح نفس اليوم، أما الوقفة الاحتجاجية فبدأت عند الساعة الواحدة وامتدت إلى غاية الثانية والنصف زوالا. الأسباب.. الكواليس.. التفاصيل وخبايا تُكشَف لأول مرة، نتعرف عليها في التحقيق التالي، والذي يرصد الوجهَ الخفيّ لمعاناة رجال أمن، وجحيم «بوليس» منفيين في أقصى بقاع المغرب. كل ذلك بالحقائق والوقائع، مرفوقا بصور حصرية تكشف أسرار ما يجري في المناطق الأمنية الجنوبية. عُيِّن الشرقي الضريس وزيرا منتدبا في الداخلية ولم يعد على رأس الإدارة العامة للأمن الوطني.. خبر تلقاه المغاربة باستغراب ودهشة، لكن أنظار رجال أمن انصرفت إلى أمر آخر: من يكون بديل الضريس؟.. وضع رجال أمن، خاصة الموجودين منهم في المناطق الأمنية الجنوبية، أيديهم على قلوبهم، بعدما سمعوا باسم أحد المرشحين لخلافة الضريس، «إلى جا (...) غاتكون هي اللّْخْرة.. السيد ملي مسؤول أمني كان كايعطي أوامر باش البوليس اللّي في الصحراء ما يستافدش من الحركة الانتقالية»، يقول رجل أمن من الجنوب ل«المساء». رجال أمن الصحراء أكثر ترقبا لمدير الأمن الجديد. الأمر عندهم مسألة حياة أو موت، بالمعنى المجازي والحرْفي. فتعيين مسؤول متشدد يعني بقاءهم في ثغور الجنوب، «الحارقة». بسبب هذا «انتفض» رجال المجموعة المصغرة للتدخل السريع في السمارة. وهذا ما لا يتمناه عشرات رجال الأمن المبعدون في الأقاليم الجنوبية، من السمارة، التي «انتفض» فيها رجال أمن في صمت، إلى العيون، التي خرجت فيها «ثورة» أمنيين إلى العلن، كاتبين تقريرا أسود يطالبون من خلاله بتسوية أوضاعهم. قدّم التقريرَ 20 رجل أمن في العيون، وفيه اشتكوا من ظروف العمل السيئة وطالبوا بتعويضهم عن ساعات عمل إضافية في مدينة «ملتهبة» على الدوام. أُرسِل التقرير إلى ولاية الأمن في العيون، وعوض مناقشة المطالب التي رفعها الأمنيون لتحقيقها، تم استدعاء كاتبي التقرير والاستماع إليهم ومعاقبة ثلاثة منهم، هم مقدم رئيس وحارسا أمن، بالفصل والتوقيف، بينما تم تنقيل آخرين، بعدما وجهت لهم تهمة «العصيان».. لم يكن رجال أمن العيون وحدهم من قرروا الانتفاض، بشكل غير مسبوق. فقد استطاع أمنيون آخرون الخروج من «قفص» الخوف وأعدّوا تقريرا مرفقا بصور صادمة، لم يُرسل هذه المرة إلى ولاية أمن، بل وجد طريقه إلى «المساء».. شهادات أخرى استقتها «المساء» من أمنيين آخرين أكملت تفاصيل الصورة. ماذا يحدث لرجال الأمن في المدن الجنوبية؟ ما حقيقة تحول مدن صحراوية إلى «مَنافٍ» لرجال الأمن المبعدين والمعاقَبين؟ ماذا يجري داخل القلاع الأمنية القصية؟.. جحيم المعاقبين نحن الآن في السمارة. «مدينة» صغيرة في عمق الصحراء المغربية، غير بعيد عن الحزام الأمني الحدودي وعن مخيمات تندوف. عند مدخلها، ثكنة عسكرية فيها عناصر الفوج السادس عشر للمشاة، التابعين للقوات الملكية المساعدة. تستقبل المدينة زائريها بصهد لافح وغبار مزعج. طريق طويلة تكاد تكون الوحيدة المُعبَّدة في هذه المدينة، تقطع السمارة من وسطها وتربطها بمدينة «تيفاريتي». أبنية خرِبة ومحلات تجارية خاوية. منظر منفر يجعل المدينة أشبه بقلعة مهجورة، يخالط فيها العسكريون المدنيين. «الوضع في هذه المدينة سيء للغاية. الحياة فيها صعبة كثيرا. الحرارة مفرطة جدا هنا، حيث يصعب على أي زائر أن يمكث فيها يوما واحدا. لم يزرنا أي مسؤول مركزي من الإدارة العامة للأمن الوطني منذ 15 سنة.. جاء مسؤول أمني كبير إلى السمارة مؤخرا، ولكنْ في إطار البروتوكول ضمن الوفد المرافق لوزير الداخلية. جاء والٍ لأمن العيون مرة واحدة فقط إلى السمارة، التي لا تبعد عن العيون سوى بحوالي 220 كيلومترا، ذات يوم صيف ساخن جدا، من أجل تدشين دائرة أمنية، لكنه «انزعج» من الحرارة المفرطة وقال إنه لن يعود إلى هذه المدينة مرة أخرى»، يقول رجل أمن تحدثت إليه «المساء». الأوصاف التي يطلقها رجال الأمن بالسمارة أشبه بأوصاف الجحيم.. الشمس تطلق نيرانا لافحة.. ظروف العمل صعبة.. هذا ما يقوله رجال أمن هنا. أكثر ما يشكو منه رجال الأمن هنا هو ظروف العمل، التي يصفونها ب«المزرية». أصعب هذه الظروف ما اعتبروه «استفزازا» يتعرضون له من عناصر موالية لجبهة البوليساريو، والذين يتخذون من مدينة السمارة ملجأ لهم. «رغم أن السمارة تعد معقلا لانفصاليي الداخل، فإنه لا يتم توفير عناصر أمن كافية لمواجهة بعض الأعمال التي يقوم بها هؤلاء. عدد رجال الأمن في السمارة كلها هو 200 شخص، باحتساب قوات التدخل السريع، إلى جانب رجال أمن «سيفيل» يشتغلون على الدوام ولساعات طويلة. لا توجد في المنطقة الأمنية للسمارة سوى أربع دوائر أمنية في كل واحدة منها خمسة عناصر فقط. أغلب رجال الأمن في السمارة، بمن فيهم مسؤولون أمنيون، هم من المعاقَبين الذين تم تنقيلهم من «مدن الداخل» إلى المناطق الأمنية الجنوبية. «معاقَبون» تعني، حسب رجال أمن تحدثت إليهم «المساء»، ناقمون وأرواحهم في حناجرهم على الدوام، من «الغيظ».. «ليس هناك شيء في مدينة السمارة. هناك جدران وسوق يكتظ بسكان المدينة ليلا، أما محيط المدينة فهو عبارة عن قفار خالية. أرقى فندق هنا يوجد في المدينة، وهو غير مُصنَّف. حجراته ضيقة جدا وليست فيها حمّامات أو ملطفات هواء أو مطعم. حتى كبار المسؤولين الذين يأتون إلى هنا أو أعضاء بعثة «المينورسو» يضطرون إلى الإقامة في هذا الفندق الرديء، في حال ما إذا لم تكن دار الضيافة، التابعة للعمالة، شاغرة»، يقول رجل أمن بحرقة، قبل أن يضيف: «أغلب رجال الأمن الذين تم تنقيلهم إلى السمارة ومدن الجنوب هم من أبناء «الداخل»، الذين تعوّدوا على صخب المدن. وقد وجد هؤلاء أنفسهم هنا شبه «محتجزين»، لأنه ليست هناك أمكنة يرتادونها، وهو مشكل يعاني منه حتى مسؤولون أمنيون جاؤوا إلى السمارة رفقة أهلهم وأطفالهم، فهؤلاء لا يجدون مكانا ترفيهيا يقضون فيه عطلة نهاية الأسبوع. لكن المشكل الأخطر هو أنهم لا يستطيعون مغادرة بيوتهم في نهاية الأسبوع، لأن موالين للبوليساريو يهاجمونهم ويرشقونهم بالحجارة، إذا صادفوهم في طريقهم.. وقد وقع هذا الأمر ذات مرة لشرطي وزوجته، خرجا للتجول في شوارع المدينة فووجها بوابل من الحجارة»!.. حرب الانفصاليين أكثر الصعوبات التي تواجه رجال الأمن في الجنوب هي مواجهاتهم مع انفصاليي الداخل. وتشتد هذه المواجهات أكثر في مدينة السمارة، التي يوجد فيها أكثر الموالين للبوليساريو تطرفا. ويكون رجال الأمن، خاصة أبناء الداخل، هدفا سهلا لعناصر «بوليساريو الداخل»، خاصة أن تعليمات أمنية مشددة تحث رجال الأمن على عدم مهاجمة الانفصاليين: «لدى مسؤول أمني صحراويّ أبناء يعملون في سلك الأمن. دافع هذا المسؤول عن تعيين أبنائه في مناصب أمنية إدارية في مدن أخرى، وفي ظرف أربع سنوات، تنقّل أبناء هذا المسؤول عدة مرة، بينما لم يشملنا نحن قرار تنقيل منذ تعيينا هنا. يتم استقدام أبناء «الداخل» لمواجهة الانفصاليين.. هوما كايبقاو بعيد وحْنا اللّي كانكونو في مواجهة معاهم»، يقول رجل أمن قبل أن يردف: «جميع رجال الأمن الذين يتحدرون من مدن جنوبية يُوظَّفون داخل الإدارات، أما أبناء الداخل فكايشريو ليهم العداوة مع الانفصاليين.. هؤلاء الانفصاليون يسبّوننا وينعتوننا ب«أولاد الخيرية»، كما نتحمل استفزازاتهم ضدنا وضد الوطن والملك ولا نتلقى تعليمات باعتقالهم».. أضحى «ضرب وجرح» رجال أمن في السمارة من طرف انفصاليين أمرا «عاديا». وآخر واقعة سُجِّلت قبل حوالي شهرين، عندما هاجم انفصاليون رجل أمن وأصابوه بكسور وجروح متفاوتة الخطورة. كان عدد الانفصاليين يفوق العشرة. لم يهاجمهم، كما أوضح رجال أمن، بل كانوا هم من «طوّقوه» وأشبعوه ضربا. نُقل الشرطي إلى المستشفى لتلقي العلاج، في الوقت الذي لم يتمّ اعتقال الانفصاليين الذين هاجموا الشرطي: «ما زال هؤلاء الانفصاليين أحرارا رغم أنهم اعتدوا على رجل أمن ورغم أنهم معروفون»، يستطرد مصدر أمني. تكشف عن مهاجمة رجال الأمن من قبل انفصاليين صور أُرفقت بالتقرير الذي توصلت به «المساء». وتخص الصور سيارة محترقة كليا، كشفت مصادر أمنية أنها سيارة تابعة للشرطة القضائية تعرضت للإحراق من طرف انفصاليين في سنة 2009. ما يزال رجال الأمن في السمارة يواجهون خط التعرض لهجومات انفصاليين حتى اليوم، السبب: عدم وضع وسائل حماية ضرورية تحت تصرفهم، كما يقول مصدر أمني ل«المساء»: «جميع سيارات الأمن هنا متهالكة. هناك سيارة أمنية يتطلب تشغيلها الاستعانة بأبناء المدارس ل«دفعها» حتى تتحرك.. نستعمل سيارة للأمن ك«بوست» أمني ثابت يستقر بين كديتين في حي طانطان، الأكثر اشتعالا في السمارة، والذي يقطنه عدد كبير من الانفصاليين. موقع ركن السيارة يجعل أرواحنا مهددة، حيث يصعب علينا حتى الدفاع عن أنفسنا في حال ما إذا تعرّضنا لهجوم. نضع داخل السيارة كميات كبيرة من الحجارة و«الصّم» والهراوات للدفاع عن أنفسنا. لا نتوفر على أسلحة أو على مسدسات خفيفة. في بعض المرات، نعمل بواسطة «شطّابات» لتنظيف مناشير تدعو إلى الانفصال، يلقيها الموالون للبوليساريو. لدينا تعليمات بعدم التعرض لهم أو حتى لمهربين ومروجي ممنوعات»، يوضح المصدر الأمني. وقد تم تفسير تعرض رجال الأمن في السمارة لمخاطر عديدة بتفصيل في التقرير الذي حصلت عليه «المساء»، والذي ورد فيه أنه «يتم تعيين دوريات راجلة في أماكن مقفرة وخطيرة دون التوفر على السلاح الفردي، مُعرَّضين بذلك للمخاطر، كما حدث ل«مقدم الشرطة» (...) الذي باغتته مجموعة من انفصاليي السمارة وقاموا برشقه، رفقة عنصرين اثنين في مكان خالٍ، بالحجارة، مما تسبب له في أربعة كسور في ساق رجله اليسرى، نُقل بسببها إلى مدينة العيون، التي تبعد ب220 كيلومترا عن مدينة السمارة، حيث أجريت له عملية جراحية وتم وضع الحديد له من أجل تثبيت الكسور التي تعرض لها. اولغريب في الأمر أنهم كانوا على متن سيارة «بارتنير» رقم (...) ش معطلة تماما، وأنه سبق لبعض العناصر أن كتبوا تقارير تخص الأعطاب التي تلحق هذه السيارة، على أساس إصلاحها أو تغييرها، إلا أنه لم يتم إصلاحها، إلى أن أصيب مقدم الشرطة المذكور، إذ تم تغييرها فور وقوع الحادث، مع العلم أنه إلى كتابة هذه السطور، لم يتمَّ القبض على الفاعلين، رغم معرفة الجميع بهوياتهم، مما أثّر سلبا على جميع رجال الأمن في مدينة السمارة». في مدينة السمارة كلها ليست هناك سوى شرطيتين اثنتين، تم إبعادهما عن العمل الميداني وتعيينهما في سكرتارية أمن المدينة، كما يوضح المصدر الأمني ذاته. الوضع صعب ومُضجر وخطر في هذه المدينة، كما يبرز رجال أمن. ويصير الوضع أكثر ضجرا عندما يتعلق الأمر بما يعتبرونه تجاوزات إدارية و«فضائح» يقترفها مسؤولون أمنيون ويكونون هم ضحيتَها. هذا ما كشفه تقرير توصلت به «المساء»، ما نعرضه في ما يلي: «التقرير الأسود».. يكشف التقرير الذي حصلت عليه «المساء» حقائق صادمة عما يجري داخل جهاز الأمن بخصوص تنقيل رجال أمن قضوا سنوات في المدن الجنوبية. وكشف رجال أمن في الجنوب ل«المساء» عن وجود «تلاعبات» في عمليات تنقيل رجال الأمن. كما تحدثوا عن قيام رجال أمن ب»بيع» أماكنهم في مدن الداخل لأمنيي مدن الصحراء، في إطار عمليات الانتقال بالتبادل. ويصل «ثمن بيع» المركز الأمني في مدينة مثل أكادير، مثلا، إلى 5 ملايين سنتيم، حسب رجال الأمن هؤلاء. ويرتفع المقابل في مدن بعينها، تتعثر فيها مسطرة التحمل العائلي، والذي يتيح لرجال أمن الانتقال للعمل في مدنهم بسبب إكراهات عائلية. يحمل التقرير الصادم عنوان «المنسيون»، في إشارة إلى رجال أمن يعملون في مدن الصحراء. بدأ التقرير باستعراض أبرز عناوين ما يعتبره رجال أمن في الجنوب «معاناة»، إذ جاء في التقرير أنها «هناك غليانا واستياء كبيرين في أوساط العناصر الأمنية العاملة في المنطقة الأمنية في السمارة خصوصا، والعاملة في ولاية أمن العيون عموما، والسبب هو الحيف الذي يتعرضون له بسبب التهميش واللا مبالاة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، التعيين التعسفي في ولاية أمن العيون والمناطق الأمنية التابعة لها أثناء التخرج من المعهد الملكي للشرط والمدارس التابعة له، حرمان موظفي ولاية أمن العيون من أبسط الحقوق، الحرمان من الانتقال، رغم توفر جميع الشروط، كالأقدمية أو توافر ظروف اجتماعية، مما ينعكس سلبا على مردودية العناصر العاملة في العيون ومناطقها الأمنية (السمارة بالدرجة الأولى)، الحرمان من المهمات والتنقيلات ومن الحركات الداخلية، والتي غالبا ما تُتْبع بعبارة «باستثناء ولاية أمن العيون والمناطق التابعة لها».. المصير المجهول لآلاف طلبات الانتقال التي توجّهها عناصر المنطقة الأمنية لمدينة السمارة، إذ غالبا ما ينتهي بها المطاف في سلة المهملات.. الصمت على تصرفات المسئولين المباشرين والمساهمة في قمع العناصر، بالإسراع في اتخاذ إجراءات وعقوبات تأديبية في حقهم لأبسط الأسباب».. جاءت هذه «التجاوزات» على لسان رجال أمن في تقريرهم، الذي وافَوا به «المساء». في التقرير ذاته استطراد في كشف معطيات مثيرة يشير فيها رجال الأمن هؤلاء إلى ما يعتبرونهم «تجاوزات» لمسؤولين أمنيين. ويشير التقرير إلى أن مسؤولين أمنيين يمارسون ضغوطات على رجال الأمن. من بين هؤلاء مسؤول أمني كشف التقرير أنه «منذ تعيينه في شهر ماي من سنة 2009، أصبحت العقوبات «تتقاطر» على العناصر، حيث وصلت منذ توليه منصبه إلى أكثر من 50 عقوبة، مُوزَّعة بين التوبيخ والتوقيف والطرد النهائي من صفوف الأمن». ويشير رجال الأمن في تقريرهم إلى أن «المسؤول الأمني لا يستجيب لطلبات مقابلته إلا بعد مضي مدة تفوق الأسبوع، رغم أهمية الطلب»، حسبهم، مضيفين أن أنه «لا يقوم بإمضاء البريد الوارد عليه في الوقت المحدد، فالبريد الوارد من المحكمة مثلا لا يتم توقيعه في الوقت المحدد، مما يتسبب في تأخر مصالح المواطنين، كإخبارهم بتواريخ الجلسات التي تخص قضاياهم في المحاكم»، يوضح التقرير. كما قام هذا المسؤول الأمني، حسب التقرير نفسه، «بتعيين عميد شرطة كان محط عدة مساءلات إدارية وإنذارات كتابية حول تورطه في قضية رشوة وتزوير محاضر رسمية وابتزاز تاجر مخدرات معروف بلقب الشينوي»، يردف التقرير، قبل أن يضيف أن المسؤول المذكور قام أيضا «بتغيير منصب (...) ثلاث مرات متتالية في وقت وجيز لينتهي المنصب إلى ضابط أمن كان مفتشا للشرطة قبل ستة أشهر من توليه المنصب، والغريب أنه لم يجتزْ بعدُ التدريب الخاص بضباط الشرطة، بينما تم استبعاد ضباط آخرين كانوا أعلى رتبة وكفاءة منه».. وأبرز التقرير، أيضا، أن 12 عنصرا أمنيا لم يحضروا جنازات آبائهم بسبب عدم الترخيص لهم بالسفر من أجل الاطمئنان على ذويهم قبل وفاتهم، وأيضا بسبب عدم موافاة عناصر الأمن بالبرقيات الخاصة بهم، حسب التقرير ذاته.. ويذهب رجال أمن الجنوب، في تقريرهم، إلى ذكر معطيات غاية في «الحساسية» حول صلات تربط مسؤولين أمنيين بمهرّبين وبمروجي ممنوعات، إذ جاء في التقرير أن من بين تجاوزات مسؤولين أمنيين في إحدى مند الجنوب بالضبط هي «نسج علاقات مشبوهة مع المهرّبين وتجار الممنوعات وكذا مع بعض الأشخاص الذين يزاولون أعمالا مشبوهة، أبرزهم (...) والتي يطلق عليها عناصر المنطقة الأمنية لقب «نائب رئيس المنطقة»، حيث تصول هذه السيدة وتجول بسيارتها دون حسيب أو رقيب، رغم المخالفات والتجاوزات التي ترتكبها، وتقوم بالتوسط لبعض العناصر للحصول على إجازاتهم السنوية.. كما تعرّض بعض العناصر الذين يحاولون تطبيق القانون معها لعقوبات إدارية بإنجاز ملفات تأديبية مفبركة في حقهم. وتقوم هذه السيدة بإيقاف سيارتها الزرقاء (...) أمام مقر الدائرة الأولى ليل نهار، مع العلم أن هناك مذكرة مديرية تمنع إيقاف السيارات الخاصة أمام مقرات الشرطة، معتمدة على توفير الحماية لها من طرف هذا المسؤول». يشبه هذا «الوجه القاتم» الذي رسمه رجال أمن في الصحراء حول واقع ممارستهم عملهم، والذي كلّف فضحُه بعضَهم التوقيف والتنقيل أو الحرمان من الحركة الانتقالية، بشكل من الأشكال، وجها آخر يرسمه رجال أمن بمدن أخرى. بعض هؤلاء، والذين عانوا من تأجيل ملفات تنقيلهم من مدن بعيدة إلى «الداخل»، حيث يوجد ذووهم، «انتفضوا» مرارا. وتزّعم أكثرَ هذه «الانتفاضات» إثارة للانتباه رجال أمن في الجهة الشرقية قبل قرابة ثلاث سنوات. واعتصم 130 رجل أمن في مقر ولاية الأمن في وجدة، معترضين على ما اعتبروه حيفا تعرّضوا له بعد الإعلان عن نتائج الترقية التي أجرتْها الإدارة العامة للأمن الوطني، وهي الترقية استفاد منها 500 رجل أمن في وجدة ولم تشمل 300 رجل أمن آخرين. غير أن «الحراك الأمني» في المدن الجنوبية أكثر حدة ويهدد بنزيف حاد. هذا ما جاء على لسان رجال أمن تحدثوا إلى «المساء»، كاشفين أن العديد من العناصر الأمنية في مدن الجنوب هُمْ في حالة نفسية جد حرجة وفي حالة «غليان» كبير، إلى درجة أن بعضهم يهددون بتقديم استقالتهم في حال ما إذا لم تتمَّ الاستجابة لطلب تنقيلهم: «والدتي مقعدة وتقطن في الداخل وحدها.. أنا الوحيد من يمكنني الاعتناء بها، لذلك يتحتّم علي الاستقرار بمدينتي.. إذا استمر المسؤولون في رفض طلبي فليس هناك حل آخر سوى تقديم استقالتي.. وهذا ما يهدد به عشرات رجال الأمن المنسيين في مدن الجنوب منذ سنوات»، يقول رجل أمن، بحسرة وأسى عميقين.
مسؤول أمني يصاب بانهيار عصبي بعد «نفيه» إلى الصحراء وآخر يهمل لحيته حراس الملك معاقبون في فيلا و«ثكنة» لأمنيين مبعدين المدن الجنوبية، خاصة السمارة وفكيك وزاكورة، من «أفضل» المناطق العقابية التي يمكن أن يُنقّل إليها مسؤولون أمنيو ورجال أمن لقضاء فترات عقوبة. الحر مرتفع بشكل مفرط، صيفا، والبرد قارس للغاية شتاء. لا فضاءات للترفيه أو التنزه خلال نهاية الأسبوع، التي تتحول ساعاتها إلى لحظات من «جحيم». هذا الجحيم عاشه مسؤولون أمنيون تمّت معاقبتهم وتنقيلهم إلى المدن الجنوبية. آخر هؤلاء المبعدين، كما تكشف مصادر أمنية ل«المساء»، هو عبد العزيز الغضباني، الرئيس الإقليمي لمصلحة الاستعلامات العامة لمنطقة المضيق -الفنيدق، والذي أقيل من منصبه ونُقّل إلى السمارة، في نهاية شهر يونيو الماضي، بدعوى ارتكابه خطأ جسيما. يوجد الغضباني حاليا، حسب مصادر «المساء»، في السمارة. حالته النفسية سيئة للغاية. يمتنع عن الكلام، إلى جانب أربعة أمنيين آخرين نُقّلوا من تطوان إلى السمارة «عقابا» لهم. ولم يستسغ أحد هؤلاء المبعدين مصيره الجديد، فأصيب بانهيار نفسي وأهمل لحيته. بين المبعدين مؤخرا إلى السمارة ضابط شرطة ممتاز في الدارالبيضاء، يبدأ اسمه العائلي بحرف «ف». نقل هذا الضابط إلى السمارة وأجبر على ترك والدته لوحدها في الدارالبيضاء، ونظرا إلى كون والدته مقعدة وليس هناك من يخدمها، فقد اضطر إلى طلب سنة بيضاء وخرج من سلك الأمن كي يتفرغ للاعتناء بوالدته. «أشهر» المعاقَبين أيضا من الذين نقلوا إلى مدن جنوبية مصطفى الموزوني، الذي جرى إعفاؤه من مهامه واليا لأمن الدارالبيضاء، إثر «غضبة ملكية» في شهر رمضان الماضي، ونقل إلى مدينة زاكورة، دون مهمة، حيث ظل مقيما في فندق، معتزلا، لا يكلم أحدا، ونادرا ما يظهر للعيان، كما أنه كان حريصا على زيارة الدارالبيضاء باستمرار، حيث يوجد أهله. تزداد قصص الأمنيين «إثارة» حينما تتعلق بحراس خاصين للملك، بمن فيهم أقرب المقربين إليه. وتفيد الأنباء أنه يتم معاقبة هؤلاء الحراس بإرسالهم إلى مدرسة الشرطة في القنيطرة. وكشف مصدر مطلع ل«المساء» أن الوجهة لا تكون دائما مدرسة الشرطة، إذ يشير إلى وجود فيلا فخمة في مدينة الداخلة في الجنوب يُنقّل إليه المعاقَبون من حراس الملك المعروفين. تتوفر في هذه الفيلا لحراس الأمن هؤلاء جميع ظروف العيش، لكنهم يُحرَمون من التواصل مع العالم الخارجي، كما أنهم يكونون تحت حراسة مشددة من طرف الدرك الحربي. غير أن أكثر قصص تنقيل الأمنيين «غرابة» وإثارة للانتباه هي التي كشف عنها مصدر أمني ل«المساء»، عندما أشار إلى أنه جرى، في سنة 2002، تنقيل «جيش» من رجال الأمن إلى مدينة السمارة الجنوبية، إلى درجة أن الأمنيين المعاقَبين، وكانوا كلهم من أبناء الداخل القادمين من مدن مختلفة، قد شكّلوا «ثكنة» أمنية خاصة بقوات التدخل السريع «السّيمي» في مدينة السمارة..
موظفون وسيارات شرطة في خدمة أبناء مسؤولين أمنيين إلى جانب التقرير المذكور، توصلت «المساء» بصور تكشف استغلال مسؤولين أمنيين لموظفين أمنيين وسيارات مصلحة من أجل نقل أطفالهم من وإلى المدارس. هذا ما جاء في التقرير الذي أشار إلى أنه تم «تعيين ثلاثة موظفين من المصلحة الإدارية لخدمة المسؤول الأمني وخدمة أسرته. الموظف الأول هو مفتش شرطة «...» يستغل سيارة من نوع «بارتنير» رقم صفيحتها «(...) ش»، المخصصة منذ تسليمها إلى المنطقة الأمنية للسمارة لنقل أبناء «...» من وإلى المدرسة الخاصة التي يدرسون فيها.. مع العلم أن هده السيارة كانت مخصصة لفرقة الشرطة القضائية وتم حرمانهم منها. وإلى حدود كتابة هده السطور، لا تتوفر هذه الفرق على أي سيارة من أجل تنفيذ التدخلات الأمنية».. الموظف الثاني الذي أشار إليه التقرير هو مقدم الشرطة «...»، والذي ورد في التقرير أنه «يتكلف بسياقة نوع «تويوتا رقم (...) المُكيّفة، مع العلم أن هذا العنصر تم تنقيله «تأديبيا» إلى مدينة السمارة، لتورطه في قضية المدعوة «الجبلية» في مدينة سلا، مهمته هي...». ويستطرد التقرير في رصد أمور غاية في الخطورة. أما الموظف الثالث فهو مقدم الشرطة «...»، ومهمته سياقة سيارة من نوع «لاندروفير ديفاندر رقم «(...) ش»، وهي السيارة الوحيدة الصالحة للاستعمال في التدخل من بين جميع سيارات الشرطة في مدينة السمارة، إلا أنها ملك خاص ل«...» ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها، لأنها، كما يدّعي، أرسلت له خصيصا».. ويكشف التقرير أن مسؤولا أمنيا آخر يستغل سيارات الأمن وموظفيها لمصالحه الخاصة، إذ ورد في التقرير أن «هذا المسؤول يستغل سيارة من نوع «سينا» لأغراضه الشخصية، كنقل أطفاله من وإلى المدرسة أو للتسوق، إلى جانب إعطائه تعليمات للسهر على حماية المدرسة الخصوصية التي يدرس فيها أبناؤه وأبناء (...)».. وأوضح التقرير ذاته أن هذا المسؤول الأمني وجّه عشرات التوبيخات وأنزل عقوبات عدة على عناصر أمن ل»أنفه الأسباب»، حسب التقرير، بعد تلقيها توبيخا من المديرية العامة للأمن الوطني «بسبب تهاونه في قضية تتعلق بتغيير العلم الوطني من فوق مقر المنطقة الإقليمية للأمن بعلم الجمهورية المزعومة للبوليساريو».