لقد أثبتت الرجة التي عرفتها تطوانوالحسيمة، أن سيف الإعفاء مسلط على كل المتهاونين في أداء المهام التي أنيطت بهم. وقدمت الدليل أن «اللاممسوسين» les intouchables لم تعد إقامتهم مريحة بيننا، لأن رهان البلاد أكبر من أن يُسْمح ل«مزاج» بعرقلته أو إفشاله، حتى ولو تعلق الأمر بكبار رجال الدولة والمخزن.. «واللي فرط يكرط».. في الوقت الذي كانت تتوجه الأنظار صوب مدينة تطوان التي اعتادت أن تحتضن حفل الولاء (عيد العرش)، التي ينتقل إليها المنتخبون في المجالس البلدية وممثلو الأمة في البرلمان وكبار رجال الدولة والأمن والجيش، وفي الوقت الذي كان جنود وضباط القوات المسلحة يترقبون ما ستسفر عنه الترقيات العسكرية التي عادة ما يتم الإعلان عنها في حفل الولاء.. في هذا الوقت بالذات، عاش المغاربة على امتداد يومين على وقع زلزال أمني وإداري قوي ضرب منطقة الشمال، وبالضبط مدينتي تطوانوالحسيمة. زلزال فقد أدى نجاح أحد الأشخاص في القفز على الحواجز المؤدية إلى الإقامة الملكية بالمضيق ووصوله إلى منطقة متقدمة محسوبة على الأمن العمومي التابع لولاية تطوان، حسب ما تناقلته مجموعة من المصادر، إلى معاقبة (إعفاء) الوالي حميد الشنوري من مهامه على رأس ولاية الأمن وتحميله مسؤولية هذا الخطأ المهني الجسيم، إذ لولا تدخل عناصر من الأمن الخاص لواصل المقتحم تقدمه إلى مناطق لا يعرف أحد حدود حصانتها الأمنية، مع ما تشكله هذه الثغرة الأمنية من خطر على أمن ملك البلاد. ويذكرنا هذا الإعفاء بما سبق أن تعرض له رئيس أمن شفشاون عام 2007 بسبب خطأ بروتوكولي ناتج عن عرقلة خط سير الموكب الملكي بسبب اعتراض سيارات المطافئ له، مما أدى آنذاك إلى تنقليه وتحميله مسؤولية هذا الخطأ الذي اعتبر، آنذاك، جسيما وفادحا ولا يمكن التسامح بشأنه. أما الزلزال الثاني، وكان أشد وقعا من الثاني، فقد اعتبره البعض زلزالا ارتداديا و«ميساجا» قويا لكل المسؤولين الأمنيين والإداريين بمنطقة الشمال، حيث اهتزت الحسيمة يوم 20 يوليوز الحالي على إيقاع إعفاء 15 مسؤولا من الأمن والدرك والإدارة الترابية وبعض المصالح الخارجية. وذكرت مصادر «الوطن الآن» أن الإعفاء شمل كل من رئيس قسم الشؤون العامة بولاية الجهة (عبد السلام فريندو) بسبب خطأ مهني له علاقة بشكايات المواطنين الذين طالما نددوا باعتداءات بعض رجال السلطة ووجهوا رسائل تظلم الى الديوان الملكي، ومنها الشكاية التي وجهت ضد قائد المقاطعة الأولى بالحسيمة (الخرموز ) بسبب الاعتداء على أحد المواطنين الذي وجه شكاية في الموضوع الى الديوان الملكي. كما شمل الإعفاء رئيس الأمن الإقليمي بالحسيمة برتبة مراقب عام. والسبب- حسب ما أكدته مصادرنا- يعود إلى صراع نشب بين ابن المسؤول الأمني وأحد المواطنين الذي تقدم بشكاية في الموضوع الى الجهات العليا . الإعفاء طال أيضا قائد المقاطعة الثانية وباشا بني بوعياش بسبب تورطه في خروقات في التعمير، وفق ما ذكرته المصادر نفسها؛ حيث تعرف بني بوعياش تفشي واضح للبناء العشوائي. وطال التوقيف، أيضا، رئيس دائرة تاركيست وقائد بدائرة كتامة و خليفة باشا إمزورن بسبب خروقات في التعمير (حي بركم العشوائي)، إضافة إلى تفشي البناء غير القانوني بالأراضي الفلاحية. تسونامي وامتدت حبال الإعفاء إلى مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين (بوسبع)، حيث أرجعت مصادر «الوطن الآن» الأمر الى غياباته المتكررة وعدم زياراته لباقي الأقاليم المشكلة للجهة، وهو الموضوع الذي طرح خلال اجتماع المجلس الإداري للأكاديمية، إذ تدخل البرلماني عبو منتقداً عدم زيارة مدير الأكاديمية لنيابة تاونات. أما بخصوص إعفاء كولونيل الدرك، فذكرت نفس المصادر أن الأمر يعود الى أسباب أمنية، علما أن المنطقة تتميز بحساسية خاصة كمنطقة حدودية مع الجارة الشمالية. ويؤاخد على كولونيل الدرك- حسب ما انتهى إلينا من معلومات- تقصيره في مراقبة الحدود والحد من تهريب المخدرات والهجرة السرية. ولم تستبعد مصادرنا وقوعه في خطأ مهني خاصة أن تعيينه لم يمض عليه سوى شهرين. تسونامي الإعفاءات شمل كذلك مدير الجمارك، إذ أرجعت مصادرنا إعفاءه الى الشكايات المتكررة للمهاجرين من عمليات التفتيش المعقدة والعراقيل التي يواجهونها في النقط الحدودية بالحسيمة وبني أنصار، وكذا المعاملة السيئة للمهاجرين. الإعفاءات التي طالت مختلف رؤساء المصالح الخارجية بجهة الحسيمة اعتبرتها بعض فعاليات المنطقة رسالة قوية بعثها الملك محمد السادس، بعد زيارته الأخيرة، إلى ساكنة الريف للتأكيد على وجود إرادة سياسية حقيقية من طرف الدولة في صنع التغيير وطي صفحة الماضي الأليم بالريف. بينما اعتبر البعض أن ما وقع بالحسيمة لا يمكن فصله عن ما وقع بتطوان، ذلك أن منطقة الشمال أصبحت كالصفائح التكتونية، ليس على المستوى الجغرافي فقط، بل على المستوى الإداري أيضا، وأصبح شعار «اللي فرط يكرط» هو العملة الرائجة، ليس في صفوف الأجهزة الأمنية فقط، بل تشمل أيضا كل القطاعات الحيوية، كالتعليم والإدارة والجمارك والميناء، وباقي المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. لقد أثبتت الرجة التي عرفتها تطوانوالحسيمة، لكل متشكك، أن سيف الإعفاء مسلط على كل المتهاونين في أداء المهام التي أنيطت بهم. كما أثبتت أنه تم وضع نهاية ل«المخلدين في المناصب» في مناطق بعينها، وقدمت الدليل أن «اللاممسوسين» les intouchables لم تعد إقامتهم مريحة بيننا، لأن رهان البلاد أكبر من أن يُسْمح ل«مزاج» بعرقلته أو إفشاله، حتى ولو تعلق الأمر بكبار رجال الدولة والمخزن.. «واللي فرط يكرط».. «الوطن الآن» وتعميما للفائدة تنشر غضبات الملك التي أبعدت ولاة أمن وعناصر من الأمن الملكي، إضافة إلى بعض ممثلي الملك في عدد من الولايات والعمالات، إلى جانب وزراء وسفراء وبعض مدراء المؤسسات العمومية.