نزل الدرج مسرعا ، وهو يرتدي منامته الصيفية الخفيفة المخططة ، غازل هواء الشارع المنعش أنفه ، كان يلاعب مفاتيحه بيده اليسرى ، بينما يمسك بيده اليمنى سيجارته ، وينفث دخانها في تلذذ خرافي ، وهو يدندن مرددا نغمات أم كلثوم ، التي كانت تصدح في سماعات أذنيه ” هل رأي الحب سكارى ” … عبر الشارع الفسيح ، حيث يتناثر الناس والأشياء والمحلات ، ويتنافس أهل الدنيا على الدنيا في نهم وكد وجد بالغ…. لمحها من بعيد وهي تتمايل في مشيتها بغنج آثم ، نسوي طافح ، تغلفه رغبة زليخية مشتعلة . لم يعد يدرك ما يفعله أبدا ، أسقطته في حبائلها بسهولة بالغة ، ومضى منوما ،فأشار إليها برأسه تبعته دون تردد. كان ضحيتها السابعة في ذلك السبت الربيعي الجميل. دنس منزل الزوجية ، داس فوق الميثاق ، حاصرته الخيانة أول مرة…. وهي تهم بمغادرة البيت في الطابق الخامس ، كانت زوجته رقية قد وصلت على غير انتظار ، بعد أن رن هاتفها وهي بين أهلها يخبرها بوضع غير منتظر ، وإن كان موهبة عند أغلب الرجال. تجمهر الناس كعادتهم ، منهم صناع الفرجة ، ومنهم طلاب الفضيحة. دخلت بيتها الذي بدا لها غريبا هذه المرة ، نتنا ومقرفا ، وهي تزمجر وتزفر ، بينما كان هو مكوما على نفسه في جانب قصي في زاوية غرفة النوم ، على يمين النافذة المطلة على شارع ” الألفة ” ، مصدوما مهزوما مغيبا لم ينطق بكلمة. جرت حقيبتها الجلدية من أعلى خزانة الملابس ، وهي تصف الزوج بأقذع النعوت ، والبصاق يتطاير من بين أسنانها : ” أيها الأناني الفاشل ، تخونني مع عاهرة ” تبيعني من أجل ساقطة عند أول منعطف في طريق عام ” ملأت الحقيبة بما خف من ملابسها بسرعة جنونية ، كانت تكورها وتدفعها عجنا كأنها تملأ وسادة ببقايا أثواب قديمة ، وهي تصف الرجال بأشنع الأوصاف ” لعنكم الله يا رجال لا تحفظون عهدا ولا تصونون عقدا ولا ودا ” صفعت الباب خلفها بقوة ، كانت طقطقة كعبها تحسب أدراج العمارة ، وهي تحادث نفسها بعبارات مسموعة ، والعيون ترصدها متلصصة من الأبواب والشقوق والنوافذ ” الخانز مع الخانزة وأنا فدار غفلون ” وهي تغادر الباب الخارجي للعمارة ، شدها منظر المارة المتحلقين ، جلبة وصداع و ولولة بعض النسوة وسط الشارع العام ، واختناق مروري كامل. كان الزوج قد سبقها إلى الشارع عبر النافذة منتحرا . وجدته مضرجا بدمه النازف وقد غادر الحياة…