[email protected] أخذ العالم من حولنا، في فترة وجيزة، يتغير بسرعة، و أنعم الله سبحانه و تعالى علينا بالاستمتاع و مشاهدة الفصول الأخيرة و الحاسمة من أفلام ظللنا لوقت طويل نعتبرها مملة فسئمنا من تتبع أحداثها...كانت أشبه بمسرحية سيئة الإخراج، خالية من أي تشويق، أرغمت الجمهور على إغماض عيونه و الاستسلام للنوم..منسحبا من شدة الضجر. لكن..فجأة..يستيقظ الجميع دفعة واحدة، مذعورا، مشدود الانتباه إلى خشبة العرض، حيث يفاجأ بالبطل قد مات..و لكن بطلقات نارية مفزعة! إنها نفسها الطلقات المفزعة التي أيقظتنا من سباتنا العميق و نحن نتتبع باندهاش ثورة تونس على جلادها، و تخلص مصر من كابوس ظل لعقود يقض مضجعها. ثم توالت الأحداث متسارعة تنتقل مثل العدوى من بلد عربي إلى آخر، فقذف الله الرعب في قلوب الممثلين الأبطال، حتى صار أغلبهم يبحث عن خروج آمن و مشرف يحافظ به على ما تبقى من ماء وجهه، بينما وسوس الشيطان لآخرين منهم بأن تشبثوا بأدواركم و كراسيكم حتى يمل الناس و أنتم لن تملوا! ومغربنا الحبيب لم يكن استثناءا، كما أنه لم يكن محض مقلد للسرب، فتحرك الجمر من تحت الرماد وإن بهدوء، ولكنه هدوء حذر ولد نوعا من القلق و الحيطة و الخوف من الاحتمالات السيئة، التي ظل الوعي الكاذب و الغرور الزائد يبعدها دوما من الحسابات..فكانت أنشودة عذبة، وإن كان لحنها رديئا، يتوجب على كل من لبس بذلة أنيقة و ربطة عنق، أن يترنم بها أمام الكاميرات في كل مناسبة أو في غير مناسبة..بلدنا مستقر و متوحد و محصن ضد جميع أنواع الأزمات العالمية و المحلية، و آخذ في التطور و النماء و في الرقي بحقوق الإنسان و...و إياك أن تشكك في الأنشودة الرسمية يرحمك الله. و بقدر تكرار كذبة على إنسان بسيط، فإنه لا محالة سيصدقها، و قد يصدقا أيضا مفتعلها! و لكنها في المقابل، تظل أوهن من بيت العنكبوت، خالية من الإحساس و الشعور، سرعان ما تتفرقع في الهواء عند أول حاجز يعترضها و لو كان قشة صغيرة. و لحس الحظ أن القشات التي اعترضت سبيل أكثر من فقاعة، كانت تطير خارج الأجواء المغربية، و لكنها تمكنت من إرسال رسائل تحذير و إشارات خطيرة. لقد عادت إذن تلك الاحتمالات السيئة التي كانت مغيبة إلى الطفو على السطح من جديد! دولتنا التقطت الرسائل التي لم تعد مشفرة بل بازغة كشمس صيف حار، و لكنها على ما يبدو، تفضل أن تقرأها بطريقتها الخاصة، فهي لم تستطع أو لنقل لا تريد أن تتخلص من إرث ماضوي ظل يكبل حركة تقدمها في الاتجاه الصحيح، فصار مثلها كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه و ما هو ببالغه! فكيف يعقل أن مصر التي انطلقت في ثورتها المباركة من رغبة حقيقية و صادقة في التغيير إلى الأفضل، تجرجر الآن في ردهات المحاكم من كان إلى حدود الأمس يشغل أعلى منصب في الدولة و هو رئاسة الجمهورية، ناهيك عن الوزراء و من يليهم، بينما نحن في المغرب الذي يدعي المسؤولون فيه القطيعة مع الماضي و إحقاق الحق و العدالة، لا نستطيع محاكمة حفنة من اللصوص الحقراء الذين نهبوا مليارات الدراهم من أموال الكادحين من أبناء هذا الشعب! و هم الآن ينعمون بكامل حريتهم رغم ثبوت التهم ضدهم. و في أحسن الأحوال يذر الرماد على العيون ويحكم على أحدهم بأشهر معدودة و بغرامة تعادل أصغر تعويض كان يتلقاه في تنقلاته. و مع أن هذا «الڭنس» من البشر اعتاد الفراش الوثير و الأغذية المتنوعة، فإنه لا يستطيع المكوث خلف القضبان لأشهر قليلة، فيضطر إلى قضاء فترة حبسه في أحد المستشفيات المصنفة أو المصحات الراقية بعد أن تفبرك له شهادة طبية تصنع بناء على طلبه و حسب مقاسه، فيتحول السجن بقدرة قادر إلى جنة يمضي فيها وقته في مشاهدة الفضائيات و ممارسة الرياضات و الرد على المكالمات الهاتفية التي تهنئه و تشمت في «عدالة آخر زمن»! ما فائدة تعديل الدستور إذن أو حتى استيراد أفضل الدساتير الأرضية، إذا كان سيتم تمريغها و خرقها بمثل هذه الطرق الرجعية و الخبيثة؟ و ما فائدة العدالة، مستقلة كانت أو غير مستقلة، إذا كانت ستطبق فقط على الضعفاء و تنتقي و تستثني البعض دون البعض الآخر؟! هكذا، وإمعانا من الحفنة المستفيدة من وضع البقرة الحلوب، تستمر عملية إذلال الشعب و إهانته دون احترام لمشاعره و نداءات بعض فئاته التي يمكن أن تتحول بين الفينة و الأخرى إلى " تسو نامي" يجرف الأخضر و اليابس. نقول الاهانة، لأنه في الوقت الذي كنا ننتظر تجاوز تلك النظرة التحقيرية و الاختزالية للمواطن، و أن تتم مخاطبته باعتباره كائنا عاقلا ذا كرامة، نجد أن الخطاب يتوجه بالأساس إلى رغبته الطفولية أو لنقل إلى بعده الطبيعي الذي – كما يقول عبد الوهاب المسيري رحمه الله – يخضع الإنسان لقانون الجاذبية الأرضية( بالمعنى الحرفي و المجازي) ليرغمه على الانسحاب من عالم التدافع و الاختيارات الأخلاقية ليتشبث، في المقابل، و يقتصر على إرواء غريزته. هكذا تطل علينا الوصلات الاشهارية تبشرنا بمهرجان " موازين"، حيث الموعد مع الرقص و العربدة و الاستئناس بمشاهير المغنيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر مثل هذه الفرص ليقتاتوا من عرق الفقراء و العاطلين، فيجمعون الأموال التي غصبت منهم ثم يرحلون بعد أن يملأوا حقائبهم! و كأن هذا البلد العجيب قد انتهى من حل مشاكله الاقتصادية الخانقة و الاجتماعية المهولة و السياسية الراكدة، و تجاوز أزماته الخطيرة في توفير السكن و الدواء للفئات المحرومة، وربط المناطق النائية بالطرق لفك عزلتها، و خفف من حدة البطالة و أصلح التعليم..و.و.. و لم يتبق له من الأمر إلا.. " النشاط" ..و بطرقة لا تمث لهوية هذا الشعب و عقيدته بصلة! لم أجد تفسيرا لما يحدث سوى أن الطبيب يفضل أبسط الطرق و أخبثها للتخلص من أنين المريض الذي يترنح أمامه من الألم، و عوض أن يكلف نفسه عناء مداواته و الصبر على ذلك، ارتأى تسكين ألمه بين الفينة و الأخرى بجرعات من مخدر لذيذ ينسي المريض وضعه إلى حين، ثم يعاود حقنه من جديد..المهم أن تكون الجرعات بمقدار حتى لا نتفاجأ بنتائج غير منتظرة . و بفضل هذه العبقرية الاستثنائية استطعنا أن نكون أفضل و أجمل بلد في العالم! لأننا لازلنا، بالرغم من كل ذلك، نستطيع أن نقف على أرجلنا..بل أكثر من هذا ..أن نرقص على نغمات مهرجان موازين!! فاللهم لا تسلط علينا و لا على أرزاقنا من لا يخافك فينا و لا يرحمنا..إنك أنت السميع العليم.