إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين... ولوضع حد لهذا المشكل، فإن العامل والقائد، والمدير والموظف، والمسؤول الجماعي وغيرهم، مطالبون بالعمل، كأطر القطاع الخاص أو أكثر، وبروح المسؤولية وبطريقة تشرف الإدارة، وتعطي نتائج ملموسة، لأنهم مؤتمنون على مصالح الناس. ... إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه : بدون... وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر وبدون.... فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة، من عيش حر كريم." كانت هذه مقتطفات من الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك بمناسبة حلول الذكرى 18 لعيد العرش، والذي أكد من خلاله على ضعف الإدارة في المغرب وحالها في المدن الصحراوية أدهى وأمر أو لنقل على الفوضى العارمة التي أصابتهما من خلال تحويلها إلى ضيعات وإقطاعيات في ملك مديريها والمسؤولين عنها، ينشرون فيها العبيد وفق أهوائهم وتقاليدهم الارستقراطية. وإذا تقهقرنا شيئا ما إلى الخلف بحثا في المفاهيم الكلاسيكية للإدارة كما صاغها جهابدة القانون الإداري، من أمثال فريديريك تايلور ومازن ليلو راضي وغيرهم– علنا نعمق بصيرتنا ، لوجدنا مثلا: أنها ذلك النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجات العامة. والوكالات الحضرية عموما، كما يشير إلى ذلك ظهير 1993، ما هي إلا مؤسسات عمومية تدور مع ذلك التعريف وجودا وعدما، ويحدد القانون نشاطها وطرق اشتغالها والرقابة عليها وعلى أعمالها وأعمال مديريها ومجالس إداراتها، كل ذلك في إطار واضح وجلي من الشرعية. لكن هذه الأبجديات البسيطة ربما قد غابت عن مدير ومجلس إدارة الوكالة الحضرية بكلميم، وما فقهوا شيئا من كتب القانون الإداري – بل من كل ما كتب وتلي ونشر ، وليس هذا بالشيء الجديد، بل هو استمرار لمسلسل طويل ربما تجاوزت حلقاته وحدته مسلسل وادي الذئاب أو غيره من المسلسلات التي مل الناس منها وسئمت هي أيضا من نفسها وشارفت على الانتهاء. ولنا وقفة مع ابرز ما ميز الحلقة الجديدة من هذا المسلسل المستفز: جاء في الفصل 29 من الدستور الجديد لسنة 2011 أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، كما حث الفصل الثامن، بعد أن تحدث عن المنظمات النقابية، على ضرورة عمل السلطات العمومية – وأنت المقصود أيها السلطة العمومية – على تشجيع المفاوضات الجماعية، وفق الشروط التي يحددها القانون. إلا أن أخانا في الله يشمئز من كلمة نقابي أو بالأحرى من نوع محدد من النقابيين الذي يختلفون معه في مفهوم وكنه هذا المصطلح الجبار، وهو ما تجسد في منع موظفين نقابيين من حضور اجتماع المكتب الوطني وأشغال لقاء السيد الوزير مع نقابتهم، ضاربا بعرض الحائط مقتضيات الدستور التي أشرنا إليها سلفا. إن أخانا لفي ضلال مبين. مسألة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، أو لنقل هي الأهم في هذه الفترة الراهنة، وهو الانزلاق الخطير الذي حل بالسيد المدير أثناء إعلانه لمباراة لشغل بعض مناصب المسؤولية بالوكالة وبالضبط رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح، ولا نعلم إلى حدود الساعة هل هذا الإعلان هو تجسيد لحاجة الوكالة الحضرية للأطر لتدعيم مواردها البشرية، أم هي حاجة السيد المدير لتدعيم جيشه من السفاحين حاملي الفؤوس والمعاول، ويتبدى لنا هذا الانزلاق الخطير بوضوح من خلال حياكة السيد المدير لشروط المباراة على مقاس أشخاص معينين بالذات، أو من اليسير التنبؤ بهم، وهو ما يشكل نفيا للشرعية وتمردا على مقتضيات المرسوم عدد 211681 الصادر في 2011. فبينما جاء في المادة الرابعة من هذا المرسوم أنه يشترط لتولي منصب رئيس قسم أن يكون أن متوفرا، على الأقل، على أربع (4 ) سنوات من الخدمة بصفة مرسم، وبخصوص رئيس مصلحة أن يكون متوفرا،على الأقل، على سنتين (2 ) من الخدمة الفعلية بصفة مرسم فقد جاء في الإعلان المشؤوم الذي أصدرته الوكالة الحضرية لكلميم عفوا الذي أصدره السيد المدير أنه يشترط فقط أربع سنوات لرؤساء الأقسام وسنتين لرؤساء المصالح دون أيما حديث عن شرط الترسيم الذي نص عليه المرسوم. فهل معنى ذلك ايها السيد المدير أنك تقول للمرضي عنه من المقبلين على اجتياز المباراة لا تحزن إن الله معنا؟ من جانب آخر جاء في المادة الأولى من ظهير 1993 المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية ما مفاده أن الوكالات الحضرية تخضع لوصاية الدولة لضمان تقيد أجهزتها المختصة بأحكام هذا الظهير الشريف، كما تخضع لمراقبة الدولة من الناحية المالية باعتبارها مؤسسة عمومية، وتخول الدولة صلاحية المراقبة للمراقبين الماليين التابعين لوزارة المالية، الذين يحددهم ظهير 2002 ويضع على كاهلهم مسؤولية ثقيلة للتحقق من مشروعية القرارات المتعلقة بالمداخيل والنفقات وإبرام صفقات الأشغال وغيرها من المهام الموكلة إليه بموجب هذا القانون، ولنا أن نتخيل العائق الكبير الذي يمكن أن يشكله هذا الجهاز لمؤسسة تعيش في مستنقع من الفوضى والبعثرة – إذا كان هذا المراقب لا يهوى فعلا السباحة في هذا النوع من المستنقعات – وهو ما تجسد فعلا من خلال الصراعات المستمرة بين أجهزة الوكالة الحضرية لكلميم والمراقبين الماليين الذين تم استبدالهم أكثر من مرة داخل السنة الواحدة، دون أن ننسى الاحتجاجات المتواصلة ضد أعمالهم وقراراتهم بشأن مهامهم، فلم ولن يرضى عنهم السيد المدير وحاشيته حتى يتبعوا ملته. وإذا كان المجلس الأعلى للحسابات – كما يؤكد على ذلك الفصل 147 من الدستور – هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة للمراقبة بمقتضى القانون، وكذلك الشأن بالنسبة للمجالس الجهوية المحدثة بموجب القانون، فإننا إلى حدود الساعة لم نسمع عن تقرير صادر عن المجالس المذكورة يفضح كل الخروقات التي يعلمها أبسط مواطن لا يفقه شيئا في مدينة كلميم، أم أن سياسة المقاهي والولائم وتوزيع الحصص من الكعكة الكبيرة هي الفيصل في كل ذلك؟ وفي الأخير أود أن أتوجه بالشكر للسيد عبد الإله بنكيران – وإن كنت أتسخط عليه في أمور كثيرة – على المساهمة في التعجيل بإصدار ظهير 2012 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا والذي أصبح بموجبه تعيين مديري الوكالات الحضرية يتم بموجب مرسوم بدل ظهير كما كان في السابق، ولهذا التغيير بطبيعة الحال وقع في الحد من سطوة السيد المدير وأمثاله ورحمة بنا من بطشه ووساخة أعماله. عذرا بنكيران فتماسيحنا أشرس من تماسيحكم...