الأمثال قديمة قدم العالم،ولكل أمة أمثالها،لهذا عني العرب منذ نشأتهم بالأمثال فضربوها واستشهدوا بها، فلما جاء الإسلام أقرها ولم يهملها واتخذها وسيلة للتذكر والاعتبار ،حيث قال الله تعالى "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل"( سورة الروم الآية 58)، وقال تعالى" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلاالضالمون" (العنكبوت الآية 43) ثم قال على لسان رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم" مثل المؤمن كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الجسد ...) . وسيرا في هذا الركب ،أضحت الأمثال مادة للتداول والجمع والدراسة تقاسم همها عديد الدارسين ،ولاكتها ألسن وحفضتها أذهان عبر مر العصور والأزمنة مبرزة أهمية المثل في حياة كل مجتمع،باعتباره مرآة صادقة تعكس تجارب الشعب ،وصورة للواقع الاجتماعي المعيش. وانماز المثل في صوره المختلفة،بخاصيتين أساسيتين هما،الطابع التعليمي الصرف من حيث الموضوع ،وكيف لا وهو نتاج رِؤية فلسفية للحياة تتفاعل فيها علاقة الإنسان بوسطه الاجتماعي،ثم التركيز من حيث الأسلوب واختيار كلمات تحمل دلالات ومعان مكثفة ونظرا لما تشكله الأمثال من صورة حقيقية للواقع الاجتماعي لكل شعب على حدة،وما تمثله من تجارب تتفاعل فيها علاقة الإنسان بوسطه الاجتماعي ،فلا تكاد تخلو منها أية أمة من الأمم ولم تكن حكرا على شعب دون غيره أو لغة دون الأخرى،بقدر ما ظلت شكلا من أشكال التعبير نشأ مع الإنسان منذ نعومة أظافره وتناقلتها بالوراثة من جيل الى جيل ضمنها صورة تاريخه وإقليمه وتقاليده ومستواه الثقافي بلا زيف أو ريب. ومن هذا المنطلق،شكلت الأمثال الحسانية باكورة إنتاج وتعبير عن تجربة إنسان الصحراء والطويلة بكل صورها العديدة التي ميزت صراعه الدائم مع الحياة في بيئته البدوية،إذ جسدت بالفعل حمولة فكرية ومعرفية لنشاط ذهني قوامه التدبر والاختزال والبساطة والتفسير والتأويل لمجريات العيش والحياة والزمان والمكان،فوراء كل مثل تكمن التجربة الطويلة وتكمن القصص الشعبية المليئة بالعبر والحكم والعيضات ،وبذلك تكون الأمثال الحسا نية المفاهيم التي تفلسف بها الأجداد وشكلوا بها حضورا متميزا،ظلت نبراسا ونورا يهتذى به الخلق في دروب الحياة الحالكة. فاستطاع الإنسان الصحراوي أن يجعل موضوعاتها شاملة لمختلف مناحي الحياة ومظاهرها،حيث نجد الجانب العلائقي المعاملاتي مثل الصداقة والقرابة والزواج ثم الجوار والوحدة والتعاون...وبعض القيم الحميدة كالصدق والكرم والعبر والمحبة والإخلاص وبعض القيم الذميمة كالكذب والبخل والملل والكراهية. ومادامت كذالك فلم يكن الإنسان الصحراوي يجد خيارا أمامه من الاستشهاد بها خاصة وأن تداولها يظل مرهونا ببعض المناسبات الخاصة والوقائع الاجتماعية التي تكون مدعاة لذلك، فيعمل على ضربها إما تنميقا للحديث وتزينا للخطاب أو استخلاصا للعبرة والحكمة أو اختزالا لحكاية أو إنهاء لجدال بين متحدثين.
وانطلاقا من هذا الدور الفعال والكبير الذي تقدم به هذه الأمثال،فقد دأب الإنسان الصحراوي على الاستدلال بها معيرا إيها جانبا كبيرا من القداسة والإجلال لقائلها،فكلما أراد أن يستشهد بمثل ما إلا ويقول "كالو اللولين " يعني قالوا الأوائل أو "الله يرحم من كال " بمعنى الله يرحم من قال ،أو "كلام اللولين ما يكلعوه لكتوب "أو "اللولين ما ما خلاو لتالين ما يكولو"،وفي هذا إغلاق لباب الخلق والإبداع والنقد وكذا الاجتهاد ،فما على الإنسان _ابن الصحراء_ إلا الأخذ بها والعمل بها وعدم التفرد والصرف أو الخروج عن ما مارسه المجتمع من قيم وعادات فهي دستور البيضان ووحدتهم وتلاحمهم.
*لاستقبال ملاحظاتكم واستفسراتكم ونقداتكم ،راسلونا على البريد الأتي،[email protected] وشكراا