لا شك ان كل ساكنة جهة كلميم واد نون بإقليمها الاربعة (كلميم ، سيدي افني ، طانطان ، اسا)، مهما اختلفت انتماءاتهم و السنتهم و حتى رؤاهم يتفقون ان من ارهاصات ازمة الثقة بين بعض الكائنات المنتخبة والمسؤولة – يقول تعالى : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " الآية 48 ، سورة النمل - و غالبية شباب و ساكنة الجهة التي تعيش على ايقاعها المنطقة أنها أصبحت (إن لم تكن هي البداية ) تشمل مستقبل المنطقة بعد أن هيمنت على الواقع المحلي من خلال استراتيجية فرق تسود و استحضار البعد القبلي للتغطية عن العجز في المواجهة السياسية .ثم كتعبير عن فشل الدولة في تطبيق القانون و توحيد الجميع لخدمة الصالح العام ، مما دفع هذه الكيانات لتلجأ إلى ذاتها/ القبيلة أي الاستقطاب القبلي والاِثني والعرقي ، وهذا امر خطير يمس الاستقرار الاجتماعي بالمنطقة ككل ويهدد علاقات التعايش السلمي ، لان المنطق الجمعي الفاعل داخل القبيلة يتطلّب تطابقا لمواقف أفرادها، وهو ما يجعلها كيانا تحشيديا غير منضبطٍ فكرياً، يبني مواقفه على الانتماء العصبي في المقام الأول بغضّ النظر عن نجاعة هذا الموقف وأصالته ، و هذا ما يتنافى و الاختيار الديمقراطي الدي تنهجه بلادنا ، واكثر من ذلك يشجع الصّدام المادي والتمرّد أمام سلطة الدولة... و لا شك أن المداخل، أو المبادئ، الملائمة لتفادي هذا السيناريو ، لن تتوفر بصورتها الكاملة والجذرية إلا مع ارادة الدولة مركزيا ثم نضوج ثورة التغيير السياسي والاجتماعي، نعم اقول ثورة لان الحل يتعارض ومصالح الكائنات السياسوية المهيمنة، ذات السطوة الاقتصادية والسياسية. فمشاريع الكائنات الانتخابية / القبلية بجهة كلميم واد نون تعتمد اساسا على مخطط شيطنة كل تحرك معارض و التقليل من اهميته و فعاليته من جهة ، و اعتماد استراتيجية فرق تسود في حق هدا الجسم المجتمعي المتعدد التوجهات و الاصول من جهة اخرى ... كل ذلك حال دون اجراء أي تشخيص تنموي حقيقي اعتمادا على مبداي الحكامة و التشارك. بل غيبت تلك الكائنات - تحث انظار الدولة ان لم نقل تواطؤها- حرية حركت الساكنة و خاصة الشباب في الماضي فسجنت البعض في الاوهام و الاحلام ومنعت آخرين من الدخول، و بذلك أصبحت الأزمة تشمل و تشل كل مشروع تنموي مستقبلي عبر تغييب الوعي بأولوية العناصر الفاعلة كما قال المفكر الجزائري حينما كتب ان أي حضارة في بدايتها لا يتاح لها رأسمال حقيقي الا من ثلاثة عناصر : الشباب الدي يتحرك المتصف بالقوة و الفتوة و الارادة ، ثم الوقت الذي يستغرقه هذا الشباب ثم الارض التي عليها يقيم هذا الشباب كل ذلك الوقت ارادته و قوته ، اما إغراق المنطقة بتحليلات امنية ضيقة وتفاصيل وعناصر لا دور حقيقياً لها في المنطقة ... فكل ذلك لا شك سيساهم في صياغة مستقبل هاش مبني على الاحادية و المصالح الشخصية و انتشار الريع و الفساد و الثنائية القطبية التي لم تنجح زعاماتها من نسخ الولاء للقبيلة بالولاء للوطنية مما يشكل تهديدا مباشرا و رئيسياً لحاضر ومستقبل المجال ككل ... و نتيجته فقدان الساكنة التقة في مؤسساته. مستقبل مبني على الباطل و كل ما بني على باطل فهو باطل ،مستقبل يمكن القول ان جينات الباطل اقوى فيها من جينات الحق رغم ان حقيقة التاريخ و سيرورته تؤكد لنا ان انتصار الباطل دائما يكون ظرفيا و لا يستمر عكس الحق الذي تبقى له دائما الكلمة الاخيرة . ف " نور الحق أضوأ من الشمس ، فَيَحِقّ لخفافيش البصائر أن تَعْشُو عنه " كما يقول ابن القيم . الباطل له جعجعة وجَلَبَة ، له صوت هدير بكل دعوى فجّة، يعلو وجه واد نون عُلوّ فساد ، و لكن لابد سيرحل أهل الباطل .. ويزول باطلهم ، فلا يبقى لهم ذِكر حَسَن ولا أثَر نافِع . و لكن الى متى سيستمر رهط كلميم واد نون يفسدون في الارض و لا يصلحون ؟؟؟ هل الجهة و معها الوطن بصفة عامة في حاجة الى مزيد من الانتظار و تضييع الوقت حتى يفشل هؤلاء الرهط المفسدون ؟؟ متى ستكتشف الدولة المركزية الحقيقة ؟ و متى سيكتشف الاهل حقيقة – مسرحية تقسيم الادوار - الباطل الممارس عليهم من طرف هؤلاء الخفافيش الرهط ؟؟ لا شك ان الباطل ابدا لن ينسحب طوعيا ما لم تكن هناك قوة حق منضمة مضادة تستطيع ان تحول دون سيطرة جينات الرهط و سحرهم على جينات الشباب حامل مشعل التغيير بعيدا عن تأثيرات القبلية و انسجاما مع متطلبات الدولة الحديثة، و بدلك تنقل جهة كلميم واد نون من مرحلة المستقبل التنموي المجهول الذي صنعته ايادي الرهط و اساسه صناعة تأزيم الواقع المحلي كوسيلة لخلق الاتباع ولضمان البقاء و الاستمرار ... الى مرحلة المستقبل التنموي المنشود و الصادق الذي يحتاج ويستدعي التحرك الآن وفوراً ، و هنا يجب على الدولة المركزية الخروج من مرحلة الحياد السلبي حينا و الصمت و قاعة الانتظار في كثير من الاحيان الى مرحلة الفاعلية و قاعة المواجهة العقلية و العلمية و العملية مع الباطل و اهله من رهط الجهة صناع الازمة و هدر الوقت و الطاقات و تجاهل القيمة الحضارية للأرض . فالمستقبل التنموي المنشود بالجهة يصاغ من الآن و بالتحرك الفوري ، و تبقى التجارب و المقاربات كتب رهن الاشارة تستفيد منها الدولة المركزية و تراجع نفسها في تعاطيها مع الجهة بصفة خاصة و المجال بصفة عامة ، لتشحذ نفسها وتراجع ذاتها لتقوم بفن الادوار الانسانية التي تحتاج إلى فنون التعبئة والمراجعة والمواجهة. اما ان تقوم مقام المتفرج و من حين لأخر تنظيم بعض الزيارات البروتوكولية المسرحية ثم يثم شحد الاعيان و بعض وسائل الاعلام للتصفيق و اخد الصور ... ثم نتجاهل الواقع، فذلك كله ليس من صناعة المستقبل في شيء... و كما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة: لعيد العرش: « أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين... ذلك أنني، من منطلق الأمانة العظمى التي أتحملها، كملك لجميع المغاربة، أتساءل يوميا، بل في كل لحظة، وعند كل خطوة، أفكر وأتشاور قبل اتخاذ أي قرار، بخصوص قضايا الوطن والمواطنين: هل اختياراتنا صائبة ؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها ؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها ؟ أما إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق والسقوط في الغرور.ومن هنا، فإن من حقنا جميعا أن نتساءل : هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة ؟ وهل المواطن ، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية، بفضل هذه الأوراش والإصلاحات ؟ إننا بطرح هذه التساؤلات، إنما نبحث دائما عن الفعالية والنجاعة، وعن أفضل السبل، ليستفيد جميع المغاربة من مختلف المنجزات، على حد سواء ... " و هنا اريد ان اشير انه حينما اقول ان المستقبل التنموي المنشود لجهة كلميم واد نون يصاغ من الآن و بالتحرك الفوري فانا لا اقصد الدعوة الى التسرع في الانجاز و انما هي دعوة الى استعجال القيام و الخروج الى ساحة المعركة التنموية بعيدا عن ثقافة الاستسلام و الرضوخ للأمر الواقع الدي فرضه الرهط، فما عاد مقبولا الاحتجاج و القول ان فلان فعل او لوبي الرهط افسد ، فلا يمكن بعد اليوم القبول بقول: ليس لنا و لم نكن و لو انه كان لنا . و هي دعوة الى المؤسسة الملكية باعتبارها المسؤولة عن التوجيه والاشراف الاستراتيجي على كل السياسات العمومية و حماية النظام الديمقراطي و المؤسساتي الوطني وذلك من خلال العديد من الاليات الدستورية ... حيث أن المؤسسة الملكية تحظى بأجماع كل المغاربة ، و بمكانة محورية في النسيج التاريخي والاجتماعي والسياسي المغربي ، الأمر الذي يفسر ديمومتها واستمرارها كمؤسسة فاعلة متميزة ... و كذلك الى كل ساكنة الجهة دون استثناء داخل الوطن وخارجه ... ثم الحكومة و القضاء و كل هيئات المجتمع المدني... المنتخبين الوطنيين المخلصين للمشاركة كل من موقعه حتى نخرج جميعا من مرحلة الولاء الاعماء للرهط و نحن نعتقد اننا نحسن صنعا ، يجب ان نتحرك جميعا من اليوم بعيدا عن كل اثار الماضي المصطنع ، ماضي لوبي الظلم و الرهط .يجب ان نتحرك بكل استقلالية مصدقا لقوله تعالى في سورة النحل الآية 75 : " ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ". و"العبد " هنا صفة أبقت له نوعاً من التصرف في أن يخدم نفسه بعد أن يخدم سيده، اما "مملوك" فقد ألغت إمكانية الخدمة الذاتية وأبقت جوانب الاستفادة من خدمة السيد لتحقيق بعض المصالح الشخصية، "لا يقدر على شيء" أغلقت الباب تماماً، وجعلت الرِّق كلياً وشمولياً بحيث لا يمكن للعبد أن يخدم في كل حركاته إلا السيد، "الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"، هي الشهادة الإلهية بغياب العلم عند غياب الوعي بأهمية الإنفاق من الرزق الحسن لإزالة كل أثر للعبودية، والرِّق المفتقد للقدرة.و هده المقارنة الالهية في القران بين صنفين من الناس لم تأتِ عبثاً ، و انما اراد العلي القدير ان يؤكد ان القوة الوحيدة المؤهلة لمواجهة قوى الظلم هي تلك المتصفة بثقافة العلم و الانفاق و الحرية ،أما أولئك المنغمسون في العبودية لذاتهم او لشهواتهم أو لغيرهم أو مملوكين للأخرين وعديم القدرة فلا تغيير يرجى منهم و لا مستقبل . و مثلهم كمثل من قال عنهم تعالى : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِيْ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ" و ادا كان الله تعالى تحدث في المثل الأول عن فاقد القدرة و الحركة ، فانه في هذه الآية يتحدث عن فاقد التعبير ، لأنه أبكم لا يستطيع الجهر بما يريد أو بما يعانيه، فاقد القدرة "لا يقدر على شيء" عديم المنفعة وعديم الفائدة "كَلّ على مولاه" ونحن هنا أمام مستويات عليا من الرِّق؛ فالإنسان يمتاز بقبوله وشوقه للرِّق مع زهد سيده فيه لكلفته وعدم منفعته. خلاصة الامر في هاتين الآيتين ان غياب العدل " القانون " و استفحال الاستبداد و الظلم يصيب المجتمع بالبكم، وهو أول صفة جاءت في الآية، والعلاقة واضحة في الآيات في المقابلة بين العدل وبين البكم، لأن المجتمع الدي يتطور فيه الاستبداد ويكون فيه ظلم اجتماعي يصاب بالبكم ، فلا يستطيع الكلام، وحتى إذا تكلم لا يُسمع له، فهو في حكم الأبكم. وختاما أقول لكل ساكنة جهة كلميم واد نون إن هناك سوء تدبير و تسيير وولوعاً بالتخدير، لكن كيف الخروج من ذلك؟ الخروج يكون بالاهتمام بأصوات التغيير على مختلف ميولتها الثقافية والفكرية والعلمية و المجالية الموجودة بالجهة وفي خارجها ؛ فالراشد من أصوات التغيير ينبغي أن يحفظ، والقاصر منها ينبغي أن يُرشَّد، والمعوج منها ينبغي أن يُقوَّم والغائب منها ينبغي أن يوجد . اما الرهط فزمنهم سائر نحو الانهيار و فيهم يحق القول ان مثل رهط جهة كلميم واد نون كمثل ابو رغال دلّ أبرهة على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمغمس ، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك مهجورا في صحراء قاحلة فَرَجَمَت قبرَه . شخص لا قيمة له نفعي ولو على حساب قومه ... ولو على حساب بيت مقدس . شخص ليس لديه مبدأ، النفع والمصلحة الشخصية عنده فوق كل اعتبار. دلّ العدو على عورات قومه !دلّ عدوّه على الطريق إلى مكة. مات أبو رغال...وتلاشَتْ فقاعته وبقي له سوء الذِّكر مسطور مزبور في كُتب التاريخ . مات عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بأبو لهب .. حامل لواء الباطل ضد الحق ومات أحمد بن حنبل رحمه الله . فالأول زَبَدٌ تلاشى والثاني سَيلٌ نفع الله به، كم ورّث من عِلم ؟ وكم تَرَك من قول ؟ وكم خلّف من حِكمة ؟ فيا بُعد ما بين الرَّجُلَين ! الدنيا كلّها تعرِف من هو أحمد بن حنبل و تذكره بكل خير ! ولكن من يدكر عن ابي لهب خيرا ؟ سائِل الدنيا ... واسأل التاريخ . ففي التاريخ مُعتَبَر ، وفي الأيام مُدَّكَر يا رهط جهة كلميم واد نون و رهط الوطن بصفة عامة . * باحث في تاريخ الجنوب المغربي و السياسات التنموية مستشار جماعي بجماعة افران الاطلس الصغير – اقليمكلميم عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم و الاشتراكية