تنطلق اليوم بالعاصمة الجزائرية، وعلى مدار يومين، أشغال المنتدى الإفريقي الأول للاستثمار والأعمال، وهوالحدث الاقتصادي المهم الذي ترمي الدولة الجزائرية بكامل ثقلها من أجل إنجاحه، ويُرتقب أن يشارك أكثر من 2000 متعامل اقتصادي من شتى القطاعات والمجالات حسب تصريحاتٍ أدلى بها وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة. هذا الأخير أكد أن عقد المنتدى يأتي كتتويج لمسعى بلاده في التوجه نحوإفريقيا التي “تملك مزايا توفرها لمن لديه الشجاعة والإرادة للتوجه إليها والجزائر أكبر بلد إفريقي وعربي تعد جزء لا يتجزأ من إفريقيا ومن مصيرها”. وبناءً على هذه المقومات لا يرى المسؤولون الجزائريون أي مبرر لغياب بلادهم عن الاستثمار والتمدد في افريقيا واستغلال الفرص التي تتيحها اسواقها. حيث لا تمثل مبادلات الجزائر مع دول القارة الإفريقية سوى 1.5% من مجموع المبادلات التجارية الخارجية، وتعول الجزائر على هذا المنتدى لرفع نسبة المبادلات التجارية مع القارة مستغلة موقعها السياسي والجغرافي كأكبر بلد في افريقيا وحضورها الدبلوماسي الوازن في مختلف هياكل الاتحاد الافريقي. ولأجل ذلك التوجه كانت الجزائر قد وضعت اللبنات الاساسية لتعزيز موقعها الاستثماري والدبلوماسي بالقارة السمراء وكذا تموقع شركاتها، حيث يأتي بناء ميناء تيبارة التجاري (70 كلم غرب العاصمة الجزائرية) كتتويج لهذا المسعى. هذه المنشأة الحيوية، التي تقدر تكلفة انجازها ب 3.3 مليار دولار، يُنتظر أن تساعد، حسب خبراء اقتصاديين جزائريين، البلدان الافريقية التي لا تملك موارد لانجاز بناها التحتية في أقاليمها وفتح أروقة لها من اجل نقل البضائع وتنظيم مناطق الموانئ الخاصة للحمولات الكبرى والقواعد اللوجيستيكية، اضافة الى نقل الخبرات اليها. هذا ناهيك عن دور هذا المشروع في تحقيق الاندماج الاقتصادي الافريقي. وهوما ذهب إليه وزير الخارجية الجزائري بقوله أن بلاده تدرس إمكانية التقرب من السوق المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية، مع إمكانية فتح منطقة حرة للتبادل التجاري مع افريقيا. وفصّل لعمامرة في استراتيجية بلاده قائلاً أنه “في مستقبل غير بعيد سنتفاوض حول اتفاقاتنا التجارية بشأن ماليوالنيجر وكذا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”. وتقود هذه الاستراتيجية شركات جزائرية رائدة في مجالاتها، حيث سيتم خلال اشغال المنتدى فتح مفاوضات رسمية لنقل استثمارات جزائرية لشركات عمومية مثل سونالغاز، اتصالات الجزائر، الخطوط الجوية الجزائرية للدول الافريقية، إضافة إلى استثمارات عملاق النفط الجزائري سوناطراك، الذي تتواجد استثماراته في كل من النيجر، تشاد، موزمبيق، ليبيا وزمبابوي. والحال نفسه ينطبق على القطاع الخاص مثل مجمع سيفيتال ورائد التكنولوجيا كوندور. ومن بين مشاريع البنى التحتية التي تعول الجزائر عليها في هذا المسعى، نجد الطريق العابر للصحراء الرابط بين الجزائر ولاغوس الممتد على طول 9400 كلم، وهوالمشروع الذي يجسد التكامل الافريقي بربطبه بين سبعة دول افريقية هي الجزائر، مالي، تونس، تشاد، نيجيريا، بوركينا فاصووالنيجر. هذه الاخيرة التي تكفلت الجزائر بتمويل وانجاز الشطر الخاص بها من الطريق والبالغ 230 كلم، وهوآخر شطر لم ينجز بعد. الى ذلك، تعول الجزائر ايضاً على مشروع أنبوب غاز غرب أفريقيا “نيغال”، الذي يمتد من نيجيريا إلى الجزائر مرورا بالعديد من دول غرب أفريقيا ومنها إلى سينقل الغاز الى أوروبا، ويتوقع أن تصل تكلفته الإجمالية حدود ال 20 مليار دولار، وينتظر ان ينقل 28 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الى القارة العجوز. هذا المشروع الممتد على أكثر من 4128 كم واجه تنفيذه صعوبات مالية منذ الاعلان عنه ستة 2002 بسبب تكلفته المرتفعة وانخفاض اسعار النفط. وفي نيجيريا دائماً، يتواجد الملك المغربي محمد السادس منذ الخميس الماضي في إطار زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه الحكم قبل 18 سنة. وبخصوص هذه الزيارة تشير الصحافة المغربية أن العاهل المغربي وقع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، مشيرةً الى أن المغرب استغل صعوبات التمويل التي يواجهها مشروع “نيغال” من اجل التقدم بمقترح تحويل الانبوب من الجزائر الى المغرب، وتنقل الصحافة المغربية عن وزير الخارجية النيجيري جوفري أونياما، قوله أن مشروع بناء أنبوب ناقل للغار الموجه الى اوروبا ويربط بين المغرب ونيجيريا سيكون على طاولة النقاش بين ملك المغرب والرئيس النيجيري محمد بخاري. وكانت العلاقات بين الرباط وابوجا قد ساءت طيلة العقود الاخيرة، وذلك راجع الى اعتراف نيجيريا بالدولة الصحراوية شهر نوفمبر 1984. وتعد نيجيريا المحطة الثالثة في إطار جولة افريقية مكوكية يقودها الملك المغربي زار خلالها أثيوبيا ومدغشقر وستكون كينيا محطته الأخيرة. الى ذلك كان العاهل المغربي قد قام بزيارات مماثلة منتصف شهر اكتوبر الماضي قادته الى دول شرق أفريقيا، بعضها يحل بها للمرة الاولى كرواندا مثلاً وامتدت الزيارة لتشمل تنزانيا وأيضًا. ورغم أن الهدف المعلن من هذه الجولات حسب المسؤولين المغاربة هوحشد الدعم السياسي لقرار المغرب العودة الى الاتحاد الافريقي بعدما انسحب من منظمة الوحدة الأفريقية في سبتمبر 1984 احتجاجًا على قبول المنظمة عضوية الصحراء الغربية كدولة مؤسسة، غير أن مراقبين يربطون بينها وبين التنافس الحاد بين الجزائر والمغرب لبسط النفوذ في القارة الافريقية، فإذا كانت الجزائر، حسب الخبراء، قد نظمت الطبعة الأولى من المنتدى الإفريقي للاستثمار والأعمال بمشاركة 2.000 شركة ومتعامل اقتصادي أغلبهم من إفريقيا من اجل ترسيخ مسعى الولوج الى اسواق القارة السمراء، فإن المغرب هوالآخر يسارع الى مزاحمة الجزائر وبسط نفوذه الاقتصادي في افريقيا، حيث وقع اتفاقية مع إثيوبيا خلال زيارة الملك محمد السادس إليها يتعهد بموجبها ببناء مصنع لإنتاج الأسمدة بقيمة 3.7 مليار دولار، ناهيك عن توقيعه برواندا على 23 اتفاقية بينها بناء مصنع لمزج الاسمدة، كما وقع 22 اتفاقية تعاون مع مدغشقر منتصف شهر نوفمبر المنصرم. ويعد الاقتصاد مدخلاً للبلدين لتعزيز تواجدهما في افريقيا وبسط نفوذ كل منها في القارة السمراء التي أضحت ساحة جديدة للصراع بين البلدين الغريمين. وتحاول الرباط جاهدةً إعادة ترميم علاقاتها المتوترة مع بعض الدول الافريقية النافذة مثل جنوب افريقيا، نيجيريا، أوغانا بسبب ربط هذه الدول علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مع الجمهورية الصحراوية. في الوقت ذاته، تستغل الجزائر علاقاتها الواسع مع مختلف البلدان الافريقية وحضورها الدبلوماسي الوازن في مختلف هياكل الاتحاد القاري ونسجها لتحالفات استراتيجية مع البلدان النافذة في القارة على غرار جنوب افريقيا ونيجيريا. وتقابل الجولات المكوكية التي يقودها ملك المغرب بنفسه الى بلدان افريقية، بعثات حكومية أوفدتها الجزائر الى مختلف دول القارة، بعضها برئاسة رئيس الوزراء عبد المالك سلال، وأخرى تولاها وزراء وفاعلون اقتصاديون. وإن كانت الجزائر تتفوق على المغرب من خلال اريحية وجودها في مختلف مفاصل صنع القرار الافريقي غير أن الدبلوماسية المغربية تبدومستعدة لتجاوز مواقف بعض الدول من قضية الصحراء الغربية وربطها علاقات دبلوماسية معها، وبذلك يحتدم التنافس بينهما من أجل بسط النفوذ في القارة السمراء ويزداد ويشتد ضمن مخططات انتشار تبدوغير قابلة للتراجع يزاحم من خلالها كل بلد الآخر في مختلف مناطق القارة.