مرّ الربيع العربي وتجاوز المغرب، واستبشر المغاربة بالتحول السياسي السلمي خيرا، وتنفسوا الصعداء... مرحلة أغرت بالتغيير وفق شعارات جميلة لو نُفّذت، كان أشهرها: إسقاط الفساد والاستبداد، وربط المسؤولية بالمحاسبة. إلا أنّ رئيس الحكومة السيّد عبد الإله بنكيران، والعديد من المحلّلين السياسيّين، يرون في "التحكم السياسي"، وهو المصطلح الذي بات متداولا بعمق في المشهد السياسي المغربي، عوامل قد تدفع باتجاه عرقلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي في المغرب. وتتضح تجليات "التحكّم والسلطوية" حسب القائلين بهما، في كون الحكومة المنتخبة من الشعب، تعيش في مواجهات مع مؤسّسات وأجهزة الدولة!... الأمر الذي يدعو إلى القلق الشديد، إذ لا يمكن بحال من الأحوال تصور بناء ديمقراطي حرّ ونزيه، ما لم تُحترَم إرادة الناخب المغربي المتعطش للمنظومة الديمقراطية الحقة، ولا يقبل بتهميش الحكومة التي صوّتت لها وارتضتها جهة شرعية وحيدة تمثل الحق في المطالبة باستئناف الإصلاح السياسي الذي بدا على مشهده التعثر والتوثر. تعد سنة 2011، وما تمخض عنها من حراك سياسي، بدءا بحراك 20 فبراير، ومرورا بمحطات غاية في الأهميّة، لعل أبرزها خطاب الملك الشهير المؤرخ في 9 مارس، الذي اعتبر استجابة استباقية متطورة من الملك محمد السادس لمطالب الشارع المغربي، فقد نتج عنه دستور جديد، جاء نتاجا لمقاربة تشاركية وتوافقية في آن واحد، مرّ بالضرورة على جسر جلّ الفاعلين السياسيّين وغيرهم من قوى المجتمع المغربي المؤثر، ليحظى بأغلبيّة ساحقة بلغت حدّ في 98 %، في استفتاء فاتح يوليو من نفس العام، ليتوج العمل والجهد بانتخابات مبكرة، أفرزت حكومة جديدة بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي يعرف نفسه ب"حزب سياسي وطني منفتح، يعمل انطلاقا من المرجعيّة الإسلامية السنيّة، في إطار الملكيّة الدستوريّة للمملكة المغربيّة القائمة على إمارة المؤمنين"...
كان الدستور الجديد قمّة في الرقيّ والتقدّم، غير أنّ كثيرا من بنوده الراقيّة بقيت حبرًا على ورق، ولم تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، ليظل في نظر المحللين ناقصا من حيث ترجمته وتنزيله، وخاصّة من حيث تنضيج التعامل مع حق مغاربة العالم في المشاركة السياسية تصويتا وترشيحا، انطلاقا من بلدان الإقامة، أسوة بالعديد من الدول التي تجاوزت هذا الكابوس، خصوصا ونحن قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات التشريعية... إن تباطأ كل من المؤسسة البرلمانية والحكومة في عملية تنزيل بنود الدستور كاملة، يطرح باستغراب أكثر من تساؤل حول التلكؤ في القيام بكافة الصلاحيات الممنوحة من الدستور الجديد للجهتين "الحكومة والبرلمان" المعنيين بالأمر، وهو ما يجعل المشهد السياسي المغربي مرتبكا ومتوترا... ويجعل فرحة المغاربة، وخاصة مغاربة العالم غير مكتملة!...