بقلم : احمد ادريدار - دكتور في علم السياسة و القانون الدستوري لقد بدا واضحا أن قضية الصحراء المغربية أخذت تنحو منحى التعولم ، و ذلك بالنظر إلى الأحداث الجد متقدمة التي عرفتها إذا ما تم قراءتها قراءة سياسية و قانونية حديثة ، تعتبر كل الانزلاقات و التعثرات غير ملزمة و غير مؤثرة على مسار الملف. و ننطلق في تحليلنا من قرار مجلس الامن رقم 1783 بتاريخ 2007 ، الذي وصف المبادرة المغربية (الحكم الذاتي ) بالجدية و المصداقية الرامية الى المضي قدما بالعملية صوب التسوية ، و هو تقدم جاء بعد مجموعة من التعثرات التي عرفها الملف ، و في مقدمتها استعراض الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان في تقريره المقدم في 20 فبراير 2002 أربع خيارات للتسوية و هي خيار الاستفتاء الذي أصبح متجاوزا و خيار التقسيم الذي يعبر عن عدم وجود أسس قوية لمطالب الخصم (الجبهة الوهمية) و خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية و خيار سحب البعثة الاممية من الصحراء ، و قبل هذا الحدث كان قد تقدم المبعوث الأممي جيمس بيكر سنة 2003 باقتراح (اتفاقية الاطار) الذي يختتم بموجبه الحل السياسي بالاستفتاء بعد مرور خمس سنوات ،قبل أن تخلص الاممالمتحدة الى استحالة تطبيق الاستفتاء ، على غرار مخطط بيكر الاول المؤسس على استقلال موسع للصحراء المغربية تحت سيادة المملكة المغربية و هو الحل الذي رفضته الجبهة الوهمية و الجزائر من خلال مذكرة وجهتها الى الامين العام للأمم المتحدة التي تضمنها تقريره عدد 41/2002/S و هو السبب الذي أدى بالأمين العام للأمم المتحدة الى اقتراح الخيارات الاربعة السالفة الذكر ،الشيء الذي يوضح بجلاء أن الخصم المدفوع من طرف الجزائر لا يتوانى في تسخير كل جهوده الداخلية و الخارجية لنسف أي حل يلمس فيه الواقعية. لذلك فنحن كمحللين سياسيين لا نرى في انزلاقات بان كي مون أي تأثير على مسار الملف لأن الواقعية المتعولمة لهذا الاخير أصبحت جد قوية مدعمة بالتاريخ الانثربولوجي للمجتمع الصحراوي المغربي الذي تربطه منذ قرون هو و الارض الصحراوية بالملوك المغاربة رابطة الولاء التي ترجع حسب التاريخ الجيو سياسي إلى القرن الثامن الميلادي مرورا بدولة المرابطين و السعديين و التي كانت منطقة الصحراء المغربية ضمن نفوذها ، وصولا إلى سنة 1906 التي قاد فيها الشيخ ماء العينين وفودا من الصحراء للقاء السلطان مولاي عبد العزيز من أجل دعمهم في مقاومة المستعمر ، ضف إلى ذلك أن هذا المجتمع مكون من قبائل منتشرة بجميع ربوع الصحراء المغربية بل و حتى بالمناطق الشمالية و الغربية و الشرقية من المغرب ، و ليس فقط في المناطق التي يطالب بها الخصم ، و هو المعطى الذي يفسر استحالة تطبيق الاستفتاء بسبب شمولية المكون الصحراوي المغربي ، و هذا ما لامسناه حين انخراطنا في عملية التأطير من أجل تحديد الهوية المتعلقة بالاستفتاء التأكيدي عام 1995 بمدينة كلميم باب الصحراء قبل أن يتم تجميدها في 22 دجنبر 1995. و توالت سلسة أحداث الملف حين اعترض المغرب سنة 2003 على خطة السلام المقترحة من طرف المبعوث الشخصي جيمس بيكر و التي ارتكزت على الاستفتاء المحدد لوضعية الصحراء على أساس اعطاء الاولوية لتقرير المصير بدل حل سياسي يرتكز اليه تقرير المصير ، و في رأينا و من وجهة القانون الدولي فان هناك سابق اعتراف تاريخي و مؤسساتي (حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي سنة 1975) بالسيادة المغربية على الصحراء ، و بالتالي لا داعي لإعادة طرح (حق تقرير المصير) مرة أخرى ، كما أن الجبهة الوهمية أصبحت مدرجة في خانة المنظمات الارهابية ، اذا ما نظرنا الى المكون البشري لمجموع الخلايا الارهابية المنطلقة من الجزائر و منطقة الساحل الافريقي و كذا الى انكشاف الاتفاق الذي سبق و أن أبرم بين النظام الجزائري و الارهابي المختار بلمختار القيادي ( في تنظيم القاعدة بالمغرب العربي ) و هو ما كشفت عنه وثائق (ويكيليكس) و مضمون الاتفاق عدم ضرب المناطق الجزائرية و استهداف الحدود المالية و المصالح المغربية ، قبل أن يتدارك الجيش الجزائري المتورط خطورة الاتفاق و يتم الاخلال به ، و هو ما اتضح خلال عمليتي استهداف المنشأة النفطية في عين أمناس 2013 و الهجوم مؤخرا على محطة للغاز قرب غرداية يوم الجمعة 18 مارس 2016. و بالرجوع إلى سنة 2008 نجد المبعوث الأممي فالسوم كان قد وصف خيار الاستقلال بغير الواقعي ، وهو الموقف الذي اعتبره المغرب بالشجاع. و في سنة 2009 عرف الملف بعض الانزلاقات التي ارتكبها المبعوث الأممي كريستوفر روس الذي كان قد عمل سفيرا للولايات المتحدةالامريكيةبالجزائر و ذلك بانحيازه للموقف الإنفصالي ، و هو الذي حاول بكل جهده حشر مسألة حقوق الانسان في تقرير الامين العام سنة 2012 ، وكانت إشارة محتشمة و ذلك بالقول بأن (مخاوف حقوق الانسان لازالت مثارة في المنطقة ) ، كما عمل مجلس الامن سنة 2012 في قراره عدد 2044 على الاحاطة علما بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي جد متقدم منوها بعمل لجنتي المجلس الوطني لحقوق الانسان بمدينتي الداخلة و العيون ، و هو انتصار عبرت عنه مؤخرا و بالضبط يوم 23 مارس 2016 خمسة عشر دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حين صوتت لصالح مبادرة الحكم الذاتي ، متصدية بالتالي لكل التشويشات الشخصية الصادرة عن بان كي مون و المدفوع من طرف الجزائر المهووسة بقيادة منطقة المغرب العربي مثلها مثل ليبيا على عهد القدافي الذي كان هو الآخر مهووسا بقيادة افريقيا قبل أن يلقى هو و دولته المصير السيء. و أمام فشل الخصوم عملوا أواخر 2015 على حشد و تعبئة بعض البرلمانيين في السويد للاعتراف بالجبهة الوهمية ، قبل أن تعمل الدبلوماسية المغربية على فضح مناوراتهم و التعرية واقع المحتجزين هناك ، و بالتالي الضغط على الخارجية السويدية لمراجعة موقفها. انزلاق أخر عرفته المحكمة الاوربية التي اصدرت اواخر 2015 حكما قضائيا يقضي بالغاء اتفاقية الفلاحة و الصيد البحري المبرمة بين الاتحاد الاوربي و المغرب و استثناء الاقاليم الجنوبية من أي اتفاقية مستقبلية و تم استئناف الحكم ، مع توتر العلاقة بين المغرب و الاتحاد الاوربي قبل أن تعود مرة أخرى ، حيث تشبث هذا الأخير بعلاقته مع المغرب كشريك اساسي في جميع المجالات و على رأسها المجال الامني المخابراتي الذي تقدم بشكل ملموس في المغرب إلى درجة طلب التعاون المغربي في هذا المجال عقب أحداث باريس و بروكسيل الارهابية. أما بخصوص الانزلاق الاخير للامين العام بان كي مون فانه عديم التأثير على المسار القانوني للملف و كذا على قرارات مجلس الامن الذي لم يستجب لضغوطاته و عبر عن قلقه بشأن هذه التطورات و حث على أهمية معالجة المشكل بأسلوب شامل و متعاون مع كل ملابساته ، و هذا ما يوضح أن مجلس الامن تعامل مع المشكل كتهور شخصي لأكبر موظف اداري في منظمة الاممالمتحدة ( المادة 97 من ميثاق الهيئة ) ، و الذي خرق المادة 100 من الميثاق التي تمنعه من القيام بأي عمل يسيء لمركزه و هو الخطأ الذي تداركه حينما قال المتحدث الرسمي باسمه استيفان دوغريك يوم 28/03/2016 بأن بان كي مون يؤكد أن كلمة (الاحتلال) التي استخدمها كانت عفوية و لم تكن متعمدة بالمرة متأسفا في نفس الوقت من سوء فهمها مؤكدا احتفاظه بحياده ازاء الملف. كل هذا و ذاك يعتبر في رأينا مؤشرا قويا على انهزام خصوم الوحدة الترابية و عدم توفر الجزائر على مقومات الدولة المتعولمة ، مما يجعلها و محضونتها الجبهة الوهمية وراء التاريخ ، لأنه اليوم أصبح من غير المنطقي أن ينجر العالم و على رأسه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، و التي تساند كلها مبادرة الحكم الذاتي وراء اطروحة ( تقرير المصير) التي تجاوزها التاريخ و وراء دولة كالجزائر التي لازالت تتخبط في العديد من المشاكل الاجتماعية و السياسية ، و تعتبر جل مناطقها الجبلية مرتعا خصبا لجل الخلايا الإرهابية ، و هي الدولة التي ورطت نفسها في قضية الصحراء المغربية ، و جعلت من المكون البشري للجبهة الوهمية خليطا متنوعا من جميع الأجناس ، لا تشكل فيه القبائل الصحراوية إلا نسبة قليلة ، مما يجعلها ترفض دائما إحصاء المحتجزين هناك حتى لا ينفضح أمرها و مصير الاعانات الغدائية و المالية الموجهة لهم.