أولا: ينبغي علينا تحديد معنى الدجالي، نسبةً إلى الدجال؛ والذي ليس إلا من ينوب عن الشيطان، في مرتبة من المراتب. وإذا عرفنا هذا، فهل يسوغ لنا أن نشك في كون الإسلاميين دجاليين؟.. أليس في هذا تجنٍّ عليهم، وغمط لكل ما قدموه للأمة؟.. ثانيا: لا بد أن نذكر أننا لا نقصد الإسلاميين كلهم فردا فردا؛ لأن هذا يكون تجنيا بالفعل، ويكون ظلما لشدّما نفر منه. ومن نقصدهم من الإسلاميين، هم بعض القيادات على الخصوص، وبعض الأتباع؛ بالإضافة إلى التوجه العام الذي قد ينحرف إلى ما يعاكس الشريعة، من دون أن يشعر بذلك أصحابه. نعني بهذا كله، أن الانحراف قد يصيب الإسلاميين، وقد لا يصيبهم. فلا بد إذاً، من معايير نعتمدها في معرفة جميع ما ذكرنا؛ حتى نخرج من تفحُّص المسألة، إلى ما يفيد العموم بإذن الله. ثالثا: أول معيار ينبغي أن ننظر فيه، هو معيار الربانية؛ التي قلّما يتنبه إليها العاملون للإسلام، بَلْهَ غيرهم. ولا بد أيضا أن نذكر أن الربانية مجهولة حتى عند من لا يجهل مرتبتها من الدين، كعلماء الشريعة الذين يجعلونها من نصيبهم (أكابرِهم). والحقيقة أن الربانية، لا تصح إلا إن كان العبد الرباني مُخلَصا لربه. وهذا يعني أنه يُكلم الناس بربه لا بنفسه؛ مصداقا لما جاء في الحديث القدسي: «.. فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ..»[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]. فمن كان الله سمعه وبصره ويده ورجله، فلا شك أن نطقه سيكون به، كما أسلفنا. وهذه مرتبة من الدين أشار إليها الوحي، وإن كان أهل الأهواء من الفقهاء والإسلاميين يُعَمّونها على الناس، لكيلا يفقدوا وجاهتهم معها. رابعا: الربانية شرط في صحة العمل الجماعي الذي يعم الأمة، من حيث هي شرط في إمامة الناس؛ من جهة لأن هذه المرتبة لا يخلو من أهلها زمن من الأزمنة، ومن جهة أخرى، لأنها الضامنة لعدم تحريف الدين عن أصله. والإسلاميون بتجاوزهم للربانيين، يكونون قد عرضوا أنفسهم للانحراف من غير شك. قد تكون نيتهم في العمل سليمة، نعم؛ لكن هذا لا يكفي لقطع الإمداد الشيطاني عنهم. ومن هنا كان ممكنا أن يصيروا دجاليين، علموا أم لم يعلموا. وما نراه هذه الأيام، من فتنة يُصرّ عليها من يزعم أنه يخدم المسلمين، لهو من هذا الباب بلا ريب. خامسا: إن القياديين من الإسلاميين، أشد عُرضة لأن يكونوا دجاليين من عامتهم؛ ذلك لأن القياديين يختلط عليهم ما هو من أنفسهم (من عللها)، وما هو من صميم الدين. والتفريق في هذه المتاهات الباطنية، لا يستطيعه إلا الربانيون، الذين يفرون منهم، حيث كانوا يبغون الوصول إلى أغراضهم فحسب. وإن كان هذا الانحراف قد يخفى عن القيادي، فما ظنك بمقلِّده، الذي قد يتوهم فيه أنه من أهل الله المقربين. وليس المعيار هنا صبر المرء على البلاء، من قبيل ما يصيبهم من سجن وغيره، بقدر ما هو إخلاص لله في النية وفي العمل. ذلك لأن النفوس قد تتجالد في سبيل تحقيق أغراضها، أضعاف ما تصبر لله، والعبد لا يُميّز هذا من ذاك. نعني من هذا، أن من لا يصيبه بلاء ظاهر، وهو مخلص لله، خير من محتال لا يكاد يغادر السجن. سادسا: قد يصير القيادي الإسلامي من الدجاليين عن علم، إن هو انخرط في المشروع الدجالي العالمي، المراد منه التوطئة لمقدم المسيح الدجال. ولا يقع القيادي في هذه الطامة، إلا إن هو أُوقع به فيما لا يتمكن من الفكاك منه، ولا من كشفه لأتباعه. كأن يستدين من أجل مصلحة كبرى فيما يبدو، فيتبيّن أن الدائن له طرف دجالي، يهدده بفضح الأمر إن هو لم يُطع. وهذا يحدث كثيرا مع من تولى من الإسلاميين مناصب حكومية كالرئاسة والوزارة وغيرهما. كل هذا، والإسلامي من الأتباع، لا يشعر، ويواصل مناصرة ما يظنه دينا. سابعا: لا نستبعد أن يكون التنظيم العالمي للإخوان مخترَقا من قِبل الدجاليين. ذلك لأننا نراهم مستميتين في الانتصار لأيديولوجيتهم، من دون مراعاة انعكاس ذلك على الأمة وعموم المسلمين. وكأن الدين صار عندنا دينيْن، والمصلحة مصلحتيْن!.. في حين أن العامل للإسلام ينبغي -من دون ريب- أن يراعي كل المسلمين. وإن الإضرار بمسلم واحد، حريّ به أن يجعلنا نقلّب الأمر على كل وجوهه ألف مرة، قبل الإقدام. ونحن من هذا التحذير، لا نبغي الفتّ من عضُد إخواننا من الإسلاميين، بقدر ما نرمي إلى تحصينهم ضد مداخل الشيطان التي قد لا يتبيّنونها. وإن كانت الغاية بيننا وبينهم مشتركة، فلا أقل من أن يستمعوا لكلامنا، ويراجعوا أنفسهم على ضوئه ولو مرة. وأما الحساب، فعلى الله، العليم الخبير؛ الذي نرجو منه تعالى أن يتوب على المسيء منا، وأن يعيده إلى سواء السبيل. وليست العبرة بلِحىً تكسو الوجوه، ولا بشعارات تُرفع في المهرجانات الخطابية، ولا بشعائر يُمنّ بها على الله؛ ولكن بعبودية خالصة لله، تقطع عن تحكُّم إبليس وإيحائه؛ وبتواضع لعباد الله، من أجل تحقيق التعاون على إقامة أمر الله. فالأمر شركة لا استبداد فيها، يا من يزعمون القيام لإسقاط الاستبداد!..