"إشكالية السلطة ستظل مطروحة سواء حرثت الارض بالمعول او بالجرافة" -ريمون آرون- إن أسوأ شوائب تسيير وتدبير المرافق العمومية هو التسلط والانفراد بالقرار دون حسيب أو رقيب. فالعديد من الولاة والعمال والمنتخبون كفاعلون مفترضون في التنمية ابتكروا قوانينهم الخاصة ليس لجهلهم بالتشريع ونظم الحكامة المحلية بل لأجل السطو على المال العام وبأبشع الطرق" السرقة بالقانون" وينسون أنه"في جثة الميت دوما تكمن الحقيقة " والمقصود هنا بالميت الماضي، حيث يأتي المسؤول المحلي خاوي الجيوب وفي ظرف وجيز يصبح فاحش الثراء وعند المغادرة لا أحد يستفسره عما فات، وهنا تكمن المشكلة، فالسؤال عن مصدر المال ليس اتهاما بالسرقة من الناحية القانونية لأن المحاسبة مسؤولية. ارتباطا بما تقدم، فالسلطة مسألة أساسية لضبط وتمكين الحكامة الجيدة وتنفيذ البرامج التنموية الخلاقة لتعميم المنافع الاقتصادية والاجتماعية حسب الاولوية، ولكي نكون أكثر واقعية دعونا نرجع إلى الاستقالات التي تقدم بها بعض الأطر الاكفاء من ذوي الضمائر الحية احتجاجا على سوء تسيير وتدبير أجهزة الحكامة المحلية. 1) إقليم كليميم: إن المتتبع لتراشق الوالي ورئيس المجلس البلدي بالاتهامات وقت الفيضانات وشاحنات الازبال التي تحمل الاموات والتهرب من المسؤولية بشكل مقرف"كثرة الويل تظكح" عوض التعاون وقت الازمة، تم نسيان أرياف كليميم ليومين كاملين تحت رحمة السيول وهي الاماكن الاكثر تضررا. كل هذا التجاذب السلبي وقت الفاجعة كان من الاسباب الرئيسية التي جعلت الاعلامي بالقناة الاولى السيد جبار عبد الغني المفعم بروح المسؤولية أن يقدم استقالته احتجاجا على سوء تعاطي القناة في اليوم الاول مع الكارثة. والظاهر ان لكل من الوالي ورئيس المجلس البلدي تشريعه الخاص ،دويلات وسطة الإقليم الواحد ولا أحد من الاثنين استطاع ترك الانانية ولو لوقت وجيز عند حدوث فيضانات نشرت بياناتها الانذارية بشكل كان من الممكن معه تفادي الخسائر. 2) إقليم بوجدور: فعامل إقليم بوجدور هو الآخر له قانونه ونظمه المبتكرة الخاصة بالصفقات العمومية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ضاربا عرض الحائط ثوابت هذا الورش الملكي المتمثلة أساسا في محاربة الفقر والهشاشة بصفة أولية مما كان سببا رئيسا في دفع السيد: حمدا الناجم إلى تقديم استقالته بصفته رئيسا لقسم الشؤون القروية واطارا مكلفا بتتبع وتقييم المشاريع المبرمجة في هذا الورش الملكي. بحيث قام عامل الاقليم في الاجتماعين الاخيرين الخاصين بالمبادرة الوطنية بالتلاعب بمضامين و توصيات تقارير الإفتحاص المنجزة من طرف المفتشية العامة لوزارة المالية و المفتشية العامة للإدارة الترابية لوزارة الداخلية. على إثر ذلك مررتدليسا لأجهزة الحكامة توجيهات و توصيات مفبركة لا تمت بصلة لقوانين المبادرة ،كما سن هذا العامل معايير جديدة لمحاربة الفقر و الهشاشة متعمدا الخلط بين مسطرة تمويل و انتقاء المشاريع المدرة للدخل و مسطرة تمويل التنشيط الثقافي و الرياضي و الاجتماعي بحيث أصبح من الممكن للأشخاص الذين يتقاضون بطاقات الانعاش الوطني(1995 درهم) ان تمول مشاريعهم المدرة للدخل تجاوزا لدليل مساطر هذا الصنف من المشاريع لأن الفئة المذكورة (مستخدمي الانعاش الوطني) مأجورة في القطاع العام. ورغم رفض بعض اعضاء اللجنة لهذا الحيف والتلاعب فقد أصر عامل الاقليم على مساطيره الجديدة مدعيا ان ما كان معمول به سابقا ما هو ألا اجتهادات بعض الاطر ويمكن التخلي عنه بكل سهولة. وفيما يخص محاربة الهشاشة، فقد اضاف عامل الاقليم دون حسيب او رقيب الفئة الحادية عشرة والمتمثلة في زوجات الموظفين، فوداعا لتكافئ الفرص والتوزيع العادل للثروة. أما فئة النساء في وضعية صعبة ففي نظر عامل بوجدور فتمويل مشاريعها من ضمن اختصاصات التعاون الوطني ولا صلة للمبادرة بذلك. 3) إقليمسيدي إفني: فور تسجيل تقاعس وإهمال السلطات الاقليمية بسيدي إفني كمنطقة جد متضررة بالفيضانات سارع العديد من المنتخبين الاكفاء من ذوي الضمائر الحية إلى تقديم اسقالتهم احتجاجا على بطء التدخل لإغاثة المنكوبين وفك العزلة عنهم. هذه الظروف القاسية التي مرت بها الساكنة دفعت جالية الاقليم بدولة الإمارات إلى ان تتقدم بشكاية مباشرة لجلالة الملك فأصدرتعليماته الاستعجالية كعادته حفظه الله فسطرت برامج الاغاثة والسلطات الاقليمية لازالت في دارغفلون.أين كانت السلطات وقت الحادثة ? ربما كانوا ينتظرون سقوط المزيد من الضحايا. العار، العار، العاروالعمال والمنتخبون لا يتدخلون لحل مشاكل الساكنة والاعتناء بهمومها إلا إذا كانت بقرة حلوب. انطلاقا مما تقدم آن الأوان لوزارة الداخلية ان تتخلى عن غض الطرف عن هذه الممارسات المهينة للسكان بهدر المال العام وخرق القانون دون حساب وإلا ستنتشر قوانين مقاطعة ساكسونيا في القرون الوسطى بحيث كانت القوانين الجزائية تطبق فقط على الفقراء أما الإقطاعيون والنبلاء فلهم كامل الحق في الإفلات من العقاب والمحاسبة.