غريب أمر مؤسسات المجتمع المدني هنا في كلميم خاصة منها الهيئات الحقوقية أو التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان ذلك المبدأ الكوني الذي صار يتشدق به كل من هب ودب فصار الملاذ الأخير لكل »مناضل استنفذ جميع أوراقه النضالية دون جدوى اللجوء إلى تأسيس جمعية أو هيئة أو جبهة أو تنسيقية والعبرة في الأسماء لا في المسميات كما يقول أبي حامد الغزالي- فتشترك كلها في شعار حقوق الإنسان فصار المذهب الكوني الذي له صبغة دولية و عالمية قزما لا يبرح حتى سطور القانون الأساسي للجمعية أو الهيئة فاختلط السياسي بالقانوني والإعلامي بالدعائي والحزبي بالجمعوي. إن المستنقع الكبير الذي سقطت فيه الهيئات الحقوقية المحلية هي ضربها لمبدأ الاستقلالية عرض الحائط فأصبحت أجندتها تخضع لحسابات سياسوية وفئوية وشخصانية ضيقة تذكي النعرات الطائفية والقبلية بدل المواطنة والدولة القومية وتنشر خطاب التصنيف والتفرقة بدل خطاب الاتفاق والتعميم فصرنا نسمع خطاب هذه الجمعية هو نفسه ما نسمعه عند تلك الهيئة أو تلك الجبهة فصمت أذننا نفس الشعارات و نفس الألفاظ والكلمات وكأنك أمام خطاب لتلاميذ لقن لهم أستاذ واحد دروسا في فن الخطابة والتعبير عن حقوق الإنسان أكثر من ذلك فنفس الوجوه والأشخاص تجدهم يتصدرون الصفوف الأولى في نفس الموضوع وبنفس الألفاظ والكلمات. هذا التكاثر الملفت للجمعيات والهيئات الحقوقية في ظل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مدينة كلميم ليست بالضرورة مؤشرا عن الجودة وتحقيق الأهداف الحقوقية لان المسألة الحقوقية بعيدة كل البعد عن مسألة الكم والعدد إنما هي مسألة تعايش يومي وآني مع المواطن وهمومه وحركية النظام السياسي في جدليته مع مطالب المواطنين فما يمكن أن تحققه جمعية واحدة لها إستراتجية وأهداف واقعية وبرنامج سنوي محدد قد لا تحققه أربعين جمعية تحمل معها نفس الشعار والأهداف وهو ما يساهم في تبديد الطاقات وضياع المجهودات وبالتالي ضياع الحقوق والمطالبة بها، لتبقى الهيئة في الأخير جسم بدون روح. إن المعيار الوحيد الذي يجب أن يقاس به نشاط هذه الجمعيات هو مدى مصداقيتها واستقلالها لا أن يتحول أداؤها إلى مجرد ديكور يؤثث المشهد والخطاب السياسي الرسمي والحزبي مستعينة في ذلك بالتضخيم المفاهمي الذي يفرضه الخطاب الحذاثي والتقدمي واليساري أحيانا كمبدأي المواطنة وحقوق الإنسان .إننا والحال هذه أمام مفارقة غريبة لدور الهيئات الحقوقية من معارضة للخطاب السياسي السائد إلى إعادة إنتاج نفس الخطاب لكن بآليات مختلفة وفي قالب حقوقي يكرس الانفرادية في التحرك والمنافسة على إعادة الإنتاج عوض التنافس في إنتاج الخطاب واستقلاليته، فلا تكاد تجد نشاطا لجمعية آو هيئة حقوقية إلا وهو مرتبط بحدث سياسي معين فلا نتحدث عن حرية الرأي إلا عندما تتم متابعة صحفي أو إعلامي ولا نتحدث عن الحق في التشغيل إلا عندما يتم الهجوم عن تظاهرة للمعطلين وهكذا أصبحت الحقوق والمطالبة بها مسألة مناسبتية تنتهي بانتهاء السبب الذي كان وراءها وكثيرا ما تكون هناك تسويات لملفات حقوقية محضة بمفاوضات وصفقات سياسية ينتهي بها الموضوع لكننا لا نضمن رجوع نفس الموضوع بطريقة و ظروف أخرى. هذه الصفقات والتسويات تكون مناسبة يستغلها الخطاب السياسي لخدمة مصالحه الإيديولوجية وأهدافه الإستراتجية وإبقاء الهيئات الحقوقية تحت السيطرة في ظل غياب ثقافة مجتمعية تنبني على أسس من الديمقراطية والاستقلالية ذلك أن الفرد في مجتمعنا جبل على ثقافة الخضوع وازداد ونما في بنية "بطركية " كرست مبدأ الغلبة والتسلط وثقافة الرعي وما تفرزه من الإتكالية وكره للخضوع مع مسايرته حرصا على العلاقات الاجتماعية التي أساسها الحفاظ على رأسمال رمزي وليس تبادل المصالح المادية والأهداف الاقتصادية. إن من أولويات العمل الحقوقي بكلميم وقبل الحديث عن مطالب الساكنة والمواطنين هو إعادة الاعتبار للمجتمع المدني ككيان يشمل كل الأندية والجمعيات والنقابات والأحزاب والصحافة....دون إقصاء وتمييز ودون تصنيف بناء على معايير كلاسيكسية وقديمة مما سيساعد في نمو مفهوم المواطنة وإحساس الفرد بذاته وبحقوقه وواجباته وانخراطه في العملية العامة والشاملة ألا وهي عملية البناء المجتمعية بعيدا عن الاصطفاف وراء شخص أو هيئة أو إدارة أو كيان.