لا يستطيع أحد أن يشك في مسلمة هي أن اقتصاد الريع يقتل التنافسية ويقضي على روح المبادرة في الإنتاج الاقتصادي وبالتالي ظهور فئة اجتماعية نشيطة على مستوى العمل دون أن تستفيد على مستوى الأرباح وبالعكس من ذلك تنشأ فئة أخرى غير نشيطة لكن أرباحها تفوق المتصور لكونها حصلت على امتياز أو ترخيص لاستغلال مرفق آو نشاط انطلاقا من علاقة القرابة أو الولاء أو الزبونية الانتخابية دون مراعاة تتعلق بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. إلا أن خطورة هذا النوع من الاقتصاد بالمقارنة مع الفساد أو سوء التدبير المالي على مستوى المرفق العام تكمن في كونه يكتسب طابعا قانونيا ترعاه أحكام قد تكون مكرسة في النصوص التشريعية أو في العرف السائد. لكن لما تجد الكثير ممن يناشدون التغيير ويتصدون للفساد سواء على المستوى المحلي أو الوطني يحاربون الفساد وسوء التدبير المالي ولا يلتفتون إلى الريع الاقتصادي رغم انه قد يكون "فسادا مقننا"؟. الجواب أن الاقتصاد الريعي يطال جميع فئات المجتمع فمنهم معوزون وفقراء وأغنياء ومنهم اقتصاديون وسياسيون ورياضيون ومنهم مدنيون وعسكريون لكن طريقة الحصول على منافع هذه الريع وكذا الأشخاص المستفيدين منه يلفها كثير من الغموض التي تجعلنا نتحدث عن عدم الشفافية والنزاهة في توزيع هذه المنافع ولكي نوضح المسألة بشكل تفصيلي نتناول موضوع بطائف الإنعاش الوطني نموذجا لكونها على المستوى المحلي خلقت نوعا من التفاوت بين الأسر والأفراد وخلقت فئة غير نشيطة على المستوى الاقتصادي لكن دخلها مضمون على المستوى الاجتماعي وكحالها كحال جميع المنافع الريعية يشوبها غموض ولبس لا في من لهم الأحقية في الاستفادة منها ولا على مستوى طريقة توزيعها وهو الشيء الذي خلق نوعا من التصدع على مستوى البنية الاجتماعية المحلية بكلميم حتى أصبحت بطاقة الإنعاش سبة في جبين من يحصل عليها والكثير يستفيد منها دون أن يصرح بذلك أمام أصدقائه ومعارفه لأن البطاقة تعني في ثقافة النخبة المحلية الولاء لكن الولاء لمن ؟ إن كان للدولة فلا داعي للتستر عليها ككل الموظفين الذين يأخذون أموالهم من خزينة الدولة لكن المسألة هنا تختلف لأن المستفيد منها غالبا ما لا يقدم للدولة أي نشاط يستحق فيها ذلك بالإضافة إلى انه حصل عليها بطرق ملتوية وغامضة وأقول غالبا لأن هناك الأرامل والأيتام ودووا العاهات ممن لا شك في أنهم يستحقون من الدولة أكتر من بطاقة الإنعاش الوطني. من يستفيد من ريع هذه البطائق على المستوى المحلي وكم هي عددها وما هي الطريقة المتبعة للحصول عليها والاستفادة من ريعها؟ سؤال طرح من طرف وسائل الإعلام المحلية وممن يحاربون الفساد والاقتصاد الريعي لكن غالبا ما يكون الجواب بالصمت الذي يخفي من ورائه رائحة غير عادية ، هذا الصمت الذي يفسره الكثيرون بكون طريقة توزيع هذه البطائق يشوبها شنئان وسابقا طالب المعطلون من حاملي الشهادات والدبلومات بكلميم بإيفاد لجنة للتقصي في ملف الإنعاش الوطني متحدثين عن خروقات شابت عملية التوزيع من محسوبية وزبونية دون أن يستمع إلى مطلبهم خاصة أننا أمام موضوع حساس قد يكشف عن رموز وشخصيات تستفيد من هذه البطائق دون أن تتوفر فيها الظروف والشروط للحصول عليها بينما الكثير من الأرامل والمعوزين والأيتام يعيشون تحت درجة الفقر ويطالهم النسيان.إن السلطات الإدارية المكلفة بهذه البطائق أصبحت على المحك لاسيما أن وسائل الإعلام تطلعنا بين الحين والأخر عن انضمام بعض السياسيين ورجال الإعلام إلى لائحة المستفيدين من هذه البطائق والذين كان من الأولى بهم محاربة هذا النوع من التصرفات التي تضر بالاقتصاد المحلي وتساهم في عدم وجود فرص التشغيل فلو صحت المعلومات التي تتحدث عن توزيع فقط في سنة 2011 ما يقارب 1200 بطاقة إنعاش و توزيع 3500 قبل هذه السنة والمستفيدين منها مجهولون لمكنتنا عملية حسابية باستعمال الجمع والضرب من الحصول على 4700 بطاقة وزعت في 12 شهرا أي السنة وباعتبار مبلغ 1500.00 لكل بطاقة سيكون المبلغ المالي الموزع فقط في سنة 2011 هو 84600000 درهم فلو استغل هذا المبلغ في تجهيز مشاريع استثمارية كم من منصب شغل سيوفر وكم من عائلات بكاملها يمكن أن تخرج من عتبة الفقر وكيف يمكن أن لا يحرك عجلة الاقتصاد المحلي الذي سيعتمد أفراده على الحركية والتنافسية الإنتاجية عوض انتظار الأعطيات وصرف البطائق في آخر الشهر، والتي لا تقدم للاقتصاد المحلي سوى طبقة كسولة متكاسلة تنظر فقط إلى الحق "الريع الاقتصادي" ولا تنظر إلى الواجب "النشاط الاقتصادي" فكيف بمواطن قادر على العمل ويصنفه الإحصاء الوطني ضمن الفئة الشابة والنشيطة في المجتمع ، يحصل على هذا المبلغ آخر كل شهر كيف تنتظر منه أن يدخل إلى سوق الشغل والعمل؟. اترك الجواب لكل مواطن حصل على هذه البطاقة وهو قادر عل الدخول إلى سوق الشغل والعمل. إن الحقيقة التي لا يجب إخفائها وباستثناء البطائق التي تعطى للمعوزين والايثام وغيرهم ممن يستحقون التفاتة من الدولة هي آن وراء كل بطاقة إنعاش تسوية معينة لملف اجتماعي شائك لا تستطبع السلطات الإدارية المحلية وضع حلول حقيقية لمعالجته والقضاء عليه بشكل نهائي وبالتالي تلجأ إلى تسويات للملف ربما لتحتوي غضبا معينا آو انتفاضة منتظرة "ملف العاطلين نمودجا" وهو ما يزيد من تفاقم المشكل مع استمرار الوقت وخروج أفواج أخرى من العاطلين حاملي الشهادات الذين لا يمكن احتواءهم ببطائق الإنعاش لان المسألة تتطلب رؤية تنموية شاملة محلية تنخرط فيها السلطات الإدارية والمنتخبة ورجال الأعمال في المدينة من أجل إنشاء مشاريع استثمارية كبيرة تستوعب الآلاف من اليد العاملة و ليس بضع مئات فقط. أكثر من كل هذا ونحن في إطار تسوية مؤقتة لملف اجتماعي شائك نخلق فئة اجتماعية أخرى تستفيد من ريع البطائق دون أن تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الملف لكنها تستغل العشوائية والارتجال المصاحبين لهذه التسوية لتستفيد من الامتيازات التي تعطيها والتي يتهافت عليها البعض من النخبة السياسية المحلية دون أي حس أخلاقي ووطني. ، وطالما أن موضوع بطائق الإنعاش الوطني أو "الريع الصغير" يتسم بهذا الغموض لا من حيث شروط ومواصفات المستفيدين منه محليا ولا من حيث عدد المستفيدين منه يبقى السؤال هل بطائق الإنعاش حل لأزمة اجتماعية أم تسوية سياسية لاحتواء ظاهرة اجتماعية مطروحا إلى أجل غير مسمى.