حقق الاقتصاد المغربي بعض النمو خلال السنوات الأخيرة نتيجة تبني سياسات الانفتاح وتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار إلا أن هذه الاصلاحات لن تكون فعالة على الامد الطويل إذا استمرت السياسات الريعية التي تميز العلاقات الاقتصادية والسياسية للحكومات المتوالية على المشهد السياسي المغربي لأن الحد من الممارسات الريعية شرط لازم لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة0 فماهو مفهوم وإشكالية البنية الاقتصادية الريعية و ماهي آثاره على المؤسسات الاجتماعية السياسية والاقتصادية وكذا على عقلية وسلوكيات المواطن؟ إن مفهوم الريع في الاقتصاد ارتبط بالملكية العقارية، فهو ذلك الدخل الذي يحصل عليه مالك الأرض نتيجة وضع ملكيته بتصرف الآخرين مقابل دخل معين عينياً كان أم نقديا ثم تطور مفهوم الريع ليشمل أي عائد أو ربح يحصل عليه الانسان دون عمل منتج أما على مستوى الدولة الريعية، فإن اقتصادها يعتمد إما على المساعدات الخارجية التي تحصل عليها في اطار اتفاقات دولية و تحالفات جيو ستراتيجية، أو الموارد الطبيعية التي تستغلها أو تؤجرها كالنفط والغاز والغابات والمعادن لهذا في الاقتصاد الريعي تستحوذ السلطة الحاكمة على مصادر الريع، وتحتكر مشروعية امتلاكها واستغلالها او بيعها وهي ليست بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة ، سواء كانت فكرية أو مادية ينتج عن هذه البنية الاقتصادية مجتمع يعيش في تبعية والدولة لا تستثمر في تطوير طاقاتها البشرية أو بناء عمليات إنتاج حديثة وهكذا تكسب السلطة شرعيتها من خلال عملية إعادة توزيع الريع على المواطنين على شكل رواتب وخدمات وامتيازات بدون أن يقوموا بأي عمل أو بعمل غير مكافئ، ولايدفعون أي ضرائب حقيقية للدولة0في لمقابل تحصل الدولة على الدعم السياسي وتنفيذ قراراتها دون الالتفات إلى مضمونها كما أن أغلب المجتمع يعزف عن ممارسة السياسة ولا يشارك مشاركة فعلية في صياغة القرارات تستخدم الدولة الريعية العديد من السياسات العامة بهدف توجيه المنافع الريعية إلى فئات محددة، كمنح تراخيص الاستيراد أو الحماية التجارية لبعض المنتجات من دون غيرها، أو حتى إعطاء القروض المدعومة لقطاعات معينة ضمن سياسات ما يُسمّى بتشجيع الاستثمار. هكذا تقدم الدولة عشرات المليارات من الدراهم المقتطعة من الموازنة العامة في نطاق المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة مجمل هذه القرارات تكون عفوية واستجابة لمطالب فئة ذات ضغط ونفوذ سياسي والنتيجة أن هذه السياسات غير خاضعة لدراسة دقيقة التي تعتمد على عملية منهجية يمكن من خلالها حساب الفوائد والتكاليف قبل تبنيها حيث أن الحكومة تشرع قوانين ومشاريع دون الاعتماد على أي تقييم جدّي لفاعليتها الاقتصادية، ولا تُنشَر أيُّ قائمة بالمستفيدين من هذه الامتيازات لكن الممارسات الريعية لا تترتّب دائماً عن تدخّل الدولة، بل يمكن أيضاً أن تنجم عن عدم قيام الدولة بدورها في حماية المستهلكين والمقاولات الصغرى0هدا نوع من الريع ناتج عن تغاضي الدولة عن أداء مهامها في متابعة السير العادي للأسواق وعدم وجود سلطة فعلية لتنظيم المنافسة كما هو الحال على سبيل المثال عندما تتغاضى الدولة عن تشكيل تكتلات اقتصادية تهدف إلى عرقلة آليات المنافسة عن طريق الاتفاق حول مستوى الأسعار أو تحديد كميات الإنتاج، أو قيام مؤسسة تهيمن على السوق بإخضاع مموّنيها أو زبائنها إلى شروط تجارية مجحفة . ينطبق مفهوم الريع أيضا على فساد البيروقراطيين والسياسات الحكومية الغامضة لأنها تعرض عملية المنافسة لمخاطر وانتكاسات كبيرة, هذه التعقيدات تؤدي إلى تواطؤ بين الشركات والوكالات الحكومية المخصصة لتنظيمها في ظل هذه القوانين المعقدة يصبح من السهل ابتزاز الاشخاص واستعمال النفوذ وانتشار الفساد والرشوة على سبيل المثال، قد يحصل موظفو الحكومة على رشاوى لتسهيل المسطرة القانونية أو تقليل العبء الضريبي. هكذا يعتمد المستثمرون ورجال الأعمال اعتماداً كبيراً على نفوذهم داخل دواليب الدولة للحصول على الامتيازات والفرص الاستثمارية، فيصبح الاقتصاد في خدمة فئات معينة مما يؤثر سلبا على المردودية والكفاءة الاقتصادية من خلال سوء استعمال الموارد، وعدم المساواة في الدخل وتراجع الإيرادات الحكومية أدى النموذج الاقتصادي القائم على توزيع الريع والمكاسب الاقتصادية، وفساد البيروقراطيين والسياسات الحكومية الغامضة إلى نتائج سلبية والتي يمكن تلخيصها في ما يأتي: تعطيل روح المبادرة والرغبة في الاستثمار التشجيع على الاستثمارات ذات العائد المرتفع والسريع في ميادين العقار والمضاربة المالية، بدلاً من الاستثمارات المنتجة في القطاعات الصناعية والزراعية الواعدة ذات القيمة المضافة، والتي عادةً ما تتطلب وقتاً أطول لجني أرباحها.أضف إلى ذلك تميّز وظائف الشغل في الاقتصاد الريعي بالجودة المتدنية، والتي لا تتوافر فيها شروط العمل اللائق والوظائف المستحدثة تتمركز في قطاعات اقتصادية ذات إنتاجية شبه منعدمة كالجماعات المحلية والبلديات ودون إعادة النظر في شكل عميق في المنظومة التنموية داخل البلدان الريعية، ومن دون الانتقال من الاقتصاد القائم على توزيع الريع والمزايا في مقابل الدعم السياسي، إلى اقتصاد يعتمد على الاستثمار المنتج في القطاعات الاقتصادية الواعدة، ويقوم على فتح المجال للمنافسة على أساس الكفاءة الاقتصادية، وإزالة العقبات القانونية والإدارية، فإن الرفع الكمي لمستويات النمو لن يكون وحده كافياً لمعالجة الاختلالات البنيوية التي تعرفها أسواق العمالة وما يترتّب عنها من إقصاء اقتصادي وإحباط نفسي لدى فئات من شرائح المجتمع.