تواجه أي فاعل سياسي يروم تغيير أوجه اختلالات الوضع السياسي والاجتماعي الكارثي بلغة الأرقام الرسمية - الذي أصبح يعيشه الشعب المغربي من أقصاه إلى أقصاه - ذهنيات متجذرة صنعها الاستبداد عبر قرون ،وإرادات هامدة لايهمها ماوصلت إليه الأوضاع من ترد على كافة المستويات ،وعليه أصبحت هذه الذهنيات والإرادات مثبطات نفسية وعقبات كأداء في وجه أي مشروع مجتمعي يريد أن يساهم كما هو غيره في بلدان الديمقراطيات التي تحترم إرادة شعوبها ومجتمعها المدني ولو بجزء بسيط في التغيير المنشود أو الإصلاح بالمفهوم السياسي للكلمة على الأقل إن جاز أن نقبل حديثا عن الإصلاح في أنظمة شمولية لم تترك هامشا للرأي المخالف إلا ماكان تأمينا على مشاريعها، فماهي هذه الذهنيات والإرادات وكيف تحول دون تطور العمل السياسي في بلدنا . أولا :الذهنية التبريرية : من أهم الدهنيات التي تواجه أي مشروع مجتمعي جاد بالبلد ذهنية تبرر الوضع القائم مهما كانت درجة ترديه ،تسوق لكل وضع كارثي للبلد مبررات، لا إرادة لها أو في أحسن الأحوال إرادتها هامدة لاترقى إلى مستوى أن يكون لها استعداد للبذل والعطاء من أجل أن يعيش الآخرون سعداء ، لا اسيتعداد لها للعطاء ،تترقب من الآخرين أن يعطوا ويبذلوا الوسع لتغيير الوضع دون أن يكون لها استعداد هي أن تبذل من اجل تغيير مابالاخرين ، ذهنية متصالحة مع الواقع لها مبررات لكل فساد وإفساد دون أن تكون لها استفادة من الوضع جبلت على الخنوع في خطابه وممارساتها ولا تجد في الاعلان عن موقفها المتصالح مع الوضع أي حرج . ثانيا : الذهنية التبسيطية : ترى الوضع بصورة مبسطة لاترقى إلى مستوى رؤية الواقع بشمولية تناقضاته وإشكالاته السياسية والاقتصادية ، ترى فيه بعض الاختالات البسيطة فقط لاترقى إلى مستوى ماهو كائن متعارف عليه من قبل المختصين والمتتبعين والمنظمات الأهلية الفاعلة في مشاريع التغيير .ترى علاج الوضع لا يتطلب الا مجرد وصول كفاءات وطنية إلى مؤسسة البرلمان أو دخول إلى الحكومة بحقيبة وزارية أو حقيبتين لهذا الحزب أو ذاك في أحسن الأحوال وكل شيء سيتغير بعدها. فإذا بالواقع يستعصي عن الحل رغم وصول من ظن الناس فيهم النزاهة وإذا بالفساد متجذر يستشري وإذا بالنزهاء أصبحوا من أدوات الفساد ومقاومة التغيير رغبا أورهبا وإذا بالأمر يتطلب تغييرا للوضع من أساسه وإعادة البناء على أساس متين يرضاه الشعب وتقره مبادئ العدل الإنساني والشرع الرباني فكيف ترضى هذه العقلية أن تصف الوضع بهذه البساطة الساذجة والمخزن مسيطر متحكم في في كل شيء في الاقتصاد والسياسة والرياضة و الدين والثقافة والمال.... . ثانيا : الذهنية التجزيئية ذهنية تجزئ المطالب والأهداف ،وترضى بالفتاة من الأعطيات، ولا تتوخى أو تستهدف صلب المشكل الذي يعاني منه البلد وكأن مايعانيه الشعب مجرد مشاكل هنا أو هناك : مشكل شركة سرحت العمال أو أزمة تشغيل أفواج من المعطلين ، أو مدرسة أو ثانوية تعرف خصاصا في رجال التعليم أو حتى إقليم أو جهة لاتتمتع بإمكانيات على شاكلة أقاليم وجهات أخرى وانتهى الأمر، أو حتى كفاءات تدبيرية تلج مؤسسات البرلمان أو البلديات كي تغير الوضع ، ليت القضية والمشكل بهاته البساطة إذن لقلنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض لكن الوضع أعمق والمشكل أكبر انه نظام فاسد، إنها مؤامرة قرونية على أبناء الأمة ساهمت فيها بعض من نخب الأمة من علماء ومفكرين وشعراء وسياسييين .وغيرهم إلى جانب الحكام فأفرزت واقعا مأساويا نظاما فاسدا له نسقه ووتشكلاته وامتداداته وطرق تجديد نفسه عبر آليات خبرها وتفنن في صياغتها وحبك خيوطها ليتحكم في كل مفاصل ومقومات الحياة بالبلد . ثالثا :ذهنية المصالح : ذهنية ترضى عن الوضع إن حققت مصالحها الشخصية ، بل تدافع عنه لأن دفاعها عنه دفاع عن مصالحها ،وفي أحسن الأحوال إن تمتعت بقدر من الحياء تصبح مناورة تجد لنفسها في الخطاب السياسي السائد مبررات القعود والتخاذل والتخلي عن مطالب المقهورين ،متسترة وراء عبارات أصبحت مألوفة في الممارسة السياسية ببلدنا من قبيل : الواقعية تقتضي ...وإكراهات الواقع تتطلب ...و والظرف يقتضي... فيتغيير الخطاب ولم لا تتغير المواقف بنسبة 180 درجة إن تطلب الأمر واقتضت المصالح الشخصية لا مصالح المبدأ والشعار . خبر الآخرة ذهنيات القعود عن نصرة المستضعفين وخدمتهم وقضاء حاجاتهم ومبرراته ، وإرادات المتاجرة بآلام المحرومين والتلصص على عواطفهم، من عوائق التغيير السياسي المنشود الذي يستهدف تغيير ما بالأمة من أزمات واختلالات،متى كان وراء الشعارات نيات وإرادات ، لكن أيضا يبقى تغيير الظلم على مستوى لقمة العيش و قسمة الأرزاق وحرية الكلمة وإقرار الكرامة الآدمية ، إن لم يتبعه هم النجاة في الآخرة والتفكير في مصير مابعد الموت ،مزلق تنحرف معه النيات وتضيع الجهود في سراديب إحقاق المطالب المادية والقلب خراب من هم الآخرة . إن سرق العبد اهتمامه بأمر الناس عن تهممه بربه وبمصيره بعد الموت فهي دنيا يصيبها في حياته ومكانة يتبوؤها عند العباد نصرا وشفوفا معجلا ،وإذن فليس هناك مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين )مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) 1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) : من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا.2( حتى لايسرق الفاعل السياسي خط الاهتمام عن خط التهمم فيصير حركة أرضية مادية تحكمها نتائج الدنيا المادية و منطق أرقامها فتفسد نيات الفعل ويغيب ذكر الآخرة والميعاد عن الفعل السياسي ، وحتى لا يسرق الفرد خط التهمم بمشرو ع الخلاص الفردي وينحي الخلاص الجماعي من اهتمامه، فتصير دروشة خانعة لايعنيها واقع الأمة ولا نصرة المستضعفين، ينبغي أن يتحقق التوازن الذي تحدث عنه معلم البشرية صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور المذكور سلفا. هوامش : 1 – الاية 145 من سورة آل عمران 2 - أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/29) من طريق طريق يزيد بن ربيعة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي ذر به . وقال : تفرد به يزيد بن ربيعة