إن المتأمل في حال مدينة كلميم يجد أنها تتألف من مجموعة أعراق وأصول مختلفة ، ولعل أهمها على الإطلاق مجموعتين بشريتين الأولى آتت من الصحراء و تتمثل في القبائل الحسانية و الثانية تتمثل في القبائل الأمازيغية ، بالإضافة إلى ذلك نجد مجموعة بشرية أخرى متكونة من المهاجرين الذين اثو من مدن أخرى شمال و غرب و شرق المغرب ، وهذا ما ساهم في جعل مدينة كلميم تتحدث لغتين ، الأولى العربية و تتمثل في "الدارجة" و "اللهجة الحسانية" و الثانية "اللغة الأمازيغية" ، و ما يميز مدينة كلميم بالذات عن باقي المدن بالمملكة، أنها تتمتع بالتعايش الثقافي و العرقي بالرغم من الاختلافات التاريخية و الإيديولوجية . من أيقظ الفتنة ؟ لعل السياسة التي تشهدها المدينة تعتبر من أعقد و اغرب السياسات التي عرفها العالم إن لم أبالغ ، حيث انك مهما أدركت مكامن الخلل فإن هناك حلقة ضائعة ، الصراعات التي تشهدها المدينة هي نموذج مصغر لحكومة بنكيران ، حيث أن الشعب لم يعد يستوعب من الحكومة و من المعارضة ، من الصالح و من الطالح ، الكل يبحث عن إغراق الأخر على حساب الشعب ، وهذا ما نتج عنه فبركة صورة لمدخل المدينة (طريق طانطان) مؤخراً ، حيث استعمل برنامج تعديل الصور لجعل هذا الأخير يحتوي على رمز من رموز الأمازيغية ، و هذا ما خلف استياء في نفوس ساكنة وادنون حيث عبروا عن غضبهم عبر المواقع الاجتماعية ، بل تطور النقاش على الصورة المفبركة ليتخذ أبعادا أخرى من خلال التهديد والسب و الشتم بين الساكنة و لولا الألطاف الإلهية لتحولت كلميم إلى حرب أهلية بين الأمازيغ و العرب بسبب عمل جبان لبعض الأطراف التي كانت تريد تلويث صورة بعضهم على حساب ثقافات عريقة ، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. التعايش الحضاري بمدينة كلميم فبالرغم من العبارات الإنشائية التي تخرج بها بعض الجهات و التي تؤكد انه لا وجود لمشكل بين هذه المكونات ، إلا أن هذه التصريحات تخرج عن الواقع المعاش و الدليل على ذلك "الصورة المفبركة" التي قسمت المدينة إلى قسمين ، إن الدفاع عن وحدة الوطن و التنوع العرقي و الثقافي أقوى من أن نختزله في أوراق توزع على العموم ، وما يظهر جليا أن بعض الأطراف باتت توظف القبلية و الانتماء ضمن خانة المنتخبين ، ما إن تقترب الانتخابات حتى تتجند القوى الخفية للاستثمار في الساكنة ، البعض يلعب على الوتر الحساس (ولد عمنا مترشح) و البعض الأخر(العرق ديالنا هو لي خاص اغلب) ، بعيدا عن القناعة و المبادئ قسم بعض المنتخبين المدينة إلى أقسام و هذا ما يعيق عملية الانسجام و التعايش ،إن ساكنة كلميم في حاجة اليوم إلى تضامن فعلي بين كل المكونات بعيدا عن التعصب للانتماء أو المصالح الشخصية . النموذج السنغافوري في التعايش الحضاري إن ما عرفته دولة سنغافورة من حروب أهلية بين العروق المختلفة في الستينيات من القرن الماضي لا ينبئ بما وصلت إليه اليوم من ازدهار و تفوق ، حيث أصبحت من المراكز السياحية العالمية و من القوى الاقتصادية العالمية حيث بلغ متوسط دخل الفرد بهذا البلد إلى 56,694 دولار سنويا ، ما يعادل 46 مليون سنتيم مغربي سنويا رغم أنها لا تمتلك أي موارد باطنية ، كل هذا جاء بفضل الرئيس "لي كوان يو" الذي تنكر لأصله و لغته بالرغم من هيمنة الصينيين على باقي الأعراق الأخرى (80 في المائة من الصينيين و 14 في المائة من المالاويين و 8 في المائة من الهنود و 1 في المائة من الأورآسيويين والأعراق الأخرى) ، لم يختر لغة على أخرى أو عرق على أخر بل جاء بلغة بعيدة عن البلد و هي الإنجليزية لكي تتجنب البلاد تبعات لغة عرق معين على عرق أخر من خلال حروب أهلية محتملة ، و نهج سياسة "الوطنية" فالمواطن السنغافوري على حد قوله ليس بصيني أو مالاوي أو هندي أو أخر ، بل هو سنغافوري و مصلحة البلد فوق أي اعتبار . يا ليت ساكنة كلميم أو المغرب عموما تحدوا بهذا ألحدوا ، و تترك الانتماء و العرق جانبا و تبني حضارة التعايش السلمي ألا و هي حضارة هذه المملكة العريقة بعيدا عن الانقسامات و الصراعات ، نحن اليوم في حاجة إلى نهضة تنموية تواكب متطلبات العصر و ترقى بالمواطن إلى مرتبة المواطن كما هو معترف به دوليا ، فإداراتنا مازالت تعاني الويلات من هذه الانقسامات ، فالرئيس في صراع مع الموظف لأن كل منهما ينتمي إلى طائفة ، و المنتخب في صراع مع الساكنة لأن كل منهما ينتمي إلى طائفة ، و الطالب في صراع مع الأستاذ لأن كل منهما ينتمي إلى طائفة ، و البلاد إلى الهاوية ، فإلى متى هذه الانقسامات أيها الوطن ؟؟