ما إن تتوقف في إشارة من إشارات المرورحتى يهرول نحوك مجموعة من القاصرين محاولين تنظيف زجاج سيارتك أو إقناعك بشراء علب المناشف الورقية بعيون خائفة ونظرات منكسرة يستجدون عطفك وكرمك مشهد مألوف مؤلم.. ولكنه جد عادي في جل المدن المغربية ، إنهم الأطفال المشردون أو ما يطلق عليهم "أطفال الشوارع" طفولة ضائعة ومنسية في جنبات الأحياء المعدمة والشوارع المنسية فهؤلاء الأطفال أغلبهم إن لم يكن كلهم منذ ولادتهم وهم على اتصال دائم بالشارع يتامى, متخلى عنهم أو أباءهم عاطلون عن العمل يعيشون على التسول أو يمتهنون حرفًا بسيطة لاتسد رمق جوعهم. أسباب عدة للتشرد هناك أسباب عدة للتشرد منها حرمان الطفل في البيت من أبسط ضروريات الحياة الكريمة من طعام وملبس وغيره مما يضطره الى الفرار منه لعله يجد خارجه ما يشبع حاجته. أيضا االعنف الأسري وتفكك الأسرة إما بالطلاق أو الهجر أو التخلي أو الخلافات الزوجية المستمرة أو وفاة وزواج أحد الوالدين. أيضا أنماط التنمية غير المتكافئة بين الريف والحضر التى تؤدي إلي تزايد معدلات الهجرة الداخلية كذا تراجع المعايير الأخلاقية وانحلال المنظومة القيمية التي تحكم مكونات المجتمع المغربي . الآلاف من هؤلاء الأطفال يولدون ويترعرعون في الشوارع، حتى يتحول الشارع ملاذهم وبيتهم المفضل و التعاطي للمخدرات والكحول متعتهم..،يفتقدون العطف والتعليم والمساعدة،هذه الشريحة التي يفترض أنها تمثل نسبة هامة من أجيال المستقبل بلا مستقبل، ولا أحد يستطيع أن يلومهم أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها التي تؤثر سلبا على وجودهم الاجتماعي و كيانهم السيكولوجي مما يؤدي بهم الى مواجهته بعنف بالتعاطي للسلوكات إنحرافية وعدم الإنصياع لكل الضوابط الاجتماعية وغالبا ما يتم اللجوء إلى التعاطي للمخدرات و الموبقات الأخرى ابتغاء تدمير الذات كنوع من “المواجهة” للعنف المسلط عليهم. نتائج هذه الظاهرة خطيرة تبدأ وتنتهي: بالانحراف،الأمراض،الإجرام،التسول،الاستغلال الجسدي و الجنسي.. المغرب يعاني من عدة مشاكل إجتماعية الشي الذي يبرر التدني الملحوظ في مؤشر التنمية البشرية 0.582 مما جعله يحتل الرتبة 130 من بين 187 دولة. هذا الترتيب جاء نتيجة تلاتة أسس مرتبطة بالتنمية البشرية : -1معدل حياة الشخص -2 ولوج التعليم -3المستوى المعيشي. المملكة المغربية قامت بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ( INDH) سنة 2005 بهدف النهوض بقطاع التنمية البشرية ومن بين البرامج المطروحة : -برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي -برنامج محاربة الإقصاء الإجتماعي بالوسط الحضري -برنامج محاربة الهشاشة و التهميش مشاريع لازالت تعرف عدة عراقيل في تفعيلها وجني ثمارها في ظل فوضى حكومية حيث لكل وزارة إستراتيجية ,بينما الظاهرة تكبر وتتفاقم وتنتج وترتبط بها ظواهرأخرى حلها وإحتواءها مع الوقت يزداد تعقيدا وسيكون أصعب بكثير مما نتوقع, ففي المغرب لازالت التغطية الصحية ضعيفة وهشة إلى جانب تضخم نسب الأمية والبطالة. إضافة إلى أن أغلب العائلات المغربية ترزح تحت خط الفقر مما يؤثر مباشرة على الأطفال الذين يجدون أنفسهم في حالات عدة مجبرين على مغادرة المنزل واللجوء للشارع. وفي حالات أخرى هناك عائلات تتخلى عن أطفالها منذ الولادة بسبب الظروف المعيشية القاسية. بناءا على تقرير الرسمي للمنظمة العالمية لحماية الطفل من الاستغلال والإهمال (ISPCAN) يتراوح عدد أطفال الشوارع مابين 10000 و 30000 طفلاً. وتشير بعض الدراسات الميدانية للمختصين أن حوالي مليون طفل مغربي يعيشون في وضعية صعبة 30 ألف طفل منهم يعيشون في الشارع خلال سنة 2012 كما يوجد حوالي 54 ألف طفل دون حماية أسرية . فمدينة الدارالبيضاء تتصدرهذه الإحصائيات حيث يتواجد بها أزيد من 5500 طفل متشرد في مقدمة الأعمال التي يزاولونها التسول يأتي بنسبة 18% يأتي بعدها مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية ب 15% وغسل السيارات ب 13% ثم السرقة ب 6% و يتعرض للاعتداء الجنسي والعنف الجسدي حوالي 46 % ومما يزيد من استفحالها كونها ظاهرة صامتة وفي تزايد مهول ومخيف. غياب إستراتجية واضحة المعالم في ظل هذه الأرقام المهولة وغياب إستراتجية واضحة المعالم لمعالجة ظاهرة أطفال الشوارع لدى النخب الساهرة على المجتمع نظرا لهشاشة منظومة القيم لدى صانعي القرار وتحمل المسؤولية إتجاه الشرائح المهمشة من طرف الأحزاب وممثلي الشعب أمام البرلمان فهم مجرد واجهات لتصريف الأوامر .فكلما اقتربت مواسم الانتخابات إلا و عُدَّت الطبول وكثرت الآراء والتحليلات والخطابات والوعود العملاقة والميزانيات الضخمة كل ذلك يتبخر وتحل القطيعة التامة بمجرد تربع المنتخب على كرسي بقبة البرلمان، نخبة موبوءة بسخط شعبي أسكرها المال و أفقدها الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية في حمل الأمانة الإجتماعية السياسية والتاريخية كل موسم مسرحية يتم تجديد حلقاتها مع بعض الروتوش.. يؤدي كل هذا الى زيادة ضعف الوعي والدعم المجتمعي والعائلي والمادي وحتى الإعلامي كما لايساعد الإقتصاد المغربي المثقل بالديون والتابع للبنك الدولي وتنامي تدخلاته في السياسات الداخلية فقد كشفت بيانات صادرة عن وزارة المالية والاقتصاد أن عدة مؤسسات عمومية مثقلة بديون تفوق 74 مليار درهم مما يساهم حتما ﻓﻲ ﺸل ﺠﻬﻭﺩ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ،ﻟﻘﺩ ﺃﺼﺒﺢ ﻤﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺼﻴﺎﻏﺔ ﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﺘﺅﺴﺱ ﻟﻤﻨﺎﺥ ﺍﺴﺘﺜﻤﺎﺭﻱ ﻤﻼﺌﻡ ﻗﺼﺩ ﺍﻟﺘﺼﺩﻱ ﻟﻼﻨﻌﻜﺎﺴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻟﻬﺫﻩ الديون ﻤﻥ ﻓﻘﺭ ﻭﺘﻬﻤﻴﺵ ﻭﺘﺒﻌﻴﺔ ..مما يعوق أي تخطيط إستراتيجي واقعي إجرائي وفعال . دور المجتمع المدني تلعب جمعيات رعاية الأطفال في وضعية صعبة دورا هاما في محاولة إحتواء الظاهرة بنهج استراتيجية إنشاء مراكز تحتضن جزء من هؤلاء وإعادة إدماجهم مدرسيا وأسريا، فحسب مؤسسة "بيتي" المتخصصة في الرعاية والحماية والإدماج الإجتماعي للأطفال في وضعية الشارع 95% من هؤلاء الأطفال إناث وذكور مدمنين على المخدرات والكحول. إذن فالأمر ليس سهلا ويحتاج تظافر كل الجهود فأغلب هذه الجمعيات لازالت تعاني العشوائية في التسيير، غياب الشفافية والاعتماد على المزاجية في التخطيط وغالبا ما يفوق عدد هؤلاء الإمكانيات المادية المرصودة مما يجعل الأمر يقتصر على عدد قليل فقط منهم. أيضا إقناع هذه الشريحة من الأطفال بدور مثل هذه المراكز أو الجمعيات، ومساعدتهم لتخطي الوضعية المأساوية وكسب ثقتهم يبقى أمرا صعبا، فهم فاقدوا الثقة في كل مكونات المجتمع، وحتى في أنفسهم. لذا ليس لهم من رغبة غيرالركض في الشارع بكل "حرية"، والعيش دون رقيب يتسلط على حياتهم. فالإستثناءات التي تعرفها دورالأيتام ومعانات الأطفال فيها إذ لاتقدم لهم أي تعويض يغنيهم عن البقاء في الشارع فبالإضافة إلى غياب التكوين للمؤطرين في إستراتيجيات التعامل مع هؤلاء الأطفال وحسب عدة روايات تؤكد تعرض الأطفال إلى ممارسات شاذة داخل المراقد وغياب شروط النظافة في أغلب هذه الدور فهي مجرد مأوى للإستحمام والمبيت.وتبقى حصيلة جهود بعض مراكز الإيواء المغربية القليلة وغيرها من الجمعيات الخاصة بمساعدة الأطفال تحقق نتائجا جد ضئيلة نسبيا في إدماجهم f.مازال المجتمع المدني في المغرب لا يساهم في صناعة السياسة العمومية وفي التدبير العقلاني والمدروس لهذه الملفات الشائكة بالتصدي للمعضلات الحقيقية التي تفرخ أطفال الشوارع وذلك بمحاربة الفقر، الهجرة الريفية، مشكل التمدرس وجودته ومشكل تصاعد نسبة العاطلين فضلا عن فقدان الشباب للأمل في بناء المستقبل في وطنهم. إضافة إلى ضرورةالإستفادة من تجارب دول أخرى فهناك دول إستطاعت إحتواء ظاهرة أطفال الشوراع بابتكار وسائل للوقاية "روسيا" مثلا قدمت خططا وقائية أولية، ثانوية وثلاثية . الوقاية الأولية :هي عبارة عن تنظيم حملات للتوعية بخطورة إستغلال الأطفال وأيضا تنظيم برامج توعوية للآباء . بالنسبة للوقاية الثانوية : ترتكز حول تقديم خدمات متنوعة للأمهات العازبات والعائلات االفقيرة المتعددة الأبناء والعائلات في وضعية مادية جد صعبة . بالنسبة للخطة الثلاثية : تتمحور حول تقديم المساعدة لأطفال الشوارع على عدة مستويات عبر تتبع دائم لاوضاعهم.. مع التأكيد على أن مجرد الاكتفاء باستيراد حلول جاهزة والتركيز على الجانب المظهري في التنمية، لا تجعل من المجتمع مجتمعا متقدما ولاتنهي الظواهر التي تهدد إستقراره ، وإنما تنبثق انبثاقا من الذات والواقع المجتمعي وإذكاء عملية التفاعل الحضاري في الاختيار الرشيد والواعي لما يؤخذ ويرد. فإذا أردنا النهوض بالمجتمع الذي تنتمي إليه علينا أن نننتقل من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع.