لقد ساهم الحراك الاجتماعي الذي خلفه الربيع العربي، في كسب حزب العدالة والتنمية لتعاطف شعبي مكنه من تبوء الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011، بما معدل 107 مقعد برلماني مكنه من تشكيل أول حكومة ما بعد دستور 2011، الذي كرس لمغرب المؤسسات التي ترتبط فيه المسؤولية بالمحاسبة. فاستطاع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، أن يشكل تحالف حكومي مكون من أحزاب اليسار واليمين، في ظرف وجيز بفضل سعي تلك الأطياف السياسية إلى إنجاح التجربة الإصلاحية الجديدة التي انخرط فيها المغرب بتوجهات ملكية متبصرة. فكانت بداية المسار الحكومي الذي يقوده الإسلاميون هو إعلانهم المضي في تفعيل شعارهم الانتخابي ألا وهو محاربة الفساد والاستبداد. غير أن فشل وزراء العدالة والتنمية في تفعيله على أرض الواقع من خلال خسارة "الخلفي" لمعركة دفاتر التحملات وتراجع "الرباح" عن نشر لوائح المستفيدين من المقالع والرخص، جعل أكثر المتفائلين يشكك في نجاح هذه الحكومة التي جاءت بخطاب الإصلاح والتغيير. لتتضح فيما بعد معالم فشل بنكيران في تدبير الأزمات الحكومية. فبالرغم من المكتسبات الدستورية الكبرى التي تم تحقيقها في ضل الدستور الجديد، والتي مكنت رئيس الحكومة من مجموعة من الصلاحيات، لم يستطع هذا الأخير التجاوب الإيجابي مع انتظارات المواطنين، فاختار لنفسه تدبير الشأن الحكومي بنوع من القرارات الأحادية اللاشعبية التي لا تتماشى مع الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعرفها البلاد، وهو ما ساهم في غليان الشارع الذي واجه سياساته بنوع من الاحتجاج لم يجد له بنكيران من الرد سوى قمع المظاهرات الشعبية الذي لم يسلم منه حتى أحد نوابه أمام مقر البرلمان. أما أزمة البطالة، فما كان لبنكيران إلا أن يتخلى عن اتفاق 20 يوليوز، الذي أبرمه الوزير الأول السابق وحليفه الأكبر في تجربته الحكومية مع المعطلين، بدعوى تحقيق الشفافية والنزاهة من خلال المباريات. غير أن تلك المنهجية في التعاطي مع مبدأ التوظيف، والتي تتعارض مع منطق التعيينات في المناصب العليا التي حصل المقربين من حزب العدالة والتنمية على حصة الأسد فيها، طرحت علامات استفهام كثيرة للمتتبعين بشأن النزاهة والشفافية المعلنة من طرف حزب المصباح. إن فشل بنكيران في تدبير الظواهر الاحتجاجية ذات المنطلقات الاجتماعية بنوع من الحكمة، لم يقف عند هذا الحد، فلقد كان للنقابات حصتها من الاستبداد الذي أعلن بنكيران محاربته من خلال برنامجه الانتخابي. فأمام الاحتجاجات المطلبية والإضرابات القطاعية، لم يجد بنكيران من الحلول سوى الاقتطاع من أجور المضربين في انتهاك واضح للقوانين والمواثيق الوطنية والدولية ذات الصلة بالحريات النقابية وهو ما اعتبر مصادرة لحق النقابيين في ممارسة الإضراب كحق دستوري لم يؤطر بعد بمقتضيات قانون الإضراب. ليتأزم الوضع الاجتماعي بين المركزيات النقابية والحكومة، الذي ترتب عنه توقف الحوار الاجتماعي وفشل الحكومة في تدبير علاقة الشراكة الاجتماعية بينها وبين الفرقاء الاجتماعيين. كما أن الشركاء الاقتصاديين، لم يتقبلوا قرارات بنكيران الأحادية التي لا تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فتتوتر العلاقة بينهم إلى حد مقاطعة الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب أشغال لقاءات العمل الثنائية للفاعلين الاقتصاديين المغاربة ونظرائهم الأتراك على إثر زيارة زعيم العدالة والتنمية التركي رجب طيب أردغان. إن التدبير غير الإستراتيجي لحكومة بنكيران، ساهم في فشلها في إيجاد حلول أنية لمجموعة من الملفات الاجتماعية والقضايا ذات الأولوية، حيث لم تتمكن من إخراج التقسيم الجديد للجهات، وهو ما جعل الانتخابات الجماعية تأجل إلى موعد لاحق، ليصبح البرلمان المغربي يشتغل في إطار غير متجانس من الناحية الدستورية، باعتبار أن مجلس المستشارين ما قبل دستور2011 ومجلس النواب ما بعد الدستور الجديد. كما أنها فشلت في حل أزمة صناديق التقاعد وإيقاف نزيف الطرقات والرفع من منظومة التربية والتكوين. أما صندوق المقاصة، فبالرغم من الظرفية الملحة لإصلاحه، فلم يستطع بنكيران فعل شيء بالرغم من توفر حكومته في نسختها الأولى على ثلاث وزراء اختصاص، المالية، الميزانية والحكامة. ليبقى له في ضل ضعف الاقتصاد الوطني وعدم القدرة على التماشي مع تقلبات الأسواق الدولية، سوى تبني الزيادة في المحروقات والحليب والمواد الاستهلاكية والتلاعب في حجم الغاز. وهو ما تسبب في إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين التي هي في الأصل هشة بسبب التوقف في الزيادة في الأجور وغلاء المعيشة وثقل المصاريف المتلاحقة من رمضان والصيف والدخول المدرسي وعلى الأبواب عيد الأضحى المبارك. لتتضح بذلك حقيقة حزب الشعب كما يصفونه منخرطوه، الذي لم يجد سوى الشعب لتطبيق سياساته التي تكرس لمنطق التراجع في المكتسبات بدعوى الإصلاح. تلك هي معالم فشل بنكيران في تدبير الأزمات الحكومية التي تطورت إلى أن أصبحت داخلية. حيث لم يتقبل الزعيم السياسي ذو الخطاب الشعبوي أن يقوم الرجل العصامي صحاب نضال القرب كما وصه الملك محمد السادس، بتقديم مذكرة يشرح فيها وجهة نظر حزب الاستقلال، بعد انتخاب حميد شباط على رأس الهيكلة الحزبية لحزب علال الفاسي، في تدبير الشأن الحكومي ومنظوره لنهوض بالاقتصاد الوطني، فلم يعرها اهتمام، وهو ما اعتبره الزعيم النقابي تغييب لمنطق التشاور والانفتاح لرئيس الحكومة، معلنا بعد ذلك مطالبته بإجراء تعديل حكومي جزئي يشمل مقاعد وزراءه الاستقلاليين. غير أن منطق التعالي لدى بنكيران جعله لا يعير الأمر أهمية وهو ما تسبب في إدخال البلاد لأزمة حكومية بعد تقديم وزراء حزب الاستقلال استقالتهم من الحكومة. وهي الأزمة التي لم يستطع بنكيران أن يجد لها مخرج سوى من خلال تقديم تنازلات كبيرة لحلفائه الجدد، تركت تدمر كبير في أوساط مناضلي حزبه ونوابه البرلمانيين والمتعاطفين معه الذي اقتنعوا أن بنكيران فشل في تدبير الأزمات الحكومية. فكيف سيكون تعاطيه مع تدبير الشأن الحكومي في نسخته الثانية ؟