[email protected] تفرض السلطات المغربية خناقا كبيرا على حرية التعبير والصحافة ، ويمكن القول أن السنتين الاخيرتين هي من السنوات السوداء في هذا الشأن ،فسنة بعد أخرى يتراجع المغرب الى مراتب جد متأخرة ،فحسب التقرير الدولي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود نجد بلدنا الحبيب يحتل المرتبة 135 عالميا ،بحيث تراجع المغرب بخمسة نقط الى الوراء بالمقارنة مع العام الماضي ،وجاء هذا الوضع نتيجة الخناق والتضييق المستمر الذي تمارسه السلطات المخزنية على الصحافة المكتوبة والمرئية ،وشهدنا جميعا المحاكمات المتتالية لصحفيين حيث تم تسخير القضاء من قبل المخزن من أجل فرض خناق على المنابر الاعلامية المستقلة والهادفة ، فقد صدرت في حق العديد من الصحفيين أحكام نافذة وأخرى موقوفة التنفيذ ،مع أداء غرامات خيالية ،الامر الذي تسبب في اقبار العديد من الصحف المستقلة التي تسهر دائما في ايصال المعلومة الصحيحة باحترافية عالية الى المواطنين ، الذين يعانون من التعتيم الاعلامي الكبير الذي تنهجه السلطات في العديد من المناسبات ،وكما أنها تعمل من أجل فضح كل الشعارات المزيفة التي ترفعها الجهات التي تحكم البلاد .
وخلال هذه الايام فقط قامت السلطات المخزنية بتعليق نشاط قناة الجزيرة مع وقف العمل بالاعتمادات الممنوحة لطاقمها بدعوى أن الوزارة الوصية قامت برصد حالات عديدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحفي الجاد والمسؤول،الذي يقتضي التقيد في جميع الظروف والأحوال، بشروط النزاهة والدقة والموضوعية، والحرص على احترام القواعد والآداب المهنية، وأضافت الوزارة الوصية في بيان لها أن الجزيرة تسببت في الحاق إضرار كبير بصورة المغرب ، ومساس صريح بمصالحه العليا، وفي مقدمتها قضية وحدته الترابية وهذا كله نتيجة البرامج الاخبارية التي أنجزتها قناة الجزيرة حول المغرب ،هذا التصورالذي بررت به السلطات المخزنية قرار المنع يبين بجلاء بلادة وتخلف وغباء هؤلاء المسؤولون، فهم يصفون الجزيرة بأنها تسببت في أضرار كبيرة للمغرب ،كأن القناة دولة لها جيوش تستعد لشن ضربة عسكرية على المغرب ،وكأن الصحفيين الذين يشتغلون في هذه القناة يحملون قنابل وأسلحة نووية يهددون من خلالها استقرار البلاد.
في الحقيقة المبررات التي اعتمدت عليها السلطات لايمكن في حال من الاحوال أن تكون سببا وراء تعليق نشاط الجزيرة ،فحسب اعتقادي هذا المنع جاء لتنفيذ رغبات بعض الجهات بدون تسميتها التي لا تريد لقناة الجزيرة أن تستمر في بث برامجها في المغرب،فلو كان ما تقوله المغرب صحيحا فلماذا تم الترخيص للقناة بالعمل في المغرب منذ البداية ،فخطها التحريري لم يتغير و لا يمكن أن تحيد عن خطها التحرير لو سمح لها مجددا ببث برامجها من المغرب كما جاء على لسان مسؤول قناة "الجزيرة" القطرية محمد خروبي بالرباط، لقد بدأ التضييق على قناة الجزيرة منذ تولي عباس الفاسي رئاسة الحكومة،فلا يخفى عليكم أن عباس الفاسي لا يحب هذه القناة وهذا بدأ واضحا منذ الحملة الانتخابية لسنة 2007،بحيث قامت الجزيرة باستضافته في النشرة المغاربية حيث لوحظ غضبه الشديد على الصحفي الذي يستجوبه ومن خلال ذلك وجه عتابا شديدا لقناة الجزيرة التي فضحته أمام المشاهدين بكونه هو المسؤول عن تشريد ما يزيد عن 30000مواطن مغربي في اطار ما يسمى بقضية "شركة النجاة"والتي تسببت في انتحار العديد من المواطنين الذين تم النصب عليهم ،وهكذا قد نكون أمام تصفية حسابات شخصية ضيقة لا أقل ولاأكثر ،والدليل على ذلك هو مطالبة وزارة الاتصال المغربي من القناة بتقديم اعتدار للشعب المغربي اذا أرادت العودة لبث أنشطتها الاعلامية من جديد بالمغرب ،وعليه قد يكون المقصود بالمواطنين هنا السادة المسؤولين الذين أسأت القناة الى شخصهم بعد أن قامت بفضحهم أمام الملايين من المشاهدين.
وقد يكون السبب الاخر من منع الجزيرة هو قيامها بتغطية أخبار مخيم النازحين بشرق العيون ،فالمخزن يريد أن يفرض تعتيما على القضية لكي يستغل الفرصة في تمرير بعض الاخبار الزائفة عبر وسائل الاعلام العمومي بحيث يظن بأنها الطريقة المناسبة لتفكيك مخيم النازحين على غرار بعض القضايا السابقة ،في حين أن ذلك سيزيد في تفاقم الازمة بشكل كبير،باعتبار أن المخيم يشرف عليه لجنة لها خبرة عالية في التنظيم والتخطيط ،ولايمكن بحال من الاحوال للمخزن أن يحل مشكل النازحين من خلال اداعة أخبار زائفة والتي يعتقد بأنها ستحدث شرخا في صفوف النازحين،فالحل واضح وهو أن يعمل على الفور بالاستجابة لمطالب النازحين العادلة والمشروعة قبل أن تتطور القضية وتتأزم والتي قد تتجاوز نصب الخيام من منطقة العيون الى مناطق أخرى من المغرب التي تعاني من التهميش والبطالة والفقر...غير أن المخزن قد يلجأ في حالة عدم نجاح خدعه الى استعمال القوة لتفريق المعتصمين المصرين على الصمود الى أن تتحقق مطالبهم.
أما قولهم بأن الجزيرة تنحاز الى أطراف خاصة فيما يخص قضية الصحراء فهذا يمكن أن نقول بأنه مبالغ فيه بشكل كبير ،فالجزيرة تعمل على استضافة مسؤولين مغاربة وجها لوجه مع أعضاء جبهة البوليساريو لكن للاسف الشديد فان المسؤولين المغاربة لا يعرفون كيف يدافعون في التلفزيون عن قضاياهم كقضية الصحراء ، بحيث نجد أن خطابهم يكون ضعيفا وغير مؤثر بالمرة وهذا يلامسه المشاهد المغربي بشكل كبير ،مما يعني أن على الجهات المعنية أن تعد جيدا لمثل هذه اللقاءات الاعلامية في مثل هذه المنابر الاعلامية التي لاتشبه مطلقا الاعلام العمومي المغربي ،وعليه فالبنسبة لقضية الصحراء فالمسؤولين يرتكبون أخطاءا فادحة مما يجعل الطرف الاخر يستغلها ويستثمرها بشكل جيد في تمرير خطابه .وهكذا فالعيب ليس في الجزيرة وانما العيب في المسؤولين الذين يجب عليهم محاربة الامية في هذا الجانب .
ان الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن السلطات لا يمكن أن تسمح لاي منبر اعلامي سواء كان مغربي مئة بالمئة أو كان أجنبي يعمل على فضح شعارات المخزن باستمرار ،كما أشرنا من قبل فالسلطات فرضت تضيقا كبيرا على الصحف المستقلة وتختلف الدرائع التي تعتمد عليها لتبرير ذلك ،مرة باهانة الملك أو أحد أفراد أسرته ومرة باهانة القضاء ومرة بنشر أخبار زائفة وهلم جر،فليس الجزيرة وحدها التي طالها المنع والتضييق ،بل حتى الصحف المغربية المستقلة ،هذه الاخيرة هي ضحية الاستبداد الذي يمارسة المخزن ضد كل الاصوات الحرة بهذا البلد التي تجد من أجل نقل كل الحقائق بموضوعية وباحترافية عالية الى المواطنين ،لم نسمع يوما أن المخزن قام بمنع صحيفة غير مستقلة،لانها باختصار لاتنتقد السلطات ،وانما هي مسخرة في خدمة المشروع المخزني في جميع الاصعدة وبالتالي فهي لن يطالها تضييق المخزن أبدا.
وكما تجب الاشارة الى أن الاعلام المغربي يمارس تعتيما كبيرا على مجموعة من القضايا والاحدات الاجتماعية وغيرها التي تقع في بلدنا ،وبالنسبة الي أعتبرهذا التعتيم الاعلامي على قضايا الشعب هو الخطا الاكبرالذي ترتكبه السلطات المخزنية ،وهذا لامسناه في مجموعة من المناسبات نأخذ على سبيل المثال الاحداث المأساوية التي وقعت في سيدي افني ،هذه الاخيرة كذب السيد الوزير الاول في البداية وقوعها وفرضت السلطات تعتيما اعلاميا عليها،لكن بفضل الجزيرة استطاع المشاهد أن يطلع على الحقيقة بعد تغطيتها بشكل كبير للاحدات،فلولاها لاستمر القمع والتهميش ضد البعمرانيين دون أن يعلم المواطنين بدلك ،وكما تنشر القنوات العمومية أحيانا بعض الاكاذيب سرعان ما تفضحها القنوات الاخرى أو الجرائد المستقلة خاصة الالكترونية منها ولعل أخرها اداعة القنوات العمومية أن العديد من المواطنين الصحراويين رجعوا من مخيم شرق العيون بعد أن استفادوا من بطائق الانعاش والسكن والتشغيل وبالتالي تم التوصل الى حل لمشكل المخيم ،لكن ما سيفيض الكأس هو البيانات الصادرة من لجنة المخيم والتي نشرتها بعض المواقع الالكترونية والتي تؤكد بأن لا أحد من النازحين خرج من المخيم وبالتالي تم تكذيب رواية السلطات المخزنية ، وقس على ذلك محموعة من القضايا المجتمعية المشابهة .
أما من يقول بأن الجزيرة تفرض تعتيما على قطر فذلك لايهم الشعب المغربي ،وانما ذلك الامر يهم الشعب القطري الذي يجب عليه أن يطالب مسؤوليهم برفع التعتيم الاعلامي عنهم ،لان ذلك يضرهم ولا يضر غيرهم نظرا لكون الاعلام يساهم في تنمية وتطور البلاد ،واذا قارننا المغرب مع قطر فهذه الاخيرة تحتل المراتب المتقدمة في مختلف الميادين على المستوى العربي .
ومن جهة أخرى ما الذي يمنع المغرب من احداث قناة مشابهة لقناة الجزيرة عوض صرف أموال طائلة في البهرجة وفي افلام مدبلجة سئم المغاربة من مشاهدتها ،فلوكان المغرب يمتلك الجرأة لقام بتحرير اعلامه بشكل يمكنه من منافسة الاعلام العالمي المتطور. وأن يكف عن التضييق على حريات التعبير و الإعلام،لان ذلك هو الذي يضر بمصالح المغرب ويسبب في تخلف البلاد.