و انا في احد المقاهي اتصفح الفايسبوك و بريدي الإلكتروني منزويا في ركن من اركان المكان، و بجانب احد الأصدقاء هو كذلك يتصفح هاتفه المحمول، فجأة شعرت اني اعيش في كوكب بعيد عن هاته الأرض فتوقفت قليلا و نظرت إلى ماحولي فوجدت كل الجالسين منغمسين في عالم النت، باسثتناء رجل في الستينيات و شاب يتفرجا في مقابلة لكرة القدم على التلفاز. إن هذه المعاينة اللحظية الواقعية تفيد بأن العالم الإفتراضي بدا يسحب منا علاقتنا الإجتماعية بحيث كانت المقاهي قبل سنين قريبة جدا، فضاءات للتجمع و النقاش بين الأصدقاء و مكانا للاستراحة بعيدا عن تعب العمل و هربا من ضيق مساحات الجدران. إن هذا يجرني للقول بأن العالم الإفتراضي بقدر ما اصبح يقرب المسافات بين الناس فهو كذلك اصبح يخندق كل فرد في عالمه بعيدا عن واقع الحال، و الملاحظ فما ينطبق على الأماكن العمومية ينطبق كذلك على البيوت و على الأسر التي اصبحت تعيش في عزلة بين افرادها كل واحد في منطقته يكلم عالمه الافتراضي بعيدا عن عالمه الحقيقي. و اليوم اصبحنا نحس بخطورة هذا العالم، عالم يفكك اكثر مما يجمع، عالم نلتقي فيه اكثر من واقعنا الذي تتفكك منظومته الإجتماعية يوما عن يوم، فالعالم اليوم يعيش تحولا سريعا فيه منافع للناس و في المقابل بأس شديد، و من هذا المنطلق يبقى السؤال الجوهري: ما العمل؟ ففي ظل التطور التكنولوجي المستمر الذي هو نتيجة حتمية للتطور العلمي فإن معالجة جوانبه السلبية تبدو اصعب مما نتصور، فتحويل المجتمع إلى خلايا منعزلة داخل الأسر و العائلات ينذر بانتهاء مفهوم الأسرة و الانزياح نحو الفردانية التي هي من مظاهر النظام اليبرالي المتوحش و من مظاهر تشيئ الإنسان بعيدا عن التضامن الأسري و بعيدا عن مفهوم القبيلة و الجماعة. فالمجتمعات اليوم تعاني من الإنعكاسات السلبية للطفرة الكبيرة في عالم النت، و الأسر التي من المفروض ان تنعم بحياة جماعية عادية اصبحت في عزلة داخل البيوت فيما بين افرادها، و هذا مؤشر على انكماش اواصر القرابة و عن التحول في عادات و انماط العيش داخل البيوت. لذا فإن الإحساس بهذا الخطر هو محط نقاش و يجب ان يفتح فيه نقاش في الجامعات و المدارس و ان يتناوله الباحثون في بحوثهم. فالكل اليوم معني بهذه المخاطر التي اصبحت اكثر من أي وقت مضى، تكون خطرا ليس فقط على الفرد بل على المجتمع ككل، و من المفروض ان يتم تقنين استعمال النت داخل البيوت بوضع قانون داخل البيوت من طرف الأسرة لاستعمال النت، و فرضه بشكل موضوعي و حبي ما بين افراد العائلة و تحسيس التلاميذ و الشباب بكل نتائجه السيئة داخل المدارس و في كل المراكز الثقافية و حتى الملاعب الرياضية. كما ان للآباء دور في مراقبة الأبناء فيما يخص تعاطي ابنائهم للعالم الإفتراضي و كل ما يتعلق بالنت، إضافة إلى ضرورة التفكير في تقنين استعمال النت و ان كان له اثارا ايجابية فهو في سلبياته قد يدمر كل شيء. لا نعلم ماذا يخبأ العلم لنا الذي يتطور من اجل تحسين عيش الإنسان، لكن في المقابل يساهم في تفكيك التساكن و التأخي و التضامن في المنظومة المجتمعية الإنسانية، و هكذا تتوقف الأفكار فجأة بعدما نظرت من جديد بتمعن إلى ماحولي و ادركت اني كذلك كنت منغمس في عالم الكتابة.