تعتبر المملكة المغربية من أهم الدول المنتجة للتمور نظرا لتوافر الظروف البيئية و المناخية الملائمة لزراعة النخيل. كما يعد إنتاج التمور المصدر الأول للدخل لدى سكان الواحات بنسبة تتراوح بين 40 و 60 % و يشكل أحد المصادر الرئيسية لتمويل العمليات الزراعية و العنصر الأساسي لتنشيط الحركة التجارية بين الأقاليم الجنوبية و باقي أقاليم المملكة. و علاوة على التمور الموجهة للاستهلاك البشري، يوفر النخيل عدة منتجات ثانوية تنعش و تدعم بعض الأنشطة ذات صبغة اقتصادية و اجتماعية (علف للماشية، سقوف المنازل، سياجات لمكافحة زحف الرمال، صناعات تقليدية محلية عديدة، وقود...). وقد اكدت الدكتورة حسناء الحراق أستاذة البحوث خبيرة في التثمين التكنولوجي للتمور المركز الجهوي للبحث الزراعي بمراكش المعهد الوطني للبحث الزراعي على الرغم من الأهمية التي يمثلها قطاع النخيل بالمغرب، فإنه يعرف عدة مشاكل خلال مرحلة ما بعد جني التمور نذكر منها بالخصوص، غياب الاستغلال الصناعي للتمور خاصة التمور ذات قيمة تجارية ضعيفة حيث أن رغم توفر المغرب على عدة أصناف متوسطة و ضعيفة الجودة التي تعاني من مشكل التسويق و كذا على التمور الرطبة التي يصعب تخزينها، فإننا نجد غياب الصناعات التحويلية التي قد تمكن من تثمينها و الدفع باستهلاكها، مما يؤدي إلى ضياع جزء هام منها. و من أجل استغلال هذه التمور، تقوم الأسر بالواحات بتحويلها بطرق تقليدية تلعب النساء في هذا المجال دورا حيويا بالنظر إلى ما تمتلكه من خبرات و مهارات مهمة. و يعرف هذا التحويل تنوعا هائلا في طرق التحضير حيث تأخذ التمور المحولة و الموجهة في أغلب الأحيان للاستهلاك المحلي، أشكالا مختلفة نذكر منها : "المعجونة" (نوع من عجينة التمر)، " تصابونت" (نوع من عصير التمر يحضر من الأصناف الرطبة)، "لهريسة" (نوع من دقيق التمر الجاف). و يعتبر هذا التحويل مهما ليس فقط لأنه يمكن من تثمين التمور ذات الجودة الضعيفة و لكن أيضا و خاصة لأن التوابل (الأعشاب العطرية و الطبية) التي يتم إضافتها تحسن من مذاق هذه التحضيرات و ترفع من الجودة الغذائية و القدرة العلاجية لبعضها. و رغم هذه الإيجابيات، فإن هذا "التراث الإنتاجي" يبقى عرضة للتلف و الانقراض تحت تأثير بعض العوامل الطبيعية و البشرية. و في هذا الصدد، يقوم المعهد الوطني للبحث الزراعي بأنشطة بحثية تتضمن دراسات حول تحويل التمور من أجل تثمينها للاستهلاك البشري و من أجل كذلك الحفاظ على الخبرات و المهارات الخاصة بالطرق التقليدية لتحويل التمور و كذا فتح آفاق هامة في مجال تثمين و تحسين جودة هذه المنتوجات المجالية من أجل التمكن من إنتاجها في إطار تعاونيات أو وحدات محلية و تسويقها بقيمة مرتفعة. و لهذا قام المعهد الوطني للبحث الزراعي ببحوث حول دراسة القدرات التكنولوجية و تحويل التمور المغربية. و اهتمت البحوث بتحويل التمور إلى عجينة و طحين و مربى و زبدة و مرملاد و دبس و غيرها باستعمال أصناف ذات قيمة تجارية ضعيفة و ذات قابلية للتحويل. و تتميز هذه المنتوجات بجودتها الغذائية و العضوية و التجارية. كما قام المعهد بإنجاز مشروع حول تثمين عصير التمر التقليدي "تصابونت" باعتماد تكنولوجيا عصرية و ذلك بشراكة مع مركز التعاون الدولي حول البحث الزراعي من أجل التنمية بفرنسا (CIRAD). كما يقوم المعهد بالتكوين و التأطير التقني لمجموعة من وحدات تحويل التمر بمراكش و زاكورة و طاطا و كلميم و الراشيدية في إطار شراكات مع الصندوق الجهوي لإنعاش الشغل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات في إطار التعاون المغربي البلجيكي (CTB) و مع برنامج تنمية واحات الجنوب (POS) و برنامج تنمية واحات تافيلالت (POT) المدعمين من طرف برنامج الأممالمتحدة من أجل التنمية.