أثناء قدومي إلى إحدى المقاطعات بمدينتي تيزنيت على الساعة الثالثة بعد الزوال، للحصول على وثيقة إدارية بسيطة، لم أكن في أقصى حالات التشاؤم لأتصور أن أجد المكاتب مغلقة بذريعة انصراف جميع الموظفين لتناول وجبة الغذاء، ولم يكن ذلك ليستفزني لو لم أحضر إلى نفس المكان قبل ساعتين من ذلك التوقيت الواحدة و الربع و أجد نفس الوضع. وقفت أتأمل المنتظرين، بعضهم يجلس متجاورين على كراسي مهترئة ، في حين يقف الكثيرون ينتظرون لعل الموظفين يعودون من رحلة الغداء الطويلة ... الوجوه صماء لاتوحي بأي شيء ، ولعل دواخلهم لا تغلي كما أعماقي، تنتابني أحاسيس مختلطة : غضب ، ملل،غصة، استفزاز ... وإحساس طاغ بالحكرة ، ليس من أجلي فحسب، فلم تكن تلك الوثيقة غرضي بالمستعجلة ولا المصيرية، بل من أجل من أراقبهم يجلسون أو يقفون أمامي، أغلبهم تقدمت به السنون،و الكثير منهم نساء، لكل منهم غرض يرى قضاءه في مجيء موظف، ولا ضير فالأيام كثيرة ، والموظف قد يأتي غدا، وربما يخبر احدهم أن ملفه غير كامل، فيرسله إلى إدارة أخرى ، يجد فيها رحلة غداء أطول مع قيلولة... سمع المنتظرون صوت دراجة نارية، تدخل المقاطعة،تململ الجميع مكانه، واشرأبت الأعناق نحو القادم، وسمع صوت تحرك الوثائق بين الأيدي، سبقت فتاة حسناء الجميع نحو الموظف ، تبادلت معه كلمات سريعة غير مسموعة، تظاهر بمحاولة فتح الأبواب الموصدة،تغيرت ملامح المنتظرين، استدار نحو الجميع ليقول عبارة بليدة مشهودة : إنهم سيعودون قريبا، فقد انصرفوا لتناول الغداء. عادت ملامح الجميع كما كانت،استوى الجالسون على كراسيهم، عاد المستندون إلى جدرانهم... خرج الموظف غير آبه لينتشي بتدخين سيجارة بعد غداء طويل... تبعته خارجا و أنا اسب و ألعن ، لا من أجلي ولا من أجل المنتظرين، لكن من أجل وطني الذي ابتلي بهذا النوع من الضمائر المستترة ،والتي تجر المغرب إلى الوراء،وعرفت فعلا ماذا يعني التوقيت المستمر في الإدارات المغربية : التوقيت مستمر و العمل متوقف، أو كما قال أحد الأصدقاء : وجبة غداء طويلة تتخللها لحظات عمل. ملحوظة : هاته الحادثة حقيقية و كل تشابه بينها وبين الخيال فهو بمحض الصدفة . الكاتب: احمد إدناصر