القرار الذي اتخذه الموظف العمومي المعين خارج التدبير الدستوري الجديد، والمكلف بالتربية الوطنية والتعليم، السيد رشيد بلمختار، والقاضي بمنع رجال التعليم من متابعة الدراسة والتحصيل العلمي، هو قرار يستدعي الانتباه إليه، وتقليب زواياه، ووضعه على أكثر من مشرحة لفهمه والتفاعل معه... بالنظر للتعليل الذي دفع به السيد رشيد بلمختار، كون الدراسة تشغل المدرس عن الاهتمام برسالته الأولى، وهي تدريس التلاميذ، وربما استنادا إلى معطيات احصائية تتوفر عليها الوزارة، كون مدد الغياب المسجلة لدى هذه الفئات تكون مبررة بالالتحاق بأقسام الدرس، أو اجتياز الامتحانات وما إلى ذلك مما يمكن بالفعل مؤاخذة رجل التعليم حوله، وهو يتدبر تنمية مداركه ومعارفه على حساب التلاميذ الذين يمنحونه الصفة التي يدرس بها... بالنظر إلى هذا التعليل، لا يمكن طبعا سوى تأييد هذا القرار... بالرجوع إلى تاريخ التعليم في المغرب، لا يمكن سوى التنويه بالمجهودات التي بذلها رجال التعليم وهم يزاوجون بين ممارسة مهنتهم ومتابعة دراستهم، ليس فقط من أجل تحسين أوضاعهم المادية، ولكن مساهمة منهم في اثراء المشروع الفكري المغربي بشكل خاص، وتبويئه صدارة المشهد الفكري والمغربي بشكل عام، لا يحضرني للأسف سوى مثالين جسدهما الراحل محمد عابد الجابري، الذي بدأ معلما في الجبال وانتهى مفكرا عربيا ساهم في تثوير الفكر العربي برمته، والناقد محمد البحراوي الذي تدرج في مسالك التعليم والتعلم ليبصم عالمهما بانتاجاته في مجال النقد والأدب... هناك بالتأكيد أمثلة أخرى كثيرة لا تحضرني الآن، لكن يمكن لدراسة حول الموضوع أن تبرهن للسيد بلمختار جدوى فرص الدراسة التي تمنح لرجال التعليم... القرار بالشكل الذي اتخذ به يبطن سوء نية مقصود، ويبطن أكثر من ذلك، نظرة متخلفة لهذا الرأسالمال البشري، المكون الاساسي لما سمي بالرأسمال غير المادي، والذي فجأة استفاقت الدولة على الوعي به... مما يجعل من قرار السيد الموظف العمومي المكلف بالتربية الوطنية في تناقض تام وخطاب الدولة الرسمي الداعي إلى تنمية هذا الرأسمال والاعتناء به... هناك دائما حلولا توافقية تراعي مصالح الجميع، لو كانت للوزارة نية الاعتناء بطاقاتها البشرية، كمنح التراخيص المسبقة مع تشديد المراقبة على الحضور، التفاوض مع مراكز الدراسة من أجل تمكين رجال التعليم من متابعة دراستهم في شعب لا تستوجب الحضور الضروري، ضبط التكليفات للأوضاع الدراسية المحددة وما إلى ذلك مما يمكن بالفعل تقديمه كمساعدة وتحفيز من أجل حث الاساتذة على استكمال دراستهم... لا الخروج بقرار أقل ما يقال عنه أنه ينتمي إلى العصور البائدة.... طبعا لا رغبة للوزارة في فريع الراس هذا، واستكانت إلى البتر كعلاج له... انه زمن بلمختار... زمن بلا اختيار...