من مظاهر تخلفنا الناطقة أننا لم نعترف يوما بالعلوم الانسانية وقدرتها على تحليل الظواهر الاجتماعية.لقد احتقرنا السوسيولوجيا واعتبرناها ترفا،لذلك لا أجدني اليوم متفاجئة بكل هذه الخفة والسطحية في مقاربة حركة احتجاجية تتمظهر في الشارع بفاعلين يافعين ومراهقين. بين من يسارع الى تبني دغمائية مفرطة في استحضار نظرية المؤامرة وأن هناك من يسعى لاسقاط الحكومة فيؤجج الشارع ضدها،وبين من يبالغ في الاعتقاد بوجود جهات خفية تحرك التلاميذ وتذكي احتجاجاتهم وبين من يستهين بكل ما يحدث وينظر باستخفاف لمظاهرات يعتبرها بدون دلالة تضيع الحقيقة. ليس من بين هؤلاء من يدعو إلى التريث في الحكم،والدعوة إلى إجراء قراءة هادئة لما يحدث بحثا عن دلالات تدفق واع لحركية التلاميذ في الشارع بعد قرار لا يختلف اثنان في المغرب على انتقاد الطريقة المرتبكة والارتجالية التي دبر بها. إن الذين يصرون على تجاهل كل التحولات التي تخترق بنية المجتمع ووعي الاجيال،ويستخفون بحالة الاحتقان والاختناق السائدة،والذين يتسرعون في اطلاق الاحكام دون تنسيب،كلهم لا يساعدون على البحث عن اجابات لأسئلة حقيقية أهمها على الاطلاق: ما أسباب كل هذا الحنق والسخط وعدم الرضى الذي يعبر عنه الناس بمختلف فئاتهم؟ إذا عجزنا عن طرح الأسئلة الصحيحة،فإننا بالضرورة سنصل إلى إجابات خاطئة.